الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أنكرته الأمم وحافظ عليه «المسلمون»..حقائق قد لاتعرفها عن «يوم الجمعة»

آيات عبد الباقي:

 

"يوم الجمعة".. ذلك اليوم الذي تكونت فيه الخليقة وشهد من أحداث الخير الوفير، يعظمه المسلمون ويخصونه بشعائر منفردة عن باقي الأيام، وعظمه الله بأن أوصى أوليائه بالتعبد فيه بل وأنزل سورة كاملة باسمه في القرآن، ومؤخرا جعلت الأمم هذا اليوم نداء للحق ومطالبة به فهو يوم للتظاهر والاحتجاجات ، رغم أن أكثرها ليس مناسبا لهذا اليوم، ولكنه يوم عيد للجميع.

 

تسميتها:

 

قال ابن كثير: إنما سميت الجمعة جمعة لأنها مشتقة من الجمع، فإن أهل الإسلام يجتمعون فيه كل أسبوع مرة بالمعابد الكبار، وفيه كمل جميع الخلائق، وفيه خلق آدم، وفيه أُدخل الجنة، وفيه أُخرج منها، وفيه تقوم الساعة، كما ثبت بذلك الأحاديث الصحاح، وقد كان يقال له يوم العروبة.

 

وعن القرطبي قال أبو سلمة : أول من قال [أما بعد] كعب بن لؤي، وكان أول من سمى الجمعة جمعة. وكان يقال ليوم الجمعة : العَرُوبة. وقيل : أول من سماها جمعة الأنصار.

 

أول جمعة في عهد النبي"ص":


قال ابن سيرين : جمع أهل المدينة من قبل أن يقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وقبل أن تنزل الجمعة؛ وهم الذين سموها الجمعة؛ وذلك أنهم قالوا : إن لليهود يوما يجتمعون فيه، في كل سبعة أيام يوم وهو السبت، وللنصارى يوم مثل ذلك وهو الأحد فتعالوا فلنجتمع حتى نجعل يوما لنا نذكر الله ونصلي فيه - ونستذكر - أو كما قالوا - فقالوا : يوم السبت لليهود، ويوم الأحد للنصارى؛ فاجعلوه يوم العروبة.

فاجتمعوا إلى أسعد بن زرارة (أبو أمامة رضي الله عنه) فصلى بهم يومئذ ركعتين وذكرهم، فسموه يوم الجمعة حين اجتمعوا، فذبح لهم أسعد شاة فتعشوا وتغدوا منها لقلتهم. فهذه أول جمعه في الإسلام. قلت : وروي أنهم كانوا اثني عشر رجلا على ما يأتي.

وقال البيهقي : وروينا عن موسى بن عقبة عن ابن شهاب الزهري أن مصعب بن عمير كان أول من جمع الجمعة بالمدينة للمسلمين قبل أن يقدمها رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال البيهقي : يحتمل أن يكون مصعب جمع بهم بمعونة أسعد بن زرارة فأضافه كعب إليه. والله أعلم.

أول جمعة جمعها النبي "ص" :


وأما أول جمعة جمعها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه؛ فقال أهل السير والتواريخ : قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرا حتى نزل بقباء، على بني عمرو بن عوف يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول حين اشتد الضحى. ومن تلك السنة يعد التاريخ. فأقام بقباء إلى يوم الخميس وأسس مسجدهم. ثم خرج يوم الجمعة إلى المدينة؛ فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم قد اتخذ القوم في ذلك الموضع مسجدا؛ فجمع بهم وخطب. وهي أول خطبة خطبها بالمدينة،

 

أول خطبة للنبي "ص":

وقال فيها : (الحمد لله. أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه، وأؤمن به ولا أكفره، وأعادي من يكفر به. واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسول، أرسله بالهدى ودين الحق، والنور والموعظة والحكمة على فترة من الرسل، وقلة من العلم، وضلالة من الناس، وانقطاع من الزمان، ودنو من الساعة، وقرب من الأجل.

من يطع الله ورسوله فقد رشد. ومن يعص الله ورسول فقد غوى وفرط وضل ضلالا بعيدا. أوصيكم بتقوى الله، فإنه خير ما أوصى به المسلم المسلم أن يحضه على الآخرة، وأن يأمره بتقوى الله. واحذروا ما حذركم الله من نفسه؛ فإن تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة. ومن يصلح الذي بينه وبين ربه من أمره في السر والعلانية، لا ينوي به إلا وجه الله يكن له ذكرا في عاجل أمره، وذخرا فيما بعد الموت، حين يفتقر المرء إلى ما قدم. وما كان مما سوى ذلك يود لو أن بينه وبينه أمدا بعيدا. { ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد} [آل عمران : 30].

