الأربعاء 12/10/1444 هـ الموافق 03/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ربيع جديد: الشرق الأوسط بين تاريخ الثورات ومستقبل البلاد/ بقلم: فادي الحسيني

بقدوم الربيع، تتغذى العيون برؤية الأزهار، وتنتعش النفوس بعطر الطبيعة ونسيم الأشجار، فيلوح في الوجدان نغم جديد من نغمات التفاؤل الجميلة. في الشرق الأوسط، تبدو الأمور مختلفة بعض الشيء، فكلما إقترب فصل الربيع، ترتبك نفوس وترتعش رؤوس، تحتار قلوب، فيتفاؤل البعض، ويحبط آخرين، بعد أن إختلطت بسمات نصر هنا بآهات أحزان هناك. لاطالما ذكرّهم هذا الفصل المناخي بإنطلاق الشرارة الأولى من الربيع العربي، التي إجتاحت المنطقة، وحلقت من دولة لأخرى، لتهدم نظاماً تارة، وتدشن تدخلاً أجنبياً تارات. تردم ألماً، تحيي أملاً، تبني وطناً، وتعيد مجداً، بعد حين في أحسن الحالات. وبعد أن إستطاع "الربيع العربي" أن يوقع بجميع المراقبين والمحللين في شركه، حيث لم يتمكن أي منهم من التكهن بهذا الحدث الجلل، إنهالت التحليلات وعقدت عشرات المؤتمرات في محاولة لتشخيص هذه الحالة، ومعرفة تفاصيلها، وخلفياتها، من أجل التنبؤ بمستقبلها. يمكن القول، أن هذه الجهود ساهمت كثيراً في تحديد ملامح عديدة من ملامح هذه الحالة، إلاّ أنه وحتى الساعة، لم تقدم أي من هذه المحاولات تعريفاً واضحاً ومتكاملاً للربيع العربي. ومن هنا، نهدف في مقالنا اليوم أن نحلل هذه الحالة من أبعادها المختلفة في محاولة لتقديم تعريف للربيع العربي، وتقييم وقراءة لمستقبل هذه المنطقة. يعتمد المقال على وضع الربيع العربي "كحالة" ضمن إطار مركب ذو بعدين، عالمي وإقليمي. سنقوم بشرح كافة جوانب هذه الحالة، السياسية والاجتماعية والاقتصادية والإدراكية، وهو الأمر الذي سيمهد للجزء الثاني من المقال الذي يستعرض كافة المكونات السياسية التي تسمح باستقراء مستقبل المنطقة.
يمكن القول أن أحداث الصحوة العربية الحالية- كما يطلق عليها البعض، تأتي ضمن إطار منظومة مركبة تتكون من طبقتين: طبقة عالمية، وطبقة أخرى إقليمية، كلاهما له ملامحه الخاصة، وتركيباته، وفرضيات مرتبطة بسلوك عناصره.
الطبقة الأولى تأتي في إطار الإرتباط العالمي، حيث رأى بعض المحللين أن الموجة الحالية من الثورات العربية تأتي كمرحلة رابعة من مراحل التحول الديمقراطي العالمية، وفقاً لمفهوم قدمه الكاتب سامويل م. هنجتينجتون، الذي عرضه في كتابه "الموجة الثالثة: التحول الديمقراطي في أواخر القرن العشرين" في عام 1991. ووفقاً لهنجتينجتون، تواجه كل موجة من موجات التحول الديمقراطي موجة معاكسة، تزيل تأثيرها. ويرى هنجتينجتون أن الموجة الأولى من موجات التحول الديمقراطي حدثت في الفترة 1828-1926، وبدأت جذورها بالثورة الفرنسية والأمريكية، حيث إنتشرت هذه الموجة عبر أوروبا، وأمريكا اللاتينية، وتميزت بتفشي "الإنقلابات العسكرية". يعتقد هنجتينجتون أن هذه الموجة فقدت زخمها في فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث صعد لسدة الحكم في عدد من البلدان حكام مستبدين، وهو الأمر الذي أدى إلى الابتعاد عن الديمقراطية، والتحرك صوب الأنظمة الاستبدادية التقليدية أو أنظمة جديدة شمولية أو تقوم على الأيديولوجيا.
