السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
خطيئة التيارات الإسلامية بحق الثورة والثوار/وفاء اسماعيل

كان القيادى طارق الزمر مدير المكتب السياسى لحزب البناء والتنمية صادقا حينما قال : أن التيارات الإسلامية قصرت فى استيعاب قوى الثورة الأخرى، وبناء جسد لا يستطيع أحداختراقه ، وطالب الزمر الشعب المصرى بالوقوف صفا واحدا فى مواجهة الثورة المضادة خلال ندوة بعنوان "تحديات الواقع وآمال المستقبل"، نظمها حزب البناء والتنمية والجماعة الإسلامية بأسيوط مساء 19 ابريل 2013م ، وأضاف أن أحكام البراءة التى صدرت بحق الرئيس السابق وأعوان نظامه يحب أن نعتبرها جميعا انطلاقة من أجل استكمال مسيرة الثورة .

التقصير " أو الخطيئة الكبرى بحق الثورة وشبابها الثائر" يكمن فى انتزاع الاسلاميين صفة شعبية الثورة المصرية واستبدالها بصفة أسلمة الثورة ، وقيامهم بإسقاط أهم شعارات الثورة التى رفعها المصريين فى ميدان التحرير والتى تجلت فى " الشعب يريد إسقاط النظام " و" عيش ، حرية ، عدالة إجتماعية " ، تلك الشعارات التى زلزلت الأرض تحت أقدام مبارك وعصاباته ، ودفعته إلى التنحى ، وبثت الرعب فى قلوب عبيده وخدامه من أركان نظامه  ، وإستبدال تلك الشعارات بشعار " الاسلام هو الحل " و" الشعب يريد تطبيق شرع الله " و" عاوزينها إسلامية " وكأن مصر دولة بوذية أو مجوسية أو دولة كهنوتية  لم يعرف الاسلام طريقه إليها ، وكأن الثورة قامت من أجل تطبيق حدود شرع الله لا من أجل تطبيق قيمه ومبادئه التى حررت الإنسان من العبودية ومنحته الحرية والعدالة والعيش بكرامة ..!!!

حالة الإستقطاب الحادة التى تفشت فى المجتمع المصرى والتى تحدث عنها طارق الزمر يتحمل مسؤوليتها كل الأطراف والتيارات الموجودة بالمشهد السياسى المصرى سواء يسار او اسلاميين او علمانيين او ليبراليين ، ولكن المسؤولية الأكبر تقع على التيارات الاسلامية التى يقودها شيوخ لا يملكون القدرة على التمييز بين المصطلحات والمفاهيم ولا يفقهون العلاقة بين الإسلام كعقيدة وبين تلك المفاهيم المستحدثة التى نادى بتطبيقها الغرب كالليبرالية والعلمانية والديمقراطية فراحوا يكفرون الكل ويشنون حملاتهم على كل ماهو ليبرالى وكل ماهو علمانى وأصدروا الفتاوى التى تكفر هذا وذاك ، ووصل الحد بهم إلى تكفير الديمقراطية كآلية رغم أنها هى من أوصلتهم الى سدة الحكم وعن طريقها وصل الدكتور مرسى الى قصر الاتحادية ومنحته شرعية وجوده فى السلطة ، مما أدى إلى تأليب القوى الداخلية والخارجية ضدهم ، وفتح أبوابا لعودة رموز الثورة المضادة ليتحالف الكل ضدهم وضد الإخوان .

ساهمت التيارات الاسلامية خاصة الجماعة السلفية والجهادية فى نشر الكراهية بين أتباعها وأنصارها من جهة وبين الأقباط والليبراليين واليساريين والعلمانيين من جهة اخرى ،  وظهروا وكأن فيه " ثأر بايت " بينها وبين القوى السياسة المختلفة أساسه التشكيك فى العقيدة فقسموا الشعب المصرى الى قسمين كفار ومسلمين ، هذا الثأر البايت جسد العداوة والكراهية فى كل مواجهة حدثت خلال الشهور السابقة سواء عند الاتحادية او التحرير او المقطم ، وتحول الى قتال شرس راح ضحيته عشرات القتلى فى كل مكان وغذته كل الأطراف المضادة للثورة ولعبت على أوتاره القوى السياسية المعادية للإخوان وعلى رأسها الناصريين ، فحملوا مرسى كل تبعات وخطايا كل الاسلاميين خاصة شيوخ الفضائيات الذين نافسوا بمنابرهم فى الردح والذم والقدح مذيعى الفضائيات الخاصة ،  وتحولت  أدوات الثورة السلمية الى أدوات إرهاب وعنف بالمولتوف والخرطوش ، وخرجت علينا جماعات البلاك بلوك والبلطجية تحركهم أيادى خفية ، وتشرعن وجودهم نخب سياسية تبررعنفهم وتستدعى نماذج عنف الاسلاميين فى حقب الثمانيات والاربعينيات والخمسينيات كمبرر آخر يتساوى مع عنف الحاضر .

طارق الزمر عندما أكد : أنه من التحديات التى تواجه مصر من الداخل هى الخلافات السياسية وأخطرها الاستقطاب الحاد بين التيار الإسلامى والتيار العلمانى هذا الاستقطاب الذى فتح ثغرة فى جسد الثورة استطاعت فلول النظام السابق أن تخترقها ببراعة ، كان لسانه يؤكد على ضرورة عودة تلاحم المصريين من جديد كما تكاتفوا وتلاحموا فى ميدان التحرير على مدى 18 يوم ونجحوا فى إسقاط مبارك ، وان عودة الوحدة الوطنية باتت حتمية وضرورية ومفروضة على الجميع من أجل إسقاط فلول النظام ورموز الثورة المضادة ..ولكن الجرح كبير وغائر وعلاجه يتطلب من الجميع تصفية النفوس وتهدئة الأوضاع ووقف حملات التكفير والتشكيك والتجريح ، وإعادة اللحمة الوطنية بأى وسيلة حتى لو أدى الأمر الى تقديم إعتذار رسمى من كل الأطراف للشعب المصرى الذى راح ضحية صراعاتهم الأيدلوجية والسياسية من أجل مصالحهم الشخصية ، فالكل أخطأ بحق هذا الشعب الذى أأتمنهم على ثورة كانت من أنجح الثورات فى تاريخ مصر الحديث ، فأهانوها بخلافاتهم ومسباتهم وعدواتهم واستدعائهم لإرث ماض بغيض من الحقد والكراهية لم يكن للأجيال الجديدة من الشباب أى دور فى صناعة أحداثه ، ولا أى ذنب فى تحمل تبعاته .

على التيارات الإسلامية ان تكفر عن خطيئتها وتعيد للثورة شعاراتها الأولى وصفحاتها الناصعة المشرقة ، وتدرك ان مصر طوال تاريخها دولة اسلامية ، وشعبها عقيدته أرقى واسمى من ان يكون حارسها بشر وهم أعلم ان الله الذى أنزل القرآن هو خير حافظ له ، وان قيم الاسلام أساسها العدل والحرية والكرامة الانسانية ، وترسيخ تلك القيم يتطلب من الجميع تطهير مصر من كل رموز الفساد .

شباب الثورة من كل التيارات هم الأمل وهم المستقبل وعلى الجميع ان يقف خلفهم يدعمهم ويؤيدهم ويحتويهم لا ان يصنع منهم جسورا للوصول الى أهداف شخصية ومطامع سياسية ووقودا لحروب ماهى إلا إفرازات للعداوة والكراهية ، فمصر للجميع والدين لله وحده .

وفاء اسماعيل

20 – 4 – 2013م

2013-04-21