الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
"فياض" والحكومة القادمة/ جهاد حرب

احدثت استقالة رئيس الحكومة د. سلام فياض، وبغض النظر عن الاسباب سواء كانت سياسية أو خلاف على الصلاحيات أو شخصية، انطلاق الحديث عن شكل الحكومة القادمة وشخص رئاستها. كما اخذت حيزا واسعا في الاعلام المحلي والدولي ليس فقط لاستجلاء اسباب الاستقالة بل حول الاثار المحتملة للاستقالة ذاتها لما للدكتور سلام من مكانة في عملية الاصلاح التي قام بها خلال سنوات خدمته الاحد عشر منذ توليه منصب وزير المالية العام 2002 ومن ثم رئيسا للحكومة منتصف عام 2007.
(1) فياض نهج حكومي مختلف
حظيّ د. سلام فياض رئيس الوزراء السابق بدعم دولي كبير، وكذلك محلي، لبرنامجه وسياساته التي طبقها خلال السنوات الماضية نجح في بعضها ولم يتمكن من تطبيقها في بعض جوانبها وفشل في بعضها الآخر؛ خاصة في خطة الاعتماد على الذات الطموحة.
ومسألة النجاح والفشل هنا من الصعب قياسها بالمليمتر أو الإنش أو أية ادوات قياس مضبوطة مُحكمة لأن الحكومة هذه، وكذلك جميع الحكومات السابقة واللاحقة، مرهونة لضغوطات عديدة ليس اقلها ممارسات الاحتلال التعسفية وتقاعس المانحين خاصة العرب منهم.
لكن ما ميز رئيس الحكومة خلال السنوات الست الماضية هو انخراطه ومشاركته في جميع المناسبات والفعاليات الشعبية الفلكلورية والرياضية والحكومية حتى أصبح مدار نقد وأحيانا "تهكم" لكثرة مشاركته في افتتاح المشاريع والحضور المكثف له، وأكاد اجزم انه قد زار جميع القرى والمضارب البدوية في سنوات حكمة الست. هذا النشاط والحيوية منهج عمل لم نعتد عليه وهو يحسب له لا عليه.
وايضا ما ميز د. سلام فياض طريقة دفاعه عن سياساته خاصة منها المالية، ومن لا يتذكر كيف خرج على الناس في التلفزه ، كالمعلم، شارحا قانون ضريبة الدخل بالقلم والورقة، وكيف سيستفيد أصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة "الطبقة الدنيا والمتوسطة" من الشرائح الضريبية الجديدة. على الرغم من النقاش الحاد الذي اعقبته مظاهرات ومسيرات وصلت الى مقر مجلس الوزراء. كل ذلك لم يفت في عضده الى أن استقر الأمر له من خلال تمرير قانون ضريبة الدخل "الجديد" وقبول القطاع الخاص بشروطه. كما أسس وبشكل عملي لتطوير الحوار الوطني للسياسات العامة لتجمع ما بين الحكومة والقطاعين الخاص والأهلي.
يضاف اليها فكرة قبول النقد واحتمال كافة اشكاله الذي يرى البعض انه يدخل في خانة القدح والذم واطالة اللسان كما يحلو للبعض استخدامها لكبت الحريات، دون أن تأخذه ردة فعل أو سجال عقيم مانع للحريات.
هذا الشكل من ادوات العمل التي استخدمها د. سلام فياض جعلت لرئيس الحكومة دورا محوريا أساسيا في النظام السياسي للسلطة الفلسطينية، قد يتولد عنها تعديلات جوهرية للقانون الاساسي أو عند كتابة دستور دولة فلسطين.
اكتب هذا الكلام، ربما كنت من أشد الناقدين لسياساته وما زلت لم أتغيير "فالخلاف على السياسات لا يعني الخلاف مع الأشخاص فالكل يعمل من الهدف بوسائل مختلفة وقد تبدو متعارضة ومتناقضة". لكن اسجل اعجابي بأدوات عمل استخدمها د. سلام فياض دون غيره، حتى الآن فلسطينيا، أسست لمنهج عمل رئيس الحكومة القادم سنحاسبه على أساس معاييره.

(2) الحكومة القادمة "المفضلة"
استقالة د. سلام فياض من منصب رئيس الحكومة فتحت النقاش حول شكل الحكومة القادمة والتكهنات بشخص رئيسها. اعتقد ان السيناريوهات لا تغيب عن ثلاثة خيارات أو اشكال للحكومة القادمة:
الخيار الأول: حكومة وفاق وطني برئاسة الرئيس محمود عباس، وان كان البعض قد يجادل بعدم دستوريتها وأشاطرهم الرأي، لكنها تأتي في اطار عملية جراحية للأزمة الوطنية المتمثلة بالانقسام، وافق الفصيلان الأكبران عليها، ولا اعتقد ان هناك معارضة حزبية عليها من الاطراف الفلسطينية.
اهمية حكومة الوفاق الوطني انها تأتي في اطار عملية المصالحة بل تضع حجر الأساس لها، وتمثل البدء الفعلي لإنهاء الانقسام على طريق تهيئة الأجواء لإجراء الانتخابات خلال مدة معقولة وإعادة اعمار قطاع غزة وتوحيد المؤسسات الفلسطينية.
هذا الامر يحتاج ليس فقط الى نوايا ورغبات، سمعناها كثيرا، بل إلى ارادة سياسية وفعل وتوافق ما بين حركتي فتح وحماس ما يمثل نضوج سياسيا لكل الاطراف الفلسطينية.
أما الخيار الثاني يتمثل بتشكيل حكومة تكنوقراط لن تكون بعيدة أو بالأحرى شبيهة بحكومة د. سلام فياض باختلاف شخص رئيسها. مُهمتا تحمل اعباء الانقسام وتسيير الوضع الفلسطيني في ظل الأزمة دون افق "وطني" أو استراتيجية. لكن الأسوء في الأمر أن الفلسطينيين يقرون فعليا بفشل كل جولات الحوار الوطني الجماعي منه والثنائي للبدء بالمصالحة على طريق انهاء الانقسام.
فيما يتمثل الخيار الثالث بتشكيل حكومة حزبية على رأسها شخصية فتحاوية على الأغلب أن يكون عضوا في اللجنة المركزية للحركة أو قياديا بارزا فيها. قد تكون هذه الحكومة أكثر صراحة ووضوحا من سابقتها في سيطرة حركة فتح على المشهد السياسي في الضفة وإحكام قبضتها على مقاليد الحكم بشكل متكامل "أي جميع جيوبه".
قد يجادل البعض في سلامة هذا الخيار باعتبارها، أي حركة فتح، ليست فقط الفصيل الأكبر بل أيضا لأنها تتحمل وزر كل حكومة مهما كان شكلها و/أو لونها. لكن الأخذ بهذا الخيار يرسل اشارة بالغة في السوء بأن الانقسام جاثم على صدورنا ولا عودة عنه.
في جميع الأحوال ستبقى أي حكومة خاضعة للابتزاز الاسرائيلي والضغط الدولي وربما ايضا العربي، طبعا هذا الامر بتفاوت، قد يكون أشده في حال تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي تحظى بقبول شعبي واسع. لكن باعتقادي أن استعادة الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام له الأولوية في هذه المرحلة بغض النظر عن التبعات الاقتصادية والضغوط السياسية. لان الكرامة الوطنية ووحدة الصف الوطني أهم من مكتسبات اقتصادية عرضة دائما وفي كل لحظة للانهيار والتدمير.

2013-04-19