ويرى هنجتنجتون أن الموجة الثانية من التحول الديمقراطي حدثت في الفترة 1943-1962، وتميزت بعدد من الإنقلابات، وإنتشار الأنظمة الشمولية في أمريكا اللاتينية، جنوب وشرق آسيا، وبدء حملة من الإستعمار والاحتلال قام بها الحلفاء عقب الحرب العالمية الثانية. وفي ذات الإطار، يعتقد هنجتنجتون أنه مع بدء نهاية فترة الإستعمار الغربي، ظهرت عدد من الدول ذات التوجهات الديمقراطية، إلاّ أنه يرى أن التحولات السياسية، خاصة في أمريكا اللاتنية، أخذت منحىً شمولي، أما إنحسار الإستعمار في أفريقيا أدى لإفراز أكبر عدد من الحكومات الشمولية في التاريخ. وعليه، فإن ثلث الديمقراطيات حديثة النشأة عام 1958 تحولت لنظم شمولية بحلول السبعينيات من القرن الماضي.
الموجة الثالثة حدثت خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، وتجسدت بإنهيار الإتحاد السوفييتي السابق، وإنتشر أثرها عبر جنوب أوروبا، أمريكا الجنوبية، وأفريقيا. في الواقع، وخلاف لرأي الكثير من الكتاب بأن المرحلة الثالثة من التحول الديمقراطي مازالت طور النشاط، يرى عدد من الباحثين مثل د. علي سرحان من جامعة جورج تاون، أن إنطلاق الثورات العربية أو الربيع العربي يمثل بدء الموجة الرابعة من التحول الديمقراطي العالمي.  يعوز أصحاب هذا الرأي إلصاق الصفة العالمية على ثورات العرب لما كان لها من تأثير وتداعيات أدت لتفشي الإضطرابات والتظاهرات في أوروبا، وآسيا، والأمريكيتين.
الطبقة الثانية التي تدور في فلكها ثورات العرب أو الربيع العربي هو الإرتباط الإقليمي. ضمن هذا الإطار، يمكن القول أن "الربيع العربي" أثبت أنه له خصائص وملامح تميزه عن الكثير من الحالات المشابهة، مما يستدعي مزيداً من التحليل والتدقيق. الربيع العربي الحالي لم يكن الموجة الأولى من تحركات الشعوب العربية التي أدت لتغيرات سياسية وإجتماعية في بنيان أنظمتها ومجتمعاتها، حيث يأتي الربيع العربي الحالي كموجة ثالثة من موجات الإنتفاضة أو الصحوة العربية إن صح التعبير، حيث تميزت كل موجة بظروف دولية وإقليمية محددة، وتأثيرات، وأيديولجيات وشعارات، وكذلك نتائج.
جاءت الموجة الأولى من موجات الثورة العربية عام 1914، وسميت ذلك الحين "الثورة العربية الكبرى". الذي ميز هذه الثورات هو وجود قائد معروف، وهو الشريف حسين، وكانت تهدف لإنهاء الوجود العثماني على الأراضي العربية. تزامنت هذه الثورة بحدثين كبيرين، أولهما عالمي وهو الحرب العالمية الأولى، في حين كان تراجع، وضعف، وإنحسار ومن ثم إنهيار الإمبراطورية العثمانية الحدث الإقليمي الأبرز في هذه المرحلة.
يمكن القول أن التأثير الخارجي كان واضحاُ في هذه الموجة من الثورات، حيث كانت بريطانيا الداعم والمحرض الرئيس على هذه الثورات، بهدفها "غير المعلن حينها" إستبدال الوجود العثماني في المنطقة بوجود غربي. ولهذا السبب، فقدت الثورات تأثيرها، وكانت نتائجها قصيرة الأجل حين جردت من هدفها الرئيس وهو الإستقلال. د. محمد شاهين من جامعة الغازي في تركيا أشار لهذا الأمر في مقالة له بعنوان: "ثورات العرب1950-1960 والربيع العربي 2011: التشابه والاختلاف"، حيث يقول د. شاهين : "....التغير الوحيد كان هو: السيد، فبدل أن يكون المسلمين (الأتراك)، أصبح السادة الجدد المسيحيين (الإنجليز والفرنسيين)".