وهو الذي صدق قوله، وأنجز وعده، لا خلف لذلك؛ فإنه يقول تعالى { ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد} [ق : 29]. فاتقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السر والعلانية؛ فإنه { من يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا} [الطلاق : 5].

ومن يتق الله فقد فاز فوزا عظيما. وإن تقوى الله توقي مقته وتوقي عقوبته وتوقي سخطه. وإن تقوى الله تبيض الوجوه، وترضي الرب، وترفع الدرجة. فخذوا بحظكم ولا تفرطوا في جنب الله، فقد علمكم كتابه، ونهج لكم سبيله؛ ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين. فأحسنوا كما أحسن الله إليكم، وعادوا أعداءه، وجاهدوا في الله حق جهاده؛ هو اجتباكم وسماكم المسلمين.

ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حي عن بينة. ولا حول ولا قوة إلا بالله. فأكثروا ذكر الله تعالى، واعملوا لما بعد الموت؛ فإنه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس. ذلك بأن الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه. الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).

وأول جمعة جمعت بعدها جمعة بقرية يقال لها [جُواثي] من قرى البحرين.

 

لماذا يوم الجمعة ؟:

 

ثبت أن الأمم قبلنا أُمروا به فضلوا عنه، واختار اليهود يوم السبت الذي لم يقع فيه خلق آدم، واختار النصارى يوم الأحد الذي ابتدئ فيه الخلق، واختار اللّه لهذه الأمة يوم الجمعة الذي أكمل اللّه فيه الخليقة، كما أخرجه البخاري ومسلم.

 

عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا، ثم إن هذا يومهم الذي فرض اللّه عليهم فاختلفوا فيه، فهدانا اللّه له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غداً والنصارى بعد غد) ""هذا لفظ البخاري"" ولمسلم: (أضل اللّه عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وكان للنصارى يوم الأحد، فجاء اللّه بنا فهدانا اللّه ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة، نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة، المقضِيِّ بينهم قبل الخلائق) ""أخرجه الشيخان واللفظ لمسلم"".

 

الدعوة للتعبد فيه:

 

يقول ابن كثير: وقد أمر اللّه المؤمنين بالاجتماع لعبادته يوم الجمعة فقال تعالى: { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللّه} أي اقصدوا واعمدوا واهتموا في سيركم إليها.

 

وليس المراد بالسعي ههنا المشي السريع وإنما هو الاهتمام بها، كقوله تعالى: { ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن} ، فأما المشي السريع إلى الصلاة فقد نهي عنه لما أخرجاه في الصحيحين، عن أبي هريرة عن النبي صلى اللّه عليه وسلم قال: (إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا).

 

وعن أبي قتادة قال: بينما نحن نصلي مع النبي صلى اللّه عليه وسلم إذ سمع جلبة رجال، فلما صلى قال: (ما شأنكم؟) قالوا: استعجلنا إلى الصلاة قال: (فلا تفعلوا، إذا أتيتم الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ""أخرجاه في الصحيحين"".

 

وفي رواية: (إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون ولكن ائتوها تمشون وعليكم السكينة والوقار فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) ""رواه الترمذي""، قال الحسن: أما واللّه ما هو بالسعي على الأقدام، ولقد نهوا أن يأتوا الصلاة إلا وعليهم السكينة والوقار، ولكن بالقلوب والنية والخشوع.

 

وقال قتادة في قوله تعالى: { فاسعوا إلى ذكر اللّه} يعني أن تسعى بقلبك وعملك وهو المشي إليها، وكان يتأول قوله تعالى: { فلما بلغ معه السعي} أي المشي معه.

 

الاغتسال :

 

ويستحب لمن جاء إلى الجمعة أن يغتسل قبل مجيئه إليها، لما ثبت في الصحيحين عن عبد اللّه بن عمر أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل).

 

ولهما عن أبي سعيد رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (غسل يوم الجمعة واجب على كل محتلم). وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: (حق اللّه على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام، يغسل رأسه وجسده) ""رواه مسلم"".

 

وعن أوس بن أوس الثقفي قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: من غسّل واغتسل يوم الجمعة، وبكّر وابتكر، ومشى ولم يركب، ودنا من الإمام واستمع ولم يلغ، كان له بكل خطوة أجر سنة صيامها وقيامها) ""قال ابن كثير: هذا الحديث له طرق وألفاظ وقد أخرجه أهل السنن الأربعة وحسّنه الترمذي"".

