منذ مدة ووسائل الإعلام تتحدث عن انعكاسات انتخابات الرئاسة المصرية على القضية الفلسطينية عموما، وعلى موضوع المصالحة خصوصا، وعن رغبة (وأحيانا تحدثوا عن دعم!) لدى حركة حماس بفوز المرشح محمد مرسي، تـقابلها رغبة معاكسة عند حركة فتح بـفوز أحمد شفيق؛ وقد أسهب المحللون –وما أكثرهم- في شرح أسباب هذه الرغبات وطرحوا السيناريوهات المتوقعة بعد الانتخابات.
أما رسميا فقد نـفى عضو اللجنة المركزية لحركة فتح محمود العالول هذه الأخبار أو التحليلات، وتلاه القيادي في حركة حماس صلاح البردويل؛ أما نائب رئيس المكتب السياسي لحماس موسى أبو مرزوق فأعرب عن غضبه من الزج باسم حماس فيما يجري في مصر، وفي مقابل النـفي الرسمي على مستوى القيادة فإننا نرى الإعلام المقرّب أو التابع لكل من الحركتين يوحي بالضد من ذلك، سواء بطريقة مباشرة أو ما يستشف من لحن القول، ناهيك عن مسيرات قيل بأن حركة حماس نظمتها في غزة ابتهاجا بالنتائج غير الرسمية التي أفادت بفوز المرشح د.محمد مرسي؛ وبنظرة واقعية فإن حركة حماس هي الفرع الفلسطيني لحركة الإخوان المسلمين، والحركة تعلن ذلك بوضوح في ميثاقها الذي نشر بعد انطلاقتها بفترة قصيرة، وعليه فمن الطبيعي أن تكون الرغبة بـفوز مرشح حزب الحرية والعدالة الذراع السياسي لإخوان مصر التي كانت تحكم قطاع غزة حتى حرب حزيران 1967م حاضرة بل تملأ قلب حماس؛ وثمة فرق بين الرغبة وبين التدخل وأصلا لا يمكن التدخل لا من حماس ولا من فتح؛ بل إن القيادي في حماس د.محمود الزهار، الذي حصل مؤخرا على الجنسية المصرية، أعلن قبيل الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة أنه سينتخب مرشحا إسلاميا ولم يكشف من هو، علما بأنه كان هناك ثلاثة مرشحين إسلاميين على الأقل، ويبدو هذا التصريح بناء على حسابات دقيقة للرجل الذي عايش علاقات حركته بمصر صعودا وهبوطا ويبدو أنه مطلع على خبايا لا يعرفها الإعلاميون وحتى كثير من الساسة.هذا بالنسبة لحركة حماس، ولكن ماذا عن حركة فتح؟
(2)الإخوان وفتح
مصادر تاريخية موثوقة وأناس ربما بعضهم ما زال على قيد الحياة أكدوا بأن الرئيس ياسر عرفات كان مع الإخوان المسلمين، وحتى من ينفون انخراطه في صفوف الحركة يؤكدون أنه عمل معهم خاصة إبان دراسته في مصر، وقد كان أبو عمار يستخدم عبارة «الإمام الشهيد» في وصفه لمؤسس الإخوان حسن البنا-رحمه الله- حتى إبان توتر علاقته بحركة حماس، وقد حافظ على علاقات طيبة مع رموز وقادة الإخوان الذين عمل معهم في شبابه، وكان يـقبل أو يطلب وساطتهم لحل المشكلات بينه وبين حركة حماس، وأيضا تؤكد المصادر والمؤرخون والمتابعون أن خليل الوزير (أبو جهاد) كان عضوا في حركة الإخوان المسلمين، أما كمال عدوان فلم ينف أي مصدر أنه كان عضوا في الإخوان المسلمين في خمسينيات القرن المنصرم...