في هذا المرحلة، رفعت عدد من الشعارات، وإبتدعت العديد من الأيديولوجيات، وكانت "القومية" الشعار الأبرز. كان شعار القومية هاماً للغاية في هذه الحقبة، وذلك من أجل تشجيع العرب التخلي عن أية تبعية لفكر آخر- وبالتحديد الإسلام- الذي سيعني تلقائياً سلخ المواطن العربي عن أي إرتباط بالسلطان العثماني، وخلع أي إلتصاق بالإرث العثماني.
أما الموجة الثانية من موجات الثورة العربية، فحدثت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وسميت في ذلك الحين "الربيع العربي" من قبل كاتب فرنسي. ففي كتابه "االربيع العربي" عام 1959، كتب جاك بينسوا ميشان عن ثورات العرب التي وقعت ذلك الحين، محاولاً ربطها بالثورات الأوروبية التي وقعت في عام 1849 وعرفت بإسم "ربيع الأمم" أو "ربيع الشعوب"، والتي حفزت موجة جديدة من الثورات في تشيكوسلوفاكيا السابقة وأدت لثورة عرفت بربيع براغ "Prague Spring". ربيع العرب في خمسينيات وستينيات القرن الماضي حدث في سياق حدثين كبيرين، أولهما عالمي والثاني إقليمي.
الحدث العالمي الأكبر كان الحرب العالمية الثانية، وما خلفها من تداعيات أسهمت بشكل كبير في وجود تأثيرات خارجية على مسار حراك الثورات العربية. فقد شجعت وأسهمت وساعدت قوى أجنبية ثورات العرب خلال تلك الفترة على التحرك ضد قوى أجنبية أخرى، حيث دعمت القوى الشيوعية هذه الثورات من أجل محاربة الوجود الغربي في المنطقة العربية، تحت ستار محاربة الإمبريالية وإنهاء الإستعمار. ومن هنا ظهرت شعارات وأيديولوجيات جديدة على المنطقة العربية خلال هذه الفترة مثل "محاربة الإمبريالية"، "الشيوعية"، "الإشتراكية" و"التقدمية".
أما الحدث الإقليمي الأكبر هو إقامة دولة إسرائيل وسط الشرق الأوسط العربي. هذا الحدث أدى لبروز شعار وأيديولوجية جديدة وهي "العروبة"، حيث تزعم هذا التوجه الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، وإلتصق إسمه بفكر يجمع بين العروبة والاشتراكية "الناصرية" نسبة له. برز إسم الرئيس جمال عبد الناصر خلال هذه الحقبة من ثورات العرب، وإنتشرت إفكاره بسرعة، وبشكل متسق ومتزامن في كافة أجراء الدول العربية، وهو الأمر الذي ألهم الآخرين ليقودوا ثورات في بلادهم. يمكننا القول أن أحد أسباب رواج الفكر الناصري و"العروبة" هو أن نشأتهما جاءات كتطور طبيعي ورد فعل تلقائي على الأيديولوجية والفكر الصهيوني، الذي أفرز المكون الجديد في المنطقة وهو دولة إسرائيل. وعلى الرغم من أن هذه الثورات لم تستهدف إسرائيل، إلا أنها بدأت في إقتناص الوجود الإستعماري في المنطقة العربية، حيث إعتبرأن الإستعمار هو المحفز والداعم لجذور الصهيونية وبالتالي المسؤول عن قيام وإستمرار دولة إسرائيل، وقد دفعت عدد من العروش ثمناً لهذه التطورات، عرفت بميولها الغربية، أو ولاءتها للقوى الاستعمارية كما حدث في ليبيا والعراق، وقبلهما في مصر.
