الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
عن ثوابت السياسة المصرية نحو قطاع غزة /حماده فراعنه

ثلاثة التزامات تحدد صيغة العلاقة المصرية وسياساتها نحو طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، والباقي تفاصيل لتهذيب المشهد أو لتمرير قرارات، والحقيقة الساطعة التي يجب القبول بها والتعامل معها واحترامها في نفس الوقت أن حركة الإخوان المسلمين الآن التي تقود الدولة المصرية، أو تشارك بقيادتها من موقع قوة قيادية سواء مع الجيش أو مع المؤسسات والمتمثلة بالمقولة القائلة "إن مصلحة مصر أولاً"، وهذا يعود إلى حالة توافق بين الأطراف المشاركة في صنع القرار المصري:

حركة الإخوان المسلمين، حتى تواصل حفاظها على الموقع القيادي الذي حصلت عليه، لها مصلحة في معالجة الاختلالات السياسية والاقتصادية واستقرار الأمن وإنهاء حالات الفقر والحاجة والمديونية وتطوير الاقتصاد والإنتاج حتى يرى المواطن المصري ويلمس قدرة الإخوان المسلمين ونجاحهم في حل مشاكله اليومية والمعيشية وتوفير الخدمات الضرورية الأساسية له من تعليم وعلاج وتوفر العمل بدلاً من أن تبقى مصر طاردة لشبابها وهم بالملايين ينتشرون في بلاد العالم بحثاً عن العمل ولقمة العيش، وحتى يكون ذلك، يجب إعطاء الأولوية لمصلحة مصر أولاً.

والجيش والمؤسسات يرون أن توسيع دائرة الاهتمامات ووضع أجندة أولويات غير وطنية محلية، لا يوفر القدرة للمصريين لتلبية احتياجاتهم وتغطية التزاماتهم الملحة ومعالجة مشاكلهم، ولذلك فهم يبادلون الإخوان المسلمين الفهم وإعطاء الأولوية للاهتمام بالقضايا المحلية الوطنية على أي اهتمام آخر، وهذا ما يفسر عدم إيلاء أي موضوع سياسي أو اقتصادي عربي أو إسلامي أو إفريقي الاهتمام المطلوب كما ترغب بعض الاتجاهات القومية والإسلامية واليسارية، بما فيها أجنحة وفصائل حركة الإخوان المسلمين غير المصرية، التي تلتزم بسياسات وتوجهات مكتب الإرشاد المركزي الذي يديره محمد بديع المرشد العام لحركة الإخوان المسلمين في العالم.

الالتزامات الثلاثة التي تحكم القاهرة وتحدد مساراتها وكيفية تعاملها مع طرفي الصراع الفلسطيني الإسرائيلي هي على التوالي:

أولاً: اتفاق كامب ديفيد، فقد التزمت حركة الإخوان المسلمين مع الأميركيين والأوروبيين بالتمسك بمعاهدة السلام المصرية الإسرائيلية ولها الأولوية على ما عداها من التزامات واتفاقات، وهذا الالتزام بات معلناً وواضحاً سواء من قبل المرشد العام أو من قبل الرئيس المنتخب محمد مرسي.

ثانياً: الاتفاق مع صندوق النقد الدولي الذي سيوفر لمصر قرضاً بقيمة 4.8 مليار دولار وهو التزام له مضمون سياسي، وقد اشترط ممثل الصندوق مشاركة البرلمان المصري والإخوان المسلمين تحديداً وموافقتهم على شروط الصندوق ليكونوا شركاء في تحمل المسؤولية وتبعاتها نحو الصندوق ومن أجل فرض سياسات تسعيرية للسلع ورفع الدعم عن سلع حتى يتم تسهيل الحصول على القرض، وهو لا يتعارض مع البند الأول بل ويكمله باتجاه "مصر أولاً".

ثالثاً: الالتزام بتفاهمات القاهرة لوقف إطلاق النار الموقعة بتاريخ 21 تشرين الثاني 2012، بين حماس وإسرائيل والذي تم التوصل إليها بين إسحق مولخو مستشار نتنياهو وعصام الحداد مستشار الرئيس محمد مرسي وبين مديري المخابرات المصرية رأفت شحاتة والموساد الإسرائيلي سمير بردو.

سياسات مصر الداخلية وأولوياتها هي التي تفسر تدمير الأنفاق بدون التشاور مع حركة حماس وبدون التنسيق معها، علناً، وربما بموافقتها أو بقبولها الصامت واحتجاجها الرخو، ويفسر ما أعلنه مدير المعابر عن وجود تسهيلات إسرائيلية على معابر قطاع غزة، وهي تسهيلات تم التفاهم بشأنها بين القاهرة وتل أبيب بعد حملة تدمير أنفاق التهريب، وبديلاً عنها.

توقيع خالد مشعل على الورقة المصرية بشأن الوحدة الفلسطينية تم بقرار المرشد العام محمد بديع وبضغط منه، وهي الورقة التي سبق وأن رفضها مشعل نفسه، فالتفاهم الأميركي مع الإخوان المسلمين تم بشأن المنطقة العربية بمجملها باستثناء حل القضية الفلسطينية والموقف من حركة حماس، ولذلك دفع المرشد العام حركة حماس كي تدخل مؤسسات منظمة التحرير، لأن لا مجال أمامها للحصول على الشرعية إلا عبر منظمة التحرير والانخراط بمؤسساتها والالتزام بسياستها، وهو أمر وقرار وسياسة لا تستسيغها القيادات العسكرية والأمنية المتنفذة لحركة حماس في قطاع غزة، ولكن قيادة حركة حماس السياسية في الخارج تدركه وتتعامل معه وتتكيف مع التزاماته .

سياسة مصر في عهد الإخوان المسلمين، لا تختلف في جوهرها عن سياستها في عهد مبارك، لأن المعطيات الاقتصادية والاجتماعية واحدة وهي التي تصنع السياسة وليس الرغبات والشعارات، وهذا ما يفسر جملة الوقائع الجارية في تعامل القاهرة مع قطاع غزة بما فيها تدمير الأنفاق واستمرار الحصار، وهذا ما يفسر قول القاهرة الدائم على أنها تحترم الاتفاقات الدولية الموقعة مع الآخرين بما فيها كامب ديفيد.
[email protected]

2013-02-24