رحم الله الجميع، ويجب هنا التنويه إلى أن هؤلاء القادة الكبار الأغنياء عن التعريف وغيرهم من حركة فتح لم يتم فصلهم من الإخوان، ولم يتركوا الإخوان بدوافع أيديولوجية؛ بل السمة الغالبة عليهم أنهم رأوا أن القضية الفلسطينية تحتاج إلى جهد خاص ومنفرد بعيدا عن رؤية الإخوان العالمية التي كانت تـبتعد في ذاك الوقت عن القطرية، وهم لم يذكروا الإخوان وقادتهم بأي سوء..ونحن نعلم أن حركة فتح تكونت من عناصر وشخصيات من خلفيات فكرية متعددة يسارية(مثل ماجد أبو شرار) وقومية(مثل فاروق قدومي) وإسلامية وهؤلاء كانوا الأبرز والأكثر تأثيرا، وهو-حسب باحثين- ما يـفسر أن بيانات فتح الأولى كانت تصاغ بلغة مفعمة بنزعة دينية تـفوح منها رائحة أسلوب صياغة البيانات الخاصة بالإخوان المسلمين، كما أن قادة فتح وبسبب حملة جمال عبد الناصر على الإخوان ربما فضلوا الابتعاد أكثر عن الإخوان رسميا وتنظيميا بل فتحوا معسكرات«الشيوخ» التي ضمت مقاتلين من الإخوان في الأردن عملوا تحت لواء العاصفة.
هذا الاستعراض السريع لتاريخ علاقة حركة فتح بالإخوان المسلمين ليس لاستجلاب عواطف أو لدعوة فتح أن تؤيد إخوان مصر أو غيرهم، إنما لتبيان أن النفور أو الفتور أو المناكفة الإعلامية هي طارئة وجديدة، وبتقديري هي ربما بدأت قبل مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية، ولكنها ازدادت بعيد الانـقسام، فأصبح إعلام فتح وكتبتها أو الكتبة المحسوبين عليها يوجهون سهام النقد أو التشكيك بالإخوان عموما وليس لفرعهم الفلسطيني فقط أي حركة حماس، وقد عرض التلفزيون الفلسطيني الرسمي مسلسل «الجماعة» مع إعلانات ترويجية له في صحيفة يومية محسوبة على فتح، و في مصر عرضته فقط قنوات خاصة، وهو عمل درامي مثير للجدل وأثار حفيظة عائلة الإمام البنا وليس فقط جماعته، وأنا واثق أنه لولا مشكلة فتح مع حماس لما عرض على الشاشة الرسمية، وهنا أستغل الفرصة لدعوة الإخوة الموجهين أو المسئولين أو المؤثرين في إعلام فتح أن يغيروا هذه الثقافة التي ترمي الإخوان عن قوس واحدة بسبب الموقف من حماس، وهذا ليس فقط من باب وضع الإخوان الجديد أو المتوقع في بلاد العرب والمسلمين، بل من باب التمسك بإرث الشهداء المذكورين وتاريخهم!
ومؤخرا التقى رئيس كتلة فتح البرلمانية عزام الأحمد برئيس مجلس الشعب في مصر سعد الكتاتني القيادي في حزب الحرية والعدالة ووجه الأحمد دعوة للأخير لزيارة الأراضي الفلسطينية، وهو لقاء يوحي بأن التعامل في الإطار الرسمي أو بالصفة الوظيفية ممكن ووارد بين الطرفين، إذا ما تعذرت إمكانية اللقاء على المستوى الحركي، كما كان يحصل في عهد أبي عمار.