الموجة الحالية من موجات ثورات العرب، وهي ما عرفت باسم الربيع العربي، لها صفاتها ومكوناتها الخاصة التي تختلف بعض الشيء عن سابقاتها. أولاً، فلم يعرف لهذه الثورات قائد أو محرك (مثل الشريف حسين في الموجة الأولى أو جمال عبد الناصر في الموجة الثانية)، كما أن هذه الثورات تفتقد وجود مؤثر أو محرك خارجي (مثل الإنجليز في الموجة الأولى والقوى الشيوعية في الموجة الثانية). أشارت د. نادية مصطفى من جامعة القاهرة لهذا الأمر في المؤتمر السنوي الثاني Insight Turkey في القاهرة يوم 30 يناير 2012، حيث وصفتها بديناميات داخلية. كما طرحت البروفيسورة زيا أونيس ذات الأمر في ورشة عمل بعنوان "نعمل سوياً من أجل الديمقراطية في العالم العربي" في أنقرة يوم 27 أكتوبر 2011، حيث رأت أن ثورات الربيع العربي مدفوعة بقوى داخلية. في ذات السياق، يمكن القول أن العديد من العوامل كانت جزءاً من هذه القوى الداخلية مثل الظروف الاجتماعية والاقتصادية، المعدل الكبير لنسبة الشباب، التطور الهائل في تكنولوجيا الاتصالات، إضافة لأسباب عديدة أخرى، وليس تأثراً بدولة بعينها أو بنموذج محدد.
وكما هو الحال في الموجات السابقة، جاءت الموجة الحالية في إطار حدثين كبيرين: عالمي وإقليمي.  أما الحدث العالمي فهو إنهيار الإتحاد السوفييتي، الذي أدى للكثير من التداعيات، وكشف ضعف وقلة حنكة أنظمة المنطقة، التي وقفت ساكنة في بيئة وحقبة تسودها الكثير من التغيرات. لم تستطع الأنظمة في المنطقة العربية قراءة التغيرات الضخمة في الخريطة السياسية العالمية، فلم تغير سياساتها أو إرتباطاتها التي سبقت هذا الحدث. إنعكس إفتقار البراعة وقصر النظر في صفوف الأنظمة العربية إلى ترهل تارة، وتراجع تارة، وتخبط تارات أخرى في سياساتهم الداخلية والخارجية. أما الحدث الإقليمي الكبير فكان إنهيار أول نظام دكتاتوري في المنطقة وإحتلال الولايات المتحدة الأمريكية للعراق، وهو الأمر الذي كان له أيضاً الكثير من التداعيات من ضمنها إنحسار مفهوم "العروبة" من الناحية التطبيقية.
لقد كان صدام حسين من أكثر المنادين والمدافعين عن مفهوم العروبة، إلى أن قام باحتلال دولة عربية، ومن ثم قام المعسكر الغربي بضرب العراق العربي، وسط مشاهدة البعض، وتأييد آخرين من الأنظمة العربية. هذا الحدث أدى لشرخ إدراكي وصدمة لأولئك الذين كانوا ما زالوا يؤمنون بمفهوم وأيديولوجية "العروبة". ومن ثم، ومع إنحسار التأييد للفكر العربي والعروبة بشكل عام، فقد ظهرت أيديولوجيات وأفكار جديدة، خرجت من رحم هذه المكونات الجديدة، لتجد طريقها إلى العلن بإنطلاق ثورات الربيع العربي الحالية، وكان أبرزها الفكر الإسلامي (وليس الإسلام كدين وعقيدة)، والفكر الليبرالي (بما يعني التوجه نحو الانفتاح والعصرية).  إضافة لهذين الفكرين، فقد أفرز الربيع العربي الحالي العديد من المطالب الاجتماعية كحقوق الإنسان، والديمقراطية، وتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، ومطالب سياسية مثل الاستقلال (عدم التبعية للتأثير الأجنبي). ومن هنا، جاءت ثورات العرب الحالية لتستهدف وتطيح بأنظمة أعتبرت مسؤولة عن الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية السيئة، ومعروفة بتحالفها أو تبعيتها للغرب، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
