الأربعاء 12/10/1444 هـ الموافق 03/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
تشريح الشهيد جردات في ابو كبير تشويش على جريمة القتل بالتعذيب/اسماعيل مهره

اسماعيل مهره– مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية
لا أعتقد أن أحداً كان بحاجة لإخضاع الجسد الطاهر للشهيد عرفات جرادات للتشريح الطبي للوقوف على أسباب وظروف استشهاده، باستثناء اسرائيل التي سعت من خلال للتحقيق الطبي الجنائي عبر التشريح وبحضور ممثلين عن السلطة وعن عائلة الشهيد – كما جاء في الاعلام الإسرائيلي- لتبرئة نفسها من ارتكاب الجريمة تبرئة مقرونة بتحقيق اجتهدت كثيراً لتظهره على أنه تحقيق نزيه وشفاف، تجريه بحضور اشراف فلسطيني وطاقم إسرائيلي ربما يتمتع بالكفاءة المهنية، لكن لن نكون سذجاً لنصدق أنه يتمتع بالنزاهة العدلية التي وصلت فضائحها الى مستوى المتاجرة بأعضاء شهدائنا، ولنا نحن الفلسطينيين تجارب مؤلمة مع مختلف مؤسساتهم القانونية التي صدق بعضنا أنها يمكن ان تتجرد من عنصريتها وولائها الصهيوني، وتقف ولو لمرة واحدة على الحياد، وليس أدل على ذلك من قرارات ما تسمى بمحكمة العدل العليا في الاستيطان والجدار وحتى في الانتهاكات الواضحة لحقوق الانسان الفلسطيني.
اسرائيل تجيد شيطنة الأمور بطريقة لا يستطيع أحد مجاراتها في ذلك، فهي تملك الاعلام والمال والخبراء ودهاء ابليس تستطيع معه أن تقلب الحق باطلاً والباطل حقاً، وتريدنا أن نجاريها لعبتها في الدخول الى دهاليز وتفاصيل نتيه فيها وتحرفنا عن حقوقنا الرئيسية، أو على الأقل تنجح في التشويش عليها، وهى أرادت من اجراء التشريح بحضور فلسطيني أن تقول أن ليس لديها ما تخفيه، وخلق صعوبات أمام أي ادعاءات فلسطينية تخالف نتائج التشريح.
المستغرب هنا هو حقيقة موافقتنا على اجراء التشريح ومواقتنا المشاركة والاشراف، فإن كان من شارك يعتقد أنه يستطيع أن يصل لنتيجة تدين المجرم فإنما هو ساذج كبير، ساذج على مستوى الثقة بجزاري أبو كبير، وساذج مرة أخرى في مدى معرفته بأساليب التعذيب التي يمارسها مجرمي الشاباك في أقبية التحقيق.
فنحن الفلسطينيون لم نكن بحاجة لبراهين وقرائن نستطيع من خلالها تحميل اسرائيل المسؤولية عن استشهاده، فطالما استشهد اثناء الاعتقال فإسرائيل تتحمل مسؤولية مبدئية، لكن الأمر أكبر وأوضح من مجرد المسؤولية المبدئية، لأن الشهيد عرفات استشهد أثناء التحقيق، والتحقيق مع الفلسطينيين  لا يجرى مع فنجان قهوة، وكلنا نعرف ماهية التحقيق وأساليب التعذيب التي يمارسها المحققون، بدءاً من المنع من النوم لأيام والشبح وهو عبارة عن التعليق من الأيدي وملامسة الارض عبر أطراف أصابع القدمين، والهز العنيف للجسد والضرب الخفيف على أعلى مؤخرة الرأس، والأخطر فيها هو الاغراق مع الضغط على الخصيتين. بالإضافة لأشكال أخرى من العنف والضغط النفسي، لسنا في معرض حصرها، وقد دفع العديد من الأسرى حياتهم جراء ذلك، لكن أساليبهم من الذكاء بحيث تستطيع انتزاع الاعترافات من الضحية بالقوة، ودون أن تترك آثار جسدية واضحة وقوية، يمكن الربط بينها وبين سبب الوفاة، فنحن لسنا بحاجة للوصول الى براهين تؤكد استشهاده بسبب التعذيب لنستطيع ادانة اسرائيل، لان موته أثناء التحقيق يعنى موته نتيجة للتعذيب، فلا يوجد تحقيق إسرائيلي بدون تعذيب حتى عندما يجرى مع الاطفال والنساء.
ويكفى أننا والعالم أيضاً يعرف أن اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي سن برلمانها قوانين تجيز استخدام العنف الجسدي أثناء التحقيق مع من يوصفون بالإرهابيين، وبالأمس القريب فقط رفض يورام كوهين رئيس الشاباك توصية قاضى إسرائيلي بتوثيق جلسات التحقيق عبر تنقية الفيديو، لأن كوهين يدرك أن التوثيق سينزع منه سلطته المطلقة في تعذيب الفلسطينيين وانتهاك كرامتهم وانسانيتهم.
إن قتل الشهيد جردات أثناء التحقيق جريمة واضحة ليست بحاجة للبرهنة، لا لنا ولا للمؤسسات القانونية الدولية التي تتمتع بالحد الأدنى من النزاهة، والتشريح العدلي الإسرائيلي ليس الا فرصة للمجرم لتشويش الحقائق، ولغسل يديه من دم الضحية.

2013-02-26