(3)نظام مبارك وفلسطين
لم يكن نظام مبارك صديقا للفلسطينيين وقضيتهم، ومن سذاجة أو ربما خبث التحليل القول بأنه كان خيرا لفتح وشرا لحماس، بل كان النظام طوقا من النار على رقاب الكل الـفلسطيني، وزواله بالتأكيد سيكون على المديين المتوسط والبعيد في صالح القضية الفلسطينية، هذا بعيدا عن نزق البعض أو تضليل الإعلام، وحتى السيدة ريموندا حوا الطويل وهي حماة الرئيس عرفات، كتبت قبل مدة مقالا هاجمت فيه مبارك ونظامه وذكرت البنا وقطب بالخير، فأي فلسطيني أيا ما كان توجهه وانتماؤه يترحم على نظام مبارك أو يتمنى عودته أو إعادة إنتاجه هو صاحب أفق ضيق أو لا يرجو الخير لـقضيته؛ فمبارك نـقل ملف القضية الفلسطينية من المستوى السياسي إلى الأمني، وأرسل عمر سليمان لمقابلة الختيار في المقاطعة لنقل التهديدات الصهيو-أمريكية على الأرجح، ولم يكن يتصل به للاطمئنان عليه ولم يبذل جهدا لفك الحصار الصهيوني عنه، وهذه السياسة أي التعامل مع الفلسطينيين من الزاوية الأمنية ما زالت قائمة حتى اللحظة!
(4)تعامل حماس مع الأنظمة
بالنسبة لحماس فقد تعاملت مع النظام المصري محاولة الفصل بين مصر الدولة ومصر النظام، واحتملت الاعتقالات والتعذيب، وابتلعت صلف أحمد أبو الغيط وقرفه وتهديداته المستـفزة؛ وكانت مضطرة بسبب قهر الجغرافية، ولكن وللحقيقة فإنه لا يمكن رمي كل المسئولين في نظام مبارك عن قوس واحدة فبعضهم خاصة من العسكريين كانوا يرون في حماس سندا للأمن القومي المصري، وحدثت خلافات داخل أروقة النظام حول موضوع حماس عموما ووضعها في غزة خصوصا، بل يمكن القول أنه لولا الضغوط الأمريكية لتعايشت حماس مع النظام المصري بـطريـقة أكثر هدوءا.
أما بعد سقوط رأس النظام فقد تـقدمت المصالحة-ولو ببطء شديد- التي لم يكن نظام مبارك معنيا بإتمامها إلا وفق مقاسات إسرائيلية بحتة، وأبرمت صفقة شاليط و كان المخلوع يأمل تسليمه كهدية مجانية، ومع ذلك فإن حماس أدركت خلال شهور طويلة أن التعامل معها لم يختلف كثيرا؛ بل إن أزمة الكهرباء والتلكؤ في إدخال الوقود القطري ما كانت لتحصل في عهد المخلوع، كما أن آلية العمل على معبر رفح لم تتحسن بالقدر المطلوب، وهناك شكاوى من التعامل في مطار القاهرة، وقوائم المنع الأمني لم تنتهي وإن رفع حظر السفر عن البعض، علما أن الحظر يشمل مواطنين من مختلف الانتماءات السياسية، وبالأساس مشكلتهم مع إسرائيل لا مع مصر!
من الناحية الشكلية ومن حيث الشعور المعنوي هناك تغير؛ فأبو العبد هنية خطب من على منبر الأزهر، وتجول في القاهرة وأحيائها واستقبل من الإخوان بصفتهم الرسمية والتنظيمية بحفاوة بالغة، ولكن حماس تستشعر أن التعامل معها ومع مجمل الملف الفلسطيني في الدوائر المصرية يسير ببطء وأحيانا يتراجع إلى الخلف، وثمة همس عن مساومة غربية للإخوان كي يتخلوا عن حماس مقابل تثبيتهم في الحكم أو جزء منه.
وما أريد قوله هنا أنه من الخطأ اعتبار وضع الإخوان في أي بلد عربي مؤشرا على وضع علاقة حماس بهذا البلد؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر فإن النظام السوري بينه وبين الإخوان ما يعرفه القاصي والداني من عداوة، وقد حاول الشيخ الشهيد أحمد ياسين أن يخفف هذا العداء عند لقائه مع الرئيس حافظ الأسد ولم تنجح المحاولة، ومع ذلك فإن دمشق فتحت أبوابها لحماس وقادتها وظلت حتى الأزمة الحالية هي عنوان المكتب السياسي للحركة، لأن النظام فصل ما بين إخوان سورية وعدائه لهم وإخوان فلسطين وضرورات التحالف والتعاون والتنسيق معهم؛ أما الجزائر فحتى في أوج الانـقسام فتحت أبوابها لحماس واعترفت بشرعية حكمها إلى حد ما، وقد يكون هذا من باب المناكفة لنظام المخلوع، إلا أن حماس استفادت من هذا المتنـفس الجزائري.