يمكننا القول أن فراغ السلطة بسبب جملة من أمور مثل إنهيار الاتحاد السوفييتي، إنحسار مفهوم العروبة، الإطاحة بأنظمة عربية بعينها، إضافة لوهن وترهل الدول العربية المعروفة بدورها القيادي التاريخي، جعل تدخل القوى الأجنبية (سواء الإقليمية أو العالمية) أمر لا مفر منه. فمازلات القوى العالمية الكبرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وروسيا، والصين وأوروبا، تبحث عن دور أكبر، وسطوة أوسع، وموطئ قدم من جديد، في الشرق الأوسط، آخذة بعين الإعتبار كافة التحولات الجديدة. وتتنافس هذه القوى فيما بينها، وبأساليب متباينة من أجل تأمين مصالحها في المنطقة العربية، فتجدها تستخدم قوتها الناعمة تارة، وتتذرع أخرى بتاريخ مشترك، وتقدم أخرى حوافز ومغريات إقتصادية من أجل ذات الغاية. وفي هذا السياق، كتب الكاتب الفرنسي تيري ميسان مقالة بعنوان 'Obama et Poutine vont-ils se partager le Proche-Orient?'، أشار فيها إلى أطماع القوى الكبرى في المنطقة، مقدماً سيناريو حول تقسيم المنطقة العربية لمناطق نفوذ ودويلات تتبع الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.
أما إقليمياً، فتظهر كل من تركيا وإيران وإسرائيل الأوفر حظاً للعب دوراً في المنطقة، إلا أن إسرائيل أقلهم حظوظاً حيث أن سلاماً مع الفلسطينيين يفتح لها جميع أبواب المنطقة العربية لم يتحقق بعد، كما أنها مختلفة ثقافياً وتاريخياً ودينياً عن جميع شعوب المنطقة. الحقيقة الأخيرة تزيد من حظوظ إيران عن حظوظ إسرائيل، فهي جزء من المنطقة، مرتبطة بها تاريخياً، وثقافياً، ودينياً، ونجحت بخلق شبكة من التحالفات لها داخل المنطقة. ولكن الكثير من العرب لا يرى في إيران نموذجاً جذاباً، وخاصة إذا ما تعلق الأمر بالحريات والعصرية وأوضاعها الاقتصادية وعلاقاتها مع باقي دول العالم، وخاصة الغرب. هذا الأمر يرجح كفة تركيا، التي هي جزء من المنطقة بمكوناتها الثقافية والتاريخية والدينية، وتتمتع بديمقراطية، وحريات، وحياة عصرية، ولديها إقتصاد وجيش قوي، إضافة لعلاقات مميزة مع باقي دول العالم في وجود نخبة حاكمة ذات جذور وتوجهات إسلامية. إلا أن الحديث عن "النموذج التركي" إستهلك إعلامياً بشكل مبالغ فيه، وبدء يضع شعبية تركيا في الشارع العربي على المحك. يمكن القول أن الدور التركي في المنطقة العربية يواجه العديد من التحديات بلا شك، إلا أن حماسها المفرط حيال المنطقة، وإستخدامها الواضح والمكشوف لسياستها الناعم هو تحد آخر قد يؤدي لنتائج عكسية.
إن الطريق لمنطقة الشرق الأوسط العربي ليس ممهداً كما يتبادر للكثير، والخوض في هذا المسار يستدعي التخطيط له بدقة، فهي إحدى أكثر مناطق العالم تقلباً، وصفت يوماً "بالرمال المتحركة" لكثرة تعقيداتها وتشابك مكوناتها. عند هذه النقطة، قد لا يكون صعباً فهم أسباب تسلل شعور الإحباط عن كل عربي، حيث  يؤمن أنه الأحق بتقرير مصيره، والأجدر برسم مسار أمته، والأحرى بتحديد مصالحها، وهو الأمر الذي لن يتحقق إلى أن تنفض نخب ومفكري وقادة هذه الأمة غبار التردد والخوف عن أكتافها.

2013-04-16