الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قِطّان، وكلب: وقطعة جبن واحدة !/عادل محمد عايش الأسطل

  هما قِطّين توأمينِ يُقال لأحدهما "عفنان" ويُنادي الآخر "دفنان"، كانا قد اختلفا حول أحقيتهما في قطعةً من الجبن، ورِثاها عن والديهما عن أجدادهما، لم يعلما ولا غيرهما بأفضل منها صناعةً، ولا أزكى طهواً. وأخذتهما الأنفة واستولى عليهما الكِبر في أن يستشيرا أحداً من العالمِين، أو يأخذا بتجارب الأولين. واتفقا على أن يبُتّا في أمرها، ويفصلا فيما بينهما بمفردهما. فوضعاها في طبقٍ أمامهما، وتهيّئا لذلك. وقبل أن يبدءا الفصل فيها، اختلفا على من يلزمه إغلاق الباب الذي ما زال مفتوحاً، وادعى كل واحدٍ منهما بأنه ليس بأصغر سِناً ولا بأقل وزناً، حتى يمتثل لأمر أخيه. وبعد مُلاسنةٍ غليظة وطول شِجار، اتفقا على أن من يبدأ بالكلام، يكون قد وجب عليه تنفيذ الأمر بغلق الباب، وتراهنا على ذلك. فجمع كل منهما يديه إلى صدره وأغلق فمه وأطبقا في السكون. لم يمكثا برهة على هذا الحال، حتى دخل عليهما قِرداً ويُدعى "رِشلان" – ورد كلباً في العنوان، وأردنا هاهنا أن يكون قرداً - اشتُهر بالخبث والطمع، كان سمع تحاورهما وفهِم نواياهما، فرمق كل منهما بعينيه الحالمتين، ثم اقترب من قطعة الجبن يأكل منها جزءاً جزءاً ويتمتع بمذاقها، حتى إذا ما خشي أن ينتبها إليه، ويعودا إلى صوابهما، قام فالتقم ما تبقى منها بفمه، ولاكها بأسنانه، ثم ابتلعها دفعةً واحدة، وما زالا على سكوتهما، فلما استقرّت في أسفل معدته، وكان زائد الطمع جعل يشتمّ هنا وهناك فيما إذا تواجد المزيد، كونه لم يستعذب أكلاً مثلها، ولم يذُق طيلة حياته بأزكى منها، واقترب من "عفنان" باحثاً، بشمّهِ تارة وبلعق وجهه تارةً أخرى، حتى ضاق "عفنان" ذرعاً، ففغر فاه وصاح ينهره (هش هش) .! فما كاد أكمل نطقه حتى عاجله "دفنان" صارخاً في وجهه آمراً له: قُم فأغلق الباب .! كما وجد قادة إسرائيل، وعلى رأسهم وزير الدفاع الإسرائيلي "إيهود باراك" مبرراً لإيران، في سعيها لامتلاك أسلحة نووية، كونها دولة معرضة للخطر، فقد يجد المرء لحكومات إسرائيل المتعاقبة والحكومة الفائتة بالذات (العذر) في إقدامها ومنذ إنشاء الدولة في العام 1948، للارتكاز على مفاهيم العمل الاستيطاني، الذي يوجب ممارسة أنواع الخبث والخداع وألوان العنف، من القهر والقتل والتهجير ضد الشعب الفلسطيني، حيث نجحت الحكومات الإسرائيلية على اختلافها، في الاستحواذ على معظم الأراضي الفلسطينية، بتلك الأساليب المتحدية، ولكن في هذه المرة ليس كما المثال الإيراني، ولكن بسبب الغياب العربي والإسلامي، الأقرب إلى الكامل، من أن يشعروا بحقيقة ما جرى ويجري على الأرض في كل يوم وساعة، بل وتوازت مع ذلك الغياب، ومنذ زمنٍ بعيد، مسألة (تفهّمات) عربية وإسلامية، التي كانت بمثابة مبررات للتطبيع، وإنشاء علاقات ثنائية مع الدولة الصهيونية، وهي في الحقيقة تتصل بـأسباب عدم عروبتها كفاية، أو بفساد أدبي وأخلاقى وأسباب أخرى- حيث سمحت لها الانزلاق في هكذا طريق، وزاد الطين بلة بعد الدعوة من