في المقابل يؤكد المهندس إبراهيم غوشة أن حكومة السودان وحين كان الترابي متنفذا كانت تضغط على حماس كي تسير في ركب منظمة التحرير ونهجها، علما بأنه في تلك الفترة كانت بعض الصحف والمجلات المقربة من حماس إضافة إلى خطباء مساجد محسوبين على الحركة يشيدون بالسودان وحكومته وبالترابي ويعتبرونهم سندا استراتيجيا للحركة!
(5)وماذا بعد؟
من المؤكد بأن نظام مبارك ومثله نظام زين العابدين ونظام القذافي بالتأكيد، لم يكونوا خيرا لفلسطين وشعبها وقضيتها، وبأن رحيلهم سيكون له أثر إيجابي كبير علينا، ولكن هذه الدول ومجمل الدول العربية تمر بحالة مخاض قد يكون عسيرا وقد يطول، وقد تحدث أمور محزنة ومؤلمة، ولكن هذه ممرات إجبارية لكل الثورات، ولكن العودة إلى الوراء أمر مستحيل فلا يخافنّه أحد ولا يرجونّه أحد مهما كان لونه السياسي.
وأقول لحركة فتح: حتى لو وصل الإخوان إلى الحكم في غير بلد عربي وشاركوا بـفاعلية في حكم كل البلاد العربية فلا تظنوا أنهم سيتعاملون معكم بعداوة أو يقاطعونكم بسبب خصومتكم السياسية مع حماس، بل قد ترون منهم صدورا أدفأ من صدور الأنظمة البائدة.
وأقول لحركة حماس:إن فرع الإخوان في العراق قد انخرط في عملية سياسية رأيتم ما آلت إليه، وما هو وضع صاحب هذا الانخراط وأقصد طارق الهاشمي، وأنتم تدركون أن لكل فرع من فروع الإخوان حساباته وارتباطاته التي قد تطغى على ما تقتضيه المرجعية الفكرية، وقد عرف عنكم بأنكم سبقتم الإخوان الذين ترددوا في دعمكم بعيد انطلاقتكم كما قال إبراهيم غوشة، وأعرف أنكم لا تضعون كل بيضكم في سلة واحدة، فينبغي عدم التسرع والعيش في الأحلام التي توحي بتغير سريع في التعامل الرسمي العربي معكم، وبلا شك فإنه من الطبيعي أن يكون في عودة نظام مبارك بوجه جديد ضربة قوية لكم، ولكن هذا مستبعد أولا، وأنتم تعايشتم مع ظروف أقسى وأصعب ثانيا، فاعملوا حساب كل شيء بما في ذلك تـقهقرا وضربات موجعة للإخوان في كل بلد عربي، أي توقعوا الأسوأ، واعلموا أن قوتكم الحقيقية بتمسككم بمبادئكم وبالتفاف جماهير الشعب الفلسطيني حولكم، وبعد ذلك ليحصل في المحيط العربي ما يحصل، فالغرب يضع مصالح إسرائيل في سلم أولوياته وحتى لو قبل على مضض مشاركة الحركات الإسلامية في حكم بعض أو كل البلاد العربية فإنه سيشترط عليها ضمان أمن إسرائيل والحفاظ على علاقة جيدة معها، أو على الأقل تجنب توتير العلاقات، فأنّا لكم بذلك؟!
وبالتأكيد فإن نجاح الثورة المصرية هو خير لحماس وفتح وسائر الشعب الفلسطيني، بعيدا عن التحليلات المسكونة بالانقسام ومفاعيله!