 

وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال، إن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال: (من اغتسل يوم الجمعة غسل جنابة ثم راح في الساعة الأولى فكأنما قرّب بدنة، ومن راح في الساعة الثانية فكأنما قرب بقرة، ومن راح في الساعة الثالثة فكأنما قرب كبشاً أقرن، ومن راح في الساعة الرابعة فكأنما قرّب دجاجة، ومن راح في الساعة الخامسة فكأنما قرب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذكر) ""أخرجه الشيخان""

 

التطيب والتزين:

 

ويستحب أن يلبس أحسن ثيابه ويتطيب ويتسوك ويتنظف ويتطهر، لما روى الإمام أحمد عن أبي أيوب الأنصاري قال: سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول: (من اغتسل يوم الجمعة ومس من طيب أهله إن كان عنده، ولبس من أحسن ثيابه، ثم خرج حتى يأتي المسجد فيركع إن بدا له ولم يؤذ أحداً، ثم أنصت إذا خرج إمامه حتى يصلي كانت كفارة لما بينها وبين الجمعة الأُخْرَى) ""أخرجه الإمام أحمد"".

 

وعن عائشة رضي اللّه عنها أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم خطب الناس يوم الجمعة فرأى عليهم ثياب النمار، فقال: (ما على أحدكم إن وجد سعة أن يتخذ ثوبين لجمعته سوى ثوب مهنته) ""رواه ابن ماجه"".

 

النداء الأول والثاني:

 

وقوله تعالى: { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} المراد بهذا النداء هو النداء الثاني الذي كان يفعل بين يدي رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا خرج فجلس على المنبر، فإنه كان حينئذ يؤذن بين يديه، فهذا هو المراد، فأما النداء الأول الذي زاده أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي اللّه عنه، فإنما كان هذا لكثرة الناس، كما رواه البخاري رحمه اللّه.

 

عن السائب بن يزيد قال: (كان النداء يوم الجمعة أوله إذا جلس الإمام على المنبر على عهد رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم وأبي بكر وعمر، فلما كان عثمان بعد زمن وكثر الناس، زاد النداء على الزوراء) ""رواه البخاري"" يعني يؤذن به على الدار التي تسمى بالزوراء، وكانت أرفع دار بالمدينة بقرب المسجد.

 

وذلك النداء الذي يحرم عنده الشراء والبيع إذا نودي به، فأمر عثمان رضي اللّه عنه أن ينادي قبل خروج الإمام حتى يجتمع الناس، وإنما يؤمر بحضور الجمعة الرجال الأحرار دون العبيد والنساء والصبيان، ويعذر المسافر والمريض وما أشبه ذلك من الأعذار كما هو مقرر في كتب الفروع.

 

تحريم البيع بعد النداء الثاني:

 

وقوله تعالى: { وذروا البيع} أي اسعوا إلى ذكر اللّه واتركوا البيع إذا نودي للصلاة، ولهذا اتفق العلماء رضي اللّه عنهم على تحريم البيع بعد النداء الثاني.

 

وقوله تعالى: { ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون} أي ترككم البيع وإقبالكم إلى ذكر اللّه وإلى الصلاة { خير لكم} أي في الدنيا والآخرة { إن كنتم تعلمون}.

 

سعة الرزق بعد الصلاة:

 

وقوله تعالى: { فإذا قضيت الصلاة} أي فرغ منها { فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه} لما حجر عليهم من التصرف بعد النداء، وأمرهم بالاجتماع، أذن لهم بعد الفراغ في الانتشار في الأرض والابتغاء من فضل اللّه، كما كان عراك بن مالك رضي اللّه عنه إذا صلى الجمعة انصرف فوقف على باب المسجد فقال: اللهم إني أجبت دعوتك وصليت فريضتك، وانتشرت كما أمرتني، فارزقني من فضلك وأنت خير الرازقين ""رواه ابن أبي حاتم"".

 

وروي عن بعض السلف أنه قال: من باع واشترى في يوم الجمعة بعد الصلاة بارك اللّه له سبعين مرة لقول اللّه تعالى: { فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل اللّه}.

 

وقوله تعالى: { واذكروا اللّه كثيراً لعلكم تفلحون} أي في حال بيعكم وشرائكم وأخذكم وإعطائكم، اذكروا اللّه ذكراً كثيراً، ولا تشغلكم الدنيا عن الذي ينفعكم في الدار الآخرة، ولهذا جاء في الحديث: (من دخل سوقاً من الأسواق فقال: لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، كتب اللّه له ألف ألف حسنة ومحا عنه ألف ألف سيئة). وقال مجاهد: لا يكون العبد من الذاكرين اللّه كثيراً حتى يذكر اللّه قائماً وقاعداً ومضطجعاً.

2013-04-12