قِبل أنظمتها، سراً وعلانيةً، للبدء في خطوات تطبيعية مع دولة الاحتلال، بمبررات لا تحصى وأوهام لا تُعد، حيث بادرت بعض الدول بالنسج من طرفها في ذلك الاتجاه، وإن بدا مجموع تلك المنسوجات على نحو قليل ظاهراً، إلاّ أنها كانت تُعدّ من أشكال العلاقات وتُعبّر عنها، وجعلتها ذات قيمة عليا بالنسبة لإسرائيل من ثلاث نواحٍ مهمة، أولها وباختصار: الاعتراف بالدولة الصهيونية. والثانية، رخرخة العزلة العربية والدول الإسلامية والصديقة المفروضة على الدولة. والثالثة، ضمان تلاشي شبح المعاداة والحرب بشأن عملية التحرير وإلى يوم يُبعثون. وبالرغم من ذلك، يمكن أن نجد عذراً، لتلك الدول – بأنواعها – حيث جعلت من المتغيرات الحاصلة حول العالم والخاصة بحالة الحرب والسلم، من المكونات الرئيسية التي فرضت اللجوء إلى فتح مجالات واسعة تعتمد العمل السياسي والسلمي لحل مشكلات العالم، بعيداً عن الحروب وسفك الدماء، وخاصةً القضية الفلسطينية. لكن الذي لم نجد له عذراً، ولم نلتمس له مبرراً، هو الانقسام الفلسطيني الحاصل منذ فترة طويلة، بدأت ليس بأحداث القطاع فقط، وأنما منذ ولادة الفصائل الفلسطينية التي اتسمت خلافاتها بالاستعصاء على الحلول كافة، وبالتمادي في توسيعها أيضاً، والتاريخ الفلسطيني حافل بها جميعها، ليس في هذا المجال ما يروق أن نستدعي بعضاً منها. على مدار السنوات الفائتة، وفي ضوء المتغيرات السياسية حول العالم، لم يتعلم الفلسطينيين، الدرس بعد، ولم يستوعبوا التجارب السابقة، وكانت كل محاولة لجمع الصف، وإعادة اللحمة إلى مجموع الشعب الفلسطيني، تبوء بالفشل ومن ثم الرجوع إلى الخلف، وهم ينظرون إلى تلاشي الأرض الفلسطينية من قِبل الفعل الإسرائيلي، الذي يتعجّل ليضع حجراً واحداً كأساس لبناءٍ سابقٍ، خشية أن تكون هناك إمكانية لتجميد ولو لفترة محدودة للاستيطان. وبدت جُلّ اللقاءات والحوارات الناشئة بين الفصائل وخاصةً بين حركتي (فتح - حماس) أقرب إلى حوار، الطرشان وقد رسخ في فكرها مُسلّمة (لأن يكون خرابها بيدي، أفضل من أن تعمر بيدك). وهي المقولة التي تعبّر عن عدم الرغبة في تحقيق أي بند مما توجبه الوحدة، والعزوف عن فكرة التوافق حول مشروع ومرجعية وطنية واحدة. ولا ننس أن اختلاف الأسرة الواحدة، ستجعلها محل تطاول الجيران وبدرجةٍ أعلى محطاً لتمرّد الخلاّن. لقد نجحت إسرائيل في أن توصل سواء العرب عموماً أو الفلسطينيين بشكلٍ خاص، إلى مثل هذه الثقافة، وانشغلت هي بكل آلتها الفكرية والعملية، بالسعى إلى كسب الوقت لفرض الوقائع الجديدة على الأرض لكي لا تبقى فلسطين، أو ما يشير إليها، وذلك من خلال العمليات الاستيطانية المتكالبة والمستمرة طوال دقائق الزمن، حتى وصل الأمر إلى النقطة الحرجة وهي مسألة تهويد القدس، ووجود مؤشرات على وضع التصاميم المتعلقة بإقامة الهيكل الذي يعتقدون. وإذا بقي الحال العربي والفلسطيني على هكذا منوال، فإن إسرائيل لن تستولِ على فلسطين أو تهوّد القدس فقط، بل ستهوّد البحر المتوسط أيضاً، وعندها لا ندري من يتوجب عليه غلق الباب.

خان يونس/فلسطين 19/3/2103

2013-03-19