الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في الذكرى ال65 للنكبة .. انهيار القيم في إسرائيل بداية النهاية/جمال ابو لاشين

في الذكرى ال65 للنكبة .. انهيار القيم في إسرائيل بداية النهاية جمال أبو لاشين تعني النكبة للفلسطيني فقدان الوطن، وانهيار المجتمع، وفشل المشروع القومي الذي أمل من خلاله أن ينجح مشروعه الوطني، وأصبح الفلسطيني لاجئاً سواء في الضفة والقطاع داخل الوطن أو الدول العربية المجاورة خارج الوطن، ومغترباً داخل الوطن بعد أن صار مقيماً داخل وطن أقيمت على أنقاضه دولة إسرائيل. يقول قسطنطين زريق والذي يشار أنه من أطلق مصطلح النكبة لما حدث في فلسطين في كتابه الصادر في أغسطس من عام 1948: " ليست هزيمة العرب في فلسطين بالنكبة البسيطة، أو بالشر الهين العابر، وإنما هي نكبة بكل ما في هذه الكلمة من معنى، ومحنة من أشد ما أبتلي به العرب في تاريخهم الطويل على ما فيه من محن ومآسي ". وفي نظره أن تراجيدية النكبة تكمن في أنها أثرت حتى على التركيبة الثقافية والنفسية إذ أن مئات الآلاف من أهل هذا البلد المنكوب لم يشردوا من بيوتهم ويهيموا على وجوههم فحسب، بل إن أفكارهم وآراءهم، وأفكار أبناء وطنهم في شتى منازلهم قد شردت أيضاً وهامت، فالنتائج كانت وخيمة على الشعب الفلسطيني بكل المقاييس وكانت أهوال الحرب وتشريد السكان بالقتل والتهديد، وتم إحصاء خمسة عشر ألف شهيد خلال النكبة ووثقت أكثر من 30 مذبحة وقعت بحق الفلسطينيين وتحولت 70% من الأراضي التابعة للفلسطينيين للأيدي الصهيونية وتحول ثلاثة أرباع الشعب الفلسطيني للاجئين ومهجرين ومع انتهاء الحرب كانت إسرائيل تسيطر على 78% من أرض فلسطين التاريخية البالغة نحو 27 ألف كم2 فيما بقى 22% فقط من هذه المساحة يخضع للإدارة العربية ( الأردنية على الضفة الغربية والمصرية على قطاع غزة). مثل الإدعاء بالفراغ السكاني الفلسطيني اتجاها طاغياً بين الصهيونيين بكل مكوناتهم الفكرية والشعورية والسلوكية فقد اعتبروا العرب غير موجودين منذ بداية استعمار فلسطين، وكانوا يغضبون ممن يذكرهم بوجود شعب آخر في البلاد يعيش هناك ولا ينوي المغادرة. بهذه الخلفية كانت الدفعات الأولى من الهجرة الصهيونية تتوجه إلى فلسطين كما فعل الأوربيون حين توجههم للأقطار والمناطق التي اعتبروها خالية من السكان. وجاءت على تلك الخلفية الدعوة الصهيونية لملء الفراغ، وتجاهلها للمواطنين العرب في البلاد كتعمية على الجريمة المنوي ارتكابها بحق هؤلاء المواطنين، ورغم أن ( ماكس نوردو ) حذر هيرتسيل من وجود سكان عرب في فلسطين إلا أن هذا لم يثنه كحالة صهيونية نموذجية عن تبني شعار " أرض بلا شعب لشعب بلا أرض". وعلى نفس خط التبرير ظهرت دعاوي الفراغ الحضاري العربي الفلسطيني المتخلف لدى اكتشاف الوجود العربي الواضح أمام الصهيوني المهاجر فباشرت العنصرية الاستعمارية تبرر الاغتصاب عبر تأكيد " لا إنسانية العرب " أي أن فلسطين المأهولة ( سكانها متوحشون ومن الصحراء ) وكان الفكر العنصري الصهيوني يرسم صورة الفلسطيني على هذه الشاكلة لينسجم مع هدفه في تغييب الفلسطينيين شعباً وهوية، أي رغم وجودهم فيجب اعتبارهم وكأنهم غير موجودين والنظر إليهم على أنهم ليسوا من البشر. وبن غوريون ( رئيس الوكالة اليهودية ) في العام 1945 صرح للجنة التحقيق الانجلو – أمريكية أنه ليس هناك شعب فلسطيني تاريخي، ولا يوجد في التاريخ العربي شيء اسمه فلسطين، بينما هناك تاريخ يهودي وجدت فيه أرض إسرائيل ، وأن هذا البلد صنع منا شعباً وشعبنا صنع هذا البلد ". وقد وصف موشيه ديان عملية تهويد وتحويل فلسطين إلى إسرائيل في محاضرة له أمام مجموعة من الطلبة في معهد التخنيون بتاريخ 1969.3.19 نشر عنها في صحفية هآرتس بتاريخ 1969.4.4 وجاء فيها " لقد حلت القرى اليهودية مكان القرى العربية، وليس في مقدوركم اليوم أن تعرفوا حتى أسماء تلك القرى العربية، وأنا لا ألومكم، فكتب الجغرافيا لم يعد لها وجود، بل إن القرى العربية ذاتها لم يعد لها وجود، لقد حلت نهلال مكان معلول، وجبعات مكان جبع، وسريد مكان خنفيس، وكفار يهواشوع مكان تل الشمام لقد استطاعت الصهيونية العالمية، وبدفع المجازر التي ارتكبتها بحق الشعب الفلسطيني وبالصمت والدعم الذي لاقته من سلطة الانتداب البريطاني أن تحتل مناطق مهمة وإستراتيجية من فلسطين في حرب العام 1948، وأن تتمدد في مساحة تعدت بكثير قرار التقسيم أمام دعاية كبيرة بأنها لا زالت مهددة من المحيط العربي الذي يلتف حولها، ويهدد دولتها الناشئة كي تستطيع على الأقل امتصاص الوضع الدولي الذي كان يطالبها بالالتزام بقرار التقسيم وعودة اللاجئين، ومع بقاء الأمور دون حلول تذكر كانت إسرائيل تمعن في تغيير الحقائق على الأرض وتطبق الأحكام المختلفة، وأصبح هناك تداعيات كثيرة على الواقع الفلسطيني نتيجة لنشوء إسرائيل والتي نجملها بالنقاط التالية : أ‌- الفلسطينيون أقلية في دولة يهودية مع الأحداث العنيفة والمفاجئة التي دفعت بأربعة أخماس السكان العرب الفلسطينيون للخروج من أراضيهم وممتلكاتهم على إثر الإرهاب والمجازر والتهديدات الصهيونية، وجد العرب الباقون في فلسطين أنفسهم أقلية في دولة يهودية بعد أن كانوا يمثلون أكثر من ثلثي السكان في فلسطين حتى العام 1948، يعانون من تزايد النقص في الأطعمة والمؤونة إلى جانب إنقسام آلاف العائلات خلال الحرب وعلى أثرها، مما أضعف التواصل فيما بينهم لأبعد الحدود بسبب خطوط الهدنة، بالإضافة إلى ما اعترى هذا المشهد من خوف وضبابية على مستقبلهم ومصيرهم. وقد أدت خطوط الهدنة لفصل العرب في إسرائيل عن باقي مراكز السكان العرب الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة، وقد صرح تعليقاً على ذلك المستشار الأول لرئيس الوزراء الإسرائيلي للشئون العربية بقوله : " إن الشعب العربي الذي بقى هو بمثابة جسم بدون رأس، لقد ذهبت النخبة الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية، والدينية ". في حين تركزت اهتمامات دولة إسرائيل على استيعاب مهاجرين جدد وحفظ الأمن، وضم الأراضي، والبحث عن طرق للتطور الاقتصادي وبالتركيز على أمن دولة إسرائيل الناشئة كأولوية، نظروا للعرب في إسرائيل بالمقابل كأعداء محتملين خصوصاً وأن العديد منهم تركز في الجليل حيث الاستيطان كان نادراً وحول الحدود الأردنية وتوفر إمكانية خدمة القرى العربية في هذه المناطق كمحطات عبور إذا ما اندلعت الحرب مع العرب مرة أخرى. لم تكن الحكومة تريد رسم صورة حسنة لحياة العرب في إسرائيل لأنها اهتمت بإقناع الرأي العام بعدم جدوى رجوع اللاجئين العرب بدون رغبتها، ولعدم طموح اليهود بأن يكون العرب جزءاً من منظومتهم، ومع عدم التفكير بطرد كامل للسكان العرب وسط ضغط دولي يطالب ببدء عودة اللاجئين، كما حافظ الكيان الصهيوني على فصل اجتماعي بين العرب واليهود وذلك بهدف السيطرة على العرب مع تغييبهم على المستوى الدستوري والبنيوي وهذا تطلب غياب المشاركة العربية في أعمال الحكومة ومؤسساتها واقتصار المشاركة على الدوائر ذات العلاقة بالقطاع العربي. ب‌- المهجرون الفلسطينيون في إسرائيل ( الحاضرون المغيبون ) لم يتوقف تهجير الفلسطينيين بانتهاء حرب العام 1948 وما تبعها من هدنة بل استمر إلى ما بعد الحرب، من ذلك تهجير السكان من القرى ( أم الفرج وقطية والجاعونة وإقرث وكفر برعم والغابسية والخصاص ) في ظروف مختلفة وكان التهجير داخلياً في حدود ما أخذته إسرائيل بالحرب، كما لجأت أيضاً لحالات تهجير خارج الحدود مثلما حدث مع السكان المتبقين في مدينة المجدل ( التي تدعى اليوم أشكلون ) والذي بلغ عددهم ما يقارب 2700 نسمة من أصل 10 آلاف نسمة حيث تلقى السكان أوامر بطردهم في العام 1950 من مدينتهم رحلوا على أثرها إلى حدود قطاع غزة خلال أسابيع قليلة، وكذلك في النقب ما بين عامي 1949و 1953 بحيث قل عدد العرب البدو في النقب من نحو 65 – 95 ألفاً ( وفق تقديرات الانتداب البريطاني ) إلى 13 ألفاً عام 1951. ولعدم عودة المهجرين لقراهم فرضت إسرائيل الحكم العسكري على الفلسطينيين ما بين عام 1948 إلى 1966 وأوكل الحكم العسكري صلاحية الإعلان عن المناطق العربية كمناطق مغلقة بموجب المادة ( 125 ) من أنظمة الطوارئ بحيث يجري الدخول إليها والخروج منها بواسطة تصاريح، واتخذت إجراءات مثل هدم البيوت في بعض القرى والمدن وطرد السكان إلى خارج الحدود التي أغلقتها دولة إسرائيل ووطنت مهاجرين يهود في بيوت اللاجئين، وأقامت بيوت يهودية على أراضي بلدات مهجرة حتى تضمن إغلاق ملف المهجرين داخل حدودها إلى جانب اللاجئين خارجها. كما أنها شكلت لجان لتوطين الفلسطينيين المهجرين في البلدات والقرى التي لجأوا إليها والتي هي بالأغلب قريبة من بلداتهم حيث كان يسود الاعتقاد لديهم بأنهم لابد أن يعودوا لقراهم وماهم فيه ليس إلا مسألة مؤقتة. ولتعقيد الأمور أكثر لجأت الإحصاءات الإسرائيلية في العام 1948 والعام 1961 على التوالي لتصنيفهم مثل سائر الفلسطينيون الذين بقوا في وطنهم بعد النكبة فكان إهمالاً مقصوداً لارتباطه بالسياق العام لإهمال الفلسطينيين في إسرائيل، ولعدم رغبة الدوائر الرسمية في إسرائيل جذب الانتباه لوجود مثل هذه المسألة ولن يتأتى ذلك إلا بعدم وجود تصنيف خاص لهؤلاء المهجرين. وقد قدرتهم الأونروا في العام 1950 بـ 46 ألف نسمة أي نحو 30 % من المواطنين العرب الذين بقوا في إسرائيل في تلك الفترة والبالغ عددهم ( 156 ألف نسمة ) وكانت النسبة الأكبر من المهجرين في منطقة الجنوب ( النقب ) تليها منطقة الوسط ( وتشمل لواء الوسط ولواء تل أبيب ولواء القدس معاً ) ثم الشمال وهي الأكثر تعداداً للسكان خصوصاً التجمعات العربية ( وتشمل لواء الشمال ولواء حيفا معاً ومنطقة وادي عارة ). هذا وقد اعتبر القانون الإسرائيلي المهجرين الفلسطينيين في إسرائيل " غائبين " بحسب أنظمة الطوارئ بشأن " أملاك الغائبين " للعام 1948 وقانون أملاك الغائبين للعام 1950 وهذا لأنهم تركوا قراهم الأصلية صارفين النظر عن الأسباب التي دفعت هؤلاء لتركها. وقد تم منعهم بصورة همجية من العودة لبيوتهم واستعادة أملاكهم وأصبحت أملاكهم تحت تصرف " القيم على أملاك الغائبين " والمخول بموجب قانون أملاك الغائبين الذي سنه الكنيست لإتمام الوجه القانوني للسيطرة على الأملاك حيت أصبح ( القيم ) بموجبه مالكاً لهذه الأملاك إلى أن يثبت الغائب أنه لم يكن غائباً، أو أن يصبح في نظر القانون ليس غائباً وهذا ما لم تسمح به قوانين الطوارئ والإجراءات العسكرية الإسرائيلية التي حظرت تنقلهم رغم مطالبتهم بالعودة مستندين لحقهم الطبيعي وإلى قرار 194 القاضي بعودة اللاجئين إلا أن ذلك لم يؤتي ثماره أمام عنصرية صهيونية وبقوا حتى اليوم الحاضر المغيب. ت‌- الحكم العسكري خلال حرب العام 1948 قرر ( مجلس الدولة اليهودي المؤقت ) فرض سيادة خاصة من الحكم العسكري على الجليل والمثلث، ومدن الرملة، واللد، ويافا ومجدل عسقلان وهي المناطق التي كانت مأهولة عند انتهاء المعارك بأغلبية من العرب. كان الحكم العسكري بمثابة وحدة عسكرية داخل الجيش، وتشكل من ضباط وجنود يؤدون الخدمة العسكرية النظامية والثابتة وكان قائد الحكم العسكري ضابطاً في الجيش النظامي يخضع مباشرة لرئيس الأركان، ووزارة الأمن ومنذ العام 1948 وحتى العام 1968 الذي ألغى فيه هذا الجسم المؤسساتي الإسرائيلي المركزي وفر الحكم العسكري إمكانية المضي قدماً في بناء الدولة اليهودية من خلال إقصاء العرب عن عمليات بناء وتطوير الدولة، وتجاهل وجودهم. فالحكم العسكري استند لأنظمة الدفاع الانتدابية لحالة الطوارئ للعام (1945) مع قوانين انتدابية أخرى وركز الحكم العسكري على خمسة من أنظمة الطوارئ الانتدابية فقط من مجموع 162 فكانت الأنظمة 110، 111، 124 تتحكم بحرية التنقل للمواطنين الخاضعين لسيطرته وتقييدها إلى حد منعها في حين أن المادتان (109) و (125) مكنتا الحاكم العسكري من منع دخول المواطنين إلى مناطق أعلن عنها مناطق مغلقة. وقد تجسدت المهمة الرئيسية لتطبيق الحكم العسكري في فرض رقابة عسكرية مشددة على الأقلية العربية ( بثوب مدني ) والتي ضيقت حرية التنقل، وحرية العمل، وحرية الوصول لمراكز التشغيل في الصحة، والتعليم، والتجارة، والتسوق وصولاً إلى حرية العمل الجماهيري والسياسي، وبالتالي تم إخضاع الفلسطيني لنظام صارم من التصاريح لأي نشاط أو تحرك يرغب بالقيام به. لقد كان استغلالاً لما يعيشه العرب داخل دولة إسرائيل الناشئة وللحالة التي وصلوا إليها من الرعب والتشتت، ونظرة دونية لهم كعدو محتمل وجب مراقبته وتقييد خطواته، ارتكازاً للادعاءات حول صورة العربي لدى الجمهور اليهودي، لقد كان القصد ليس فقط الإقصاء بل المنع من أن تبلور هويتهم بشكل جماعي لذلك كانت تتابع ملفات كل شخصية في القرية وحول المدارس والمعلمين، والمخاتير، والمواطنين من الحكم العسكري كنوع من الرقابة رغم أنه لم يثبت أن شكل العرب داخل إسرائيل الناشئة أي خطر عليها. لقد ظلت الأقلية العربية في إسرائيل شوكة في حلق الدولة، وظلت النظرة الحكومية من مؤسسات ودوائر مختلفة تنظر إليها كعدو وخطر محتمل رغم إنتهاء الحرب عسكرياً في فلسطين منذ فبراير 1949 لذلك تميزت بداية الخمسينات بعمليات إطلاق نار وقتل للفلسطينيين بحجة التسلل عبر الحدود حيث كانت السياسة الرسمية تمنع عودة الفلسطينيين لبيوتهم ووطنهم، وشكل الجيش وحدات خاصة، أشهرها ( الفرقة 101 ) بقيادة المجرم أرئيل شارون لمحاربة المتسللين ومن يعاونهم وقامت تلك الفرقة بعدة عمليات انتقامية على حدود الضفة الغربية ( التي كانت تحت حكم الأردن ) والتي كان أبرزها مجزرة قبية في 1953.10.15 والتي راح ضحيتها قرابة 70 شخصاً غالبيتهم من نساء تلك القرية وأطفالها وقد قدر بني موريس في كتابه حروب إسرائيل الحدودية ( 1949- 1956 ) أن عدد من قتلتهم إسرائيل في حروبها الحدودية يتراوح بين 2700 إلى 3000 شخص وكان التصعيد على الحدود في الضفة وقطاع غزة أملاً في جر مصر والأردن لحرب ثانية هم غير مستعدين لها وكان من العمليات التي تسارعت وتيرتها قبل العدوان الثلاثي الهجوم على قرية حوسان القريبة من بيت لحم في 1956.9.2 حيث قتل 39 فلسطينيناً وجرح 12 آخرين وفي قلقيلية القريبة من كفر قاسم نفذ الجيش الإسرائيلي عملية كبيرة كانت نتيجتها قتل 18 إسرائيلياً وجرح 88، وفي الطرف الفلسطيني استشهد 88 شخصاً وجرح 14 آخرين في تلك الفترة كانت إسرائيل تضع خططاً عسكرية تحسباً لنشوب حرب قريبة على الجبهة الأردنية كما وضع مخطط نقل أهالي كفر قاسم والقرى العربية المجاورة إلى معسكرات اعتقال داخل إسرائيل وسميت تلك الخطة (حفر فيروت) أي الخلد أو الطابور الخامس (مجازاً). لقد بقى أمل الصهيونية ترانسفيراً إضافياً للعرب في إسرائيل وهذا ما كان يهيمن على الفكر السياسي للمؤسسة الحاكمة طوال العقد الأول لإقامة دولة إسرائيل لذلك مع العدوان الثلاثي يوم 1956.10.29 قررت قيادة الجيش الإسرائيلي فرض حظر التجول على قرية كفر قاسم وقرى عربية أخرى محيطة بها مثل ( كفر برا، وجلجوليا، والطيرة، والطيبة، وقلنسوة ) ورغم إبلاغ الجيش أن العديد من أهالي القرية لا يزالوا في عملهم خارج القرية إلا أنه أثناء عودتهم لبيوتهم أطلق عليهم النار بدم بارد وكانت مجزرة راح ضحيتها 49 شهيداً، وكفر قاسم تلك لم تكن إلا قرية وادعة في ( منطقة المثلث ) التي اصبحت جزءاً من الأراضي التي استولت عليها إسرائيل حسب اتفاقية رودس مع الأردن في أعقاب حرب 1948 حيث أتفق على نقل قرى المثلث من كفر قاسم جنوباً حتى أم الفحم وقراها المجاورة شمالاً من الجانب الأردني للجانب الإسرائيلي وقد جرى النقل فعلياً في 19 و 21 مايو 1949، ورغم أن اتفاقية رودس نصت على بنود تحمي أهالي المثلث وأملاكهم إلا أن إسرائيل كان هدفها من المجزرة نكبة أخرى للفلسطينيين يقومون خلالها بالهجرة إلى الضفة الغربية خصوصاً وأن الجهة الشرقية لتلك القرى الحدودية أبقيت مفتوحة بدون حواجز ولا قوات أمن إسرائيلية، لقد كانت المجزرة وسيلة لتهجير سكان قرى المثلث الحدودية، ولكن ذلك لم يتحقق فالفلسطينيون تعلموا الدروس والعبر من نكبة عام 1948، ونشوء مشكلة اللاجئين والمهجرين ورغم أن المجزرة دبت الرعب في نفوسهم بحيث ذكرتهم أن مجرد بقائهم في وطنهم وعلى أرضهم هي مسألة لم تحسمها السلطات الإسرائيلية. في حين أدت تلك المجزرة رغم وقوعها في ظل العدوان الثلاثي على مصر أو حرب سيناء بكل ما تعنيه من إمكانيات انعكاس الإرهاب الصهيوني على الفلسطينيين إلى التوصل لاستنتاج مفاده أنه من الصعب طرد الفلسطينيين فلا يمكن تكرار تجربة النكبة لذلك بدأت المؤسسات الصهيونية باتخاذ تدابير سياسية أخرى تجاه الفلسطينيين تتمحور حول الاحتواء إلا أن بن غوريون ظل يؤيد الحكم العسكري مبرراً ذلك في خطابه أمام الكنيست في العام 1963 بثلاثة نقاط رئيسية هي : 1- تحت مبرر أن الحكم العسكري يدافع عن أمن إسرائيل أمام الدول العربية التي تزيد من كمية السلاح في حوزتها وأمام تهديد قياداتها باستخدامه ضد دولة إسرائيل. 2- لأن العرب بنظره متماثلين مع الدول العربية وقد يشكلون طابوراً خامساً يمكنه التعاون مع الدول العربية. 3- أن الحكم العسكري هو جزء من الجيش وإلغائه سوف يضعف قوة الردع الإسرائيلية العسكرية. بعد انتهاء بن غوريون وتأثيره الطاغي على السياسة الإسرائيلية بنجاح ليفي أشكول رئيساً للحكومة الإسرائيلية في يونيو 1963 تمكن الأخير من نقل صلاحيات الحكم العسكري من الجيش للشرطة، وبذلك تم إلغاء الحكم العسكري كجهاز بينما بقي النظام نفسه فاعلاً وحتى ديسمبر 1966 أعلن عن نهاية الحكم العسكري، وقد اعتبر الجمهور اليهودي هذه العملية بمثابة تطهير للديمقراطية الإسرائيلية أمام الرأي العام الدولي رغم أن القيادة اليهودية واصلت سيطرتها على العرب وتقييدهم بوسائل مدنية. لقد تواصل فرض الأنظمة المختلفة على السكان العرب بغية إيجاد حاجز مهم ودائم للعلاقة بين اليهود والعرب بحيث لا تحظى فيه ما أصبح بعد النكبة يطلق عليه الأقلية العربية بأي نوع من المساواة أو التمثيل. وظهر مكتب رئيس الوزراء للشئون العربية بصفته الوكالة المسئولة بشكل أكثر مباشرة عن سياسات الحكومة بشأن العرب، لقد كانت ترجمة التخلف الاقتصادي الشامل للقطاع العربي إلى علاقات متينة ملموسة من الاعتماد على مراكز القوة والثروة اليهودية، فقد كان التخلف الاقتصادي العربي أسلوباً فعالاً جداً للإبقاء على الأفراد العرب والقرى العربية معتمدين على ما يجود به مكتب مستشار رئيس الوزراء للشئون العربية. وكانت القوائم السوداء التي يوزعها الحكام العسكريون بأسماء العرب تنهي أي أمل لديهم بتلقي أي قروض لتطوير أنفسهم وقد حوت تلك القوائم أسماء العرب النشطين في ( مابام ) حزب العمال الإسرائيلي الموحد، أو الحزب الشيوعي، وحركة الأرض، والمنظمات الجبهوية الشيوعية مثل قائمة المعلمين الديمقراطيين للهستدروت وكذلك أسماء العرب غير المتعاونين في بيع الأرض أو رافضو العمل كمخبرين. لقد أدى ذلك لانعزال العرب جميعاً عن الاتجاهات السياسية لدى العالم العربي بما في ذلك الحركة الفلسطينية الناشئة، رغم تجديد كثير منهم علاقاتهم بأقاربهم وجيرانهم الذين بقوا في مخيمات اللجوء على أراضي الضفة والقطاع إثر نكبة 1948. لقد كانت السمة المميزة لإسرائيل منذ النكبة ممارسة الانتهاكات الممنهجة لحقوق الإنسان بهدف اقصاء الفلسطينيين والسيطرة على أراضيهم، ومحو تاريخهم، وتدمير علاقاتهم السياسية والاجتماعية والثقافية التي تربط الفلسطينيون كشعب واحد , ولم تكل يوماً في التضييق عليهم وخنقهم ضاربة بعرض الحائط كل القرارات الأُممية المساندة لحق الشعب الفلسطيني الذي توزع في بقاع الأرض بين لاجئ ومهجر وباق على أرض فلسطين يرزح تحت الاحتلال لكل معاناته ومشاكله وحقه المهدور في تقرير مصيره أمام عنصرية صهيونية همجية . فقد تحول الصراع على الأرض إلى بعد أكبر وأعمق ودخل في السيطرة اللا أخلاقية على شعب بكامله، وأصبحت الأرض الموعودة هرطقة فكرية عند الكثير من الإسرائيليين كونها خرجت من دائرة الإيمان والقدسية إلى دائرة الإدراك الأدبي والأخلاقي حيث تحقق إسرائيل وعد الله على أنقاض حرية شعب آخر وصارت الفريضة التي تنطوي على مخالفة ليست فريضة، وأن إسرائيل ستصبح كأي دولة بوليسية تقوم حكومتها بقمع حركات التمرد وأن الفساد سينخر في إسرائيل جيشاً وشعباً ممن تحولوا إلى حكام عسكريين وجيش احتلال، وأن الخلاص المزعوم فريضة تدعو للخوف من الله وليس بمخالفة شرائعه . لقد بدت إسرائيل في أعين مؤسسيها من الحركة الصهيونية مشروعاً قابلاً للحياة وكانت دعوة يهود الشتات للعودة لأرض الميعاد سواء فلسطين أو الشرق العربي حينها كان المشروع الإسرائيلي معززاً بالهجرات اليهودية يتسم بشيء من الواقعية بالمعايير الديمغرافية , واليوم فإسرائيل تعيش مأزقاً ديمغرافياً وسياسياً سيؤثر مستقبلاً على كامل المستقبل القومي لإسرائيل وهويتها بوصفها الدولة الوحيدة للأمة لليهودية , ويتضح أن القرار الذي يتعين على صناع القرار الاستراتيجي في إسرائيل اتخاذه يتمثل في الإجابة عن السؤال التالي " ما مغزى أن تكون الدولة يهودية بينما قد يصبح 35% من سكانها من غير اليهود ؟ " ففي إسرائيل ليس كل إسرائيلي جزءاً من الأمة اليهودية لأن الدين اليهودي وحده الذي يعطي جواز المرور إلى الأمة ومن هنا يكمن فهم غياب الأمة الإسرائيلية في الذهن اليهودي لصالح مفهوم الأمة اليهودية , فإسرائيل هي دولة لليهود فقط , وهذه الإشكالية , التي تعانيها إسرائيل ( فهي توسع يهودية الدولة على حساب المساحات الديمقراطية) حيث تمنح الامتيازات والحقوق والمواطنة لليهود دون غيرهم من السكان , لاسيما الفلسطينيين , فجاءت قرارات المحكمة العليا الإسرائيلية ونقاشاتهم البرلمانية وقرارات حكوماتهم المتعاقبة وحتى المفاوضات مع الجانب الفلسطيني قائمة على تهميش فلسطينيو العام 1948 , وزيادة الضغط الاقتصادي عليهم لوضعهم أمام خيارين لا ثالث لهما فإما القبول بحق الإقامة دون الحقوق السياسية أو الهجرة من إسرائيل لذلك قامت الحكومات الإسرائيلية بتنفيذ خطوات تنسجم مع رؤيتها للتسوية مع الفلسطينيين ضمن ثلاثة نقاط أساسية: 1- الاستمرار في بناء المستوطنات بحيث لا يعني تجميدها توقفها نهائياً. 2- القدس عاصمة أبدية لإسرائيل بالتهويد المستمر وبطرد الفلسطينيين والتضييق عليهم فيها. 3- إلغاء حق العودة بالكامل والتحضير لنقل العرب الإسرائيليين ( فلسطينيو العام 1948) إلى خارج الدولة الإسرائيلية والتي ستكون يهودية صافية. وفي نفس الوقت الذي وافقت فيه إسرائيل على التسوية السياسية فإنها لا زالت تضع على رأس أولوياتها ( خيار المواجهة ) , فإذا كان السلام يضمن مؤقتاً مواجهة التحديات والضغوطات الخارجية , ففي نظرها مواجهة الفلسطينيين لازالت قائمة وإشكالية الديمغرافيا ممثلة بالزيادة الفلسطينية الكبيرة المتوقعة خلال العقود القادمة أصبحت مشكلة تؤرق إسرائيل التي لا تزال ترفض الاندماج في محيطها العربي القريب , لذا لجأت إلى السيولة في ترسيم الحدود , وحركة السكان وتخطط لتحريك الخط الأخضر نحو ( حدود العام 1967 ) شرقاً بحيث تضم إسرائيل نهائياً مراكز استيطانية كبيرة , مثل ضمها الأحياء الفلسطينية حول القدس , أو غرباً بحيث يثم التخلص من تجمعات فلسطينية داخل إسرائيل متاخمة للضفة الغربية وهي تتداول جملة من الأفكار والمخططات الهدف منها تفريغ إسرائيل الجديدة من سكانها الفلسطينيين عبر تعديلات حدودية غربي الخط الأخضر. قد نكون أمام إعلان إسرائيل من جديد بصيغة معدلة تكون أقل مما طمعت في تحقيقه بالحروب والادعاءات الدينية وبالهجرات الوافدة إليها ولكنها قطعاً ستكون يهودية أكثر، والاستيطان المستمر وتهويد الأراضي والمناطق لا يزال متواصل ويخلق واقعاً على الأرض يعرقل أي حل مقبل ويدفع للتدخل العسكري الإسرائيلي مستقبلاً ضد المناطق العربية أو للمضايقة الاقتصادية التي ستدفع الكثير من الفلسطينيين للهرب من الواقع المرير والهجرة خارج البلاد. فإسرائيل تتحدث عن مصالحها ومجالها الحيوي دون تفريق بين حدود العام 1948 وحدود العام 1967فالمهم عندها أن تكون حدودها آمنة بغض النظر عن موقع هذه الحدود وطبيعتها فهي مرتبطة عندها بطبيعة الدولة اليهودية التي لا تكتفي بإعادة رسم حدودها السياسية عبر تفتيت المناطق، بل تعطي لنفسها الحق في التمدد وفق رؤيتها لإسرائيل اليهودية الجديدة. لقد تشجعت إسرائيل على السير في موضوع يهودية دولة إسرائيل بعد محادثات كامب ديفيد في يوليو . 2000 عندما ربط الرئيس الأمريكي بيل كلينتون ربطاً مباشراً بين حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وحقوق اللاجئين اليهود الذين اضطروا لمغادرة الدولة العربية مقترحاً إنشاء صندوق دولي يعالج مطالب اللاجئين العرب واليهود ومن وقتها وإسرائيل تركز على موضوع التعويضات وأنشئ مركز معلومات في وزارة العدل الإسرائيلية في مايو 2002 متخصص في ممتلكات اليهود الذين غادروا البلاد العربية سواء كانوا في إسرائيل أو في باقي دول العالم. وبربط إسرائيل حق تعويض اليهود العرب في إسرائيل بحق تعويض اللاجئين الفلسطينيين تعتقد أنها تحقق المصالح الإسرائيلية الهادفة لتهميش قرار 194 القاضي بحق عودة اللاجئين الفلسطينيين لديارهم في أقرب فرصة ممكنة، والتعويض عن الأضرار النفسية والمادية التي لحقت بهم جراء طردهم من ديارهم. وكانت الحكومة الإسرائيلية أعلنت منذ العام 2002 عن قانون الجنسية والمواطنة الذي يمنع الفلسطينيين من إسرائيل من "لم شمل" نسائهم اللواتي تنحدر أصولهن من الأراضي المحتلة، أو تجنيس فلسطينيين من الضفة الغربية تزوجوا فلسطينيات من إسرائيل، وتقوم الحكومة الإسرائيلية كل عام بتمديد مفعول هذا الأمر بعد أن أقرت المحكمة العليا أن هذا القانون (عنصري وغير شرعي). إن خطورة الطروحات والأهداف الإسرائيلية تكمن في التبني الدولي لها خصوصاً من الولايات المتحدة الأمريكية فقد صرح جورج بوش الابن في مؤتمر العقبة بتاريخ 4 يونيو 2003 قائلاً : "اليوم أمريكا ملتزمة بقوة بأمن إسرائيل كدولة يهودية مفعمة بالحيوية". في هذا الإطار جاء الإلحاح الإسرائيلي منذ مؤتمر أنابوليس 2007 . باعتراف العرب بيهودية الدولة العبرية كشرط أساسي لأي عملية تفاوض أو حل نهائي، وفي نفس السياق أبدت إسرائيل استعدادها للبحث في موضوع اللاجئين من زاوية التعويض المالي، كما جاء تصريح وزير الخارجية الإسرائيلي ليبرمان حول المفاوضات مع الفلسطينيين على أساس (التبادل للأراضي و السكان) معتبراً رفض السلطة الفلسطينية الاعتراف بإسرائيل دولة للشعب اليهودي يجب أن يقود لوضع قضية العرب الذين يحملون الهوية الإسرائيلية على طاولة المفاوضات (إشارة إلى فلسطينيو العام 1948)، فشعار ليبرمان في الانتخابات البرلمانية الأخيرة كان "لا ولاء .. لا مواطنة" . ونتنياهو منذ منتصف يونيو 2009، بعد تسلمه رئاسة الحكومة أدلى بالتصريح التالي: "إن الشرط الأساسي لإنهاء النزاع هو الإقرار الفلسطيني العلني والملزم والصادق بإسرائيل كدولة قومية للشعب اليهودي، وفي أكتوبر 2010 أقدمت حكومته على إجراء تعديلات على قانون المواطنة بحيث يتضمن أداء وقسم الولاء لـ "الدولة اليهودية" كشرط لاكتساب الجنسية الإسرائيلية . وأن تلك الصيغة تلزم كل من يطلب الحصول على الجنسية الإسرائيلية (باستثناء يهود العالم) بالاعتراف والإقرار بإسرائيل دولة يهودية ديمقراطية، وأنها الوطن القومي للشعب اليهودي، وأن من يطلب الجنسية يجب أن يعلن بأنه "مواطن وفيّ لدولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية وأنه يلتزم باحترام قوانينها" ليحل محل النص القديم الذي يلتزم فيه المواطن بإعلان الوفاء (لدولة إسرائيل) . لقد نفي نتنياهو عن نفسه ( أنه أعلن تلك الصيغة كنوع من الاستحقاق لحزب ليبرمان ) للبقاء في الحكومة مقابل تجميد الاستيطان، ومواصلة المفاوضات. فقد سبق إعلان نتنياهو الصيغة الجديدة للتجنيس إعلان عضو الكنيست اليميني رئيس لجنة التربية والتعليم التابعة للكنيست (زبولون أورليف) عن إعداده مشروع قانون جديد لتغيير جواز السفر الإسرائيلي الحالي الذي تظهر عليه عبارة دولة إسرائيل فقط، ليضاف إليها عبارة ( دولة الشعب اليهودي ) باللغتين الانجليزية والعبرية . إن إعلان نتنياهو وخطوته اتجاه المصادقة على قانون المواطنة فجر ضجة سياسية في إسرائيل خصوصاً في صفوف اليسار والأحزاب العربية فعضو الكنيست محمد بركة أكد أن الهدف من هذا القانون وتوقيته، هو أن يكون رسالة سياسية وصاروخ قاتل للعملية السياسية والمفاوضات، فقانون المواطنة في إسرائيل عنصري أصلاً بصيغته الأصلية، ولكن حكومات السنوات الأخيرة تقر تباعاً أنظمة طوارئ عنصرية تمنع حصول الفلسطينيين على المواطنة إلى جانب تقييدات أخرى، وهناك حالات استثنائية نادرة جداً أو قليلة إلى أدنى الحدود التي يقبل بها وزير الداخلية منح المواطنة لفلسطيني في إطار لم شمل العائلة، وتعديل القانون قد يطال حتى هذه القلة القليلة، وهذا ما يؤكد أن الهدف من القرار هدف سياسي استفزازي . ووصف القانون الذي ستصادق عليه الحكومة بصياغته الأخيرة أنه من إعداد وزير الخارجية (أفيغدور ليبرمان) ، ووزير القضاء (يعقوب نئمان) وما كان بالإمكان صياغته لولا تشبث نتنياهو به . لقد مثل كتاب القوانين الإسرائيلي لعقود من الزمن مرشداً لأكثر الأنظمة العنصرية الظالمة في العصر الحديث بحيث أنه فاق عنصرية أنظمة شرسة عرفها التاريخ. فقداعتقدت الحكومة الإسرائيلية بقانونها الجديد ووضع الاعتراف الفلسطيني والعربي بيهودية إسرائيل شرطاً لإقامة دولة فلسطينية تمريراً لمشروعها في ظل شرق أوسط جديد تسعى أمريكا لإيجاده ، بحيث تصبح حسب مفهومهم الأرض، والحكم، والحكومة حق لليهود دون غيرهم ، وأنه بإمكانهم طرد وإبعاد من لا تثبت مواطنته الصالحة من غير اليهود فهم يعتبروا (دخلاء) على الدولة اليهودية، والمواطنة الصالحة كما يراها اليهود تكون بالولاء التام المشفوع بالقسم للدولة بما يتضمنه من إلزام لمؤدي القسم من خدمة عسكرية في الجيش الإسرائيلي، وهو ما سيعني بالتأكيد عدم قبول عرب فلسطين بيهودية الدولة وإفرازاتها وأسسها التي ستشكل خطراً على حاضرهم ومستقبلهم لأنهم حال قبولهم بها سينزع ذلك صبغتهم العربية والتزاماتهم الوطنية وحقهم في التعويض والبقاء والعودة، بل سيتيح لإسرائيل الارتكاز على أسس قانونية جديدة تمهيداً لترحيلهم خارج إسرائيل اليهودية. لقد أعادت إسرائيل بهذا القانون شكلها العنصري الذي صبغها لسنوات عندما اعتبرت الأمم المتحدة الصهيونية شكلاً من أشكال العنصرية، وأن دولة إسرائيل عنصرية، والاعتراف بإسرائيل دولة لليهود هو تشجيع على العنصرية وأعمال العدوان والتوسع وإشعال الحروب، وإسرائيل الدولة بلا حدود ستعطي الدولة اليهودية الحق في التطهير العرقي لسكان الدولة لتفريغها من كل من هو غير يهودي خصوصاً وان أكثر من مليون ونصف المليون فلسطيني يملكون المواطنة الإسرائيلية. إن عدم تعريف حدود الدولة المقصودة والجديدة (الدولة اليهودية) يضمر نوايا سيئة في اكتساب أرض الغير بالقوة، وفي هذه الحالة ستصبح كل أرض جديدة تستولي عليها إسرائيل بالقوة، وتلحقها بالدولة في المستقبل تدخل ضمن دولة اليهود التي تم الاعتراف بها حسب قرار التقسيم قبل تكوين الدولة واستكمال عناصرها الأساسية. وتكمن الخطورة هنا بالنوايا العدوانية نحو الآخرين، وبانتهاك القاعدة الآمرة في القانون الدولي وإحدى مبادئه الأساسية التي ( تحرم اكتساب الأرض بالقوة ) ولأن طبيعة الدولة استندت على الاغتصاب عند نشأتها، والتوسع الإقليمي واكتساب الأرض بالحروب والاستيطان فإن الإعلان عن إسرائيل دولة يهودية أو دولة لليهود قبل تعريف الحدود هو جريمة بحد ذاتها لأنها ستبقى تتمدد اعتماداً على القوة والنفوذ والهيمنة، والحماية المتوفرة من حليفها الأمريكي. لقد زعموا في البداية أن الشعب اليهودي يمثل حالة قومية وكان ذلك يتماهى مع إفرازات التطور الصناعي وما خلقه من صراعات قومية وما دام اليهود قد تجمعوا في فلسطين ولحل مسألة التوسع الصهيوني ومشاكل الديمغرافيا لجأوا مؤخراً لإضفاء الطابع الديني الخالص على دولة إسرائيل رغم أن الواقع الديني في إسرائيل يقول غير ذلك، وهذا انتهاك للقانون الدولي ولشروط الأمم المتحدة التي قبلت من خلالها إسرائيل كعضو في الأمم المتحدة وان هذا انتهاك للنواحي القانونية ومقاصد الأُمم المتحدة حيث نصت الفقرة 3 من المادة الأولى من ميثاقها على ما يلي "تحقيق التعاون الدولي على حل المسائل الدولية ذات الصفة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية، وعلى تعزيز احترام حقوق الإنسان والحريات والأساسية للناس جميعاً والتشجيع على ذلك إطلاقاً بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين ولا تفريق بين الرجال والنساء" . كما نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان "على عدم التمييز والمساواة أمام القانون والحق في حرية التفكير والوجدان والدين والمعتقد" ، وتنص المادة الثالثة من الإعلان على أنه "يشكل التمييز بين البشر على أساس الدين أو المعتقد إهانة للكرامة الإنسانية وإنكار لمبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويجب أن يشجب بوصفه انتهاك لