الأربعاء 12/10/1444 هـ الموافق 03/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الموت بين أحضان الكفيل /بدوي الدقادوسي

‏ حين أبلغ السيد وكيل المدرسة زميلنا الشيخ فراج معلم اللغة العربية أن السيد مالك المدارس ينتظره بعد صلاة المغرب بمكتبه الكائن في الإدارة العامة للمدارس أصابه هلع .فليس لهذه الرسالة إلا معنى واحد .فنحن في نهاية العام وهذه فترة تجديد العقود .ومعنى أن السيد مالك المدارس يستدعيني فلابد أن هناك أمر خطير وليس هناك ما هو أخطر من لقمة العيش .كيف أحتمل التلظي بلهيب الانتظار حتى المغرب والشمس لم تتكبد السماء بعد؟ جلس على فراشه ألقى براسه على الجدار بالأمس في حديث ملتهب مع زوجته على 0(الياهو)أكدت له أنها لن تتحمل الوحدة عاما آخر وعليه أن يعجل في إنهاء أوراق استقدامها .أكد لها وهو يلامس بيده جسدها شبه العاري على الشاشة :أنه أكثر منها شوقا ولكن ما باليد حيلة فأنا لم أسدد نصف ديون الزواج التي أضيف إليها ديون السفر .ياه يوم سفري تجمع أصدقائي لتوديعي ..قال أحدهم :ربنا يعوض عليك يا شيخ فراج.في العشر سنين اللي اتسجنتهم ظلم وضاع فيهم زهرة شبابك طول عمرك دماغك ناشفة قولنا لك احلق لحيتك .. قبل غروب الشمس كان واقفا أمام مكتب السيد الكفيل وقرص الشمس وهو يغيب في صحراء الديرة التي يعمل بها كأنه تلاشى بلا عودة في صحرائها شعر بانقباضة لم يشعر بها من قبل . حين قدم الكفيل وجلس على مكتبه جلس أمامه يتابعه بعينين زائغتين . خير يافندم .الوكيل قال لي :إن حضرتك عايزني. إن شاء الله خير .ترى ياولدي كل شيء بيد الله ولكن حنا ما نبيك معنا السنة الجاية. لكني أقوم بعملي على أكمل وجه!!

ولكن تقرير المشرف العام يقول :إنك لم تنفذ سياسة المدارس . المشرف يثني عليّ في كل زيارة صفية لي ويمتدحني في كل اجتماع . ترى ياولدي ما لي شغل بالسوالف هذي .المقابلة انتهت .عملت لك خروج نهائي جهز نفسك للسفر من غد .هيا نصلي المغرب فالجميع بانتظاري كي أصلي بهم . لما أقيمت الصلاة قدمه الكفيل للإمامة قائلا بابتسامة:كن لنا إماما في آخر صلاة لك هنا . تقدم الشيخ وصلى بهم .قرأ الفاتحة في خشوع مبك ,ثم قرأ سورة البقرة من أولها حتى وصل إلى قوله تعالى:(فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لاانفصام لها والله سميع عليم )256آيه يقرأ باكيا والمأمومون يتأوهون من الإعياء ودّوا لو تركوه وانصرفوا وما راعهم إلا أن الشيخ سقط على الأرض ..هرعوا نحوه وجدوه جثة هامدة متجمدة ..صاح أحدهم في هلع :....مات ..فراج مات ..اقترب منه آخر ..فعلا الشيخ مات ..إسود وجه الكفيل اقترب من الشيخ رفع يده من الأرض تركها ولكنها لم تعد بل التفت حول رقبة الكفيل . كاد الذهول يقتل الواقفين حاولوا فصل ذراع الشيخ عن الرقبة فشلوا خرج أحدهم عليهم بقوله:اتصلوا بشيخ المسجد الكبير للديرة واستفتوه .افتنا ياشيخ لقد التفت يد الميت حول رقبة الكفيل حاولنا فكها عجزنا .تقدم الشيخ ناحية الجثة قرأ آية الكرسي ازدادت الذراع التفافا حول الرقبة ...والكفيل يكاد يلفظ انفاسه, قال شيخ المسجد الكبير :الحي أبقى من الميت اقطعوا الذراع .فقطعوها وماكادوا يفعلون حتى نبت مكانها ثلاثة أذرع طويلة التفت حول رأس الكفيل ورقبته ووسطه فالتصق بالجثة التصاقا تماما والناس على صيحة واحدة :الله أكبر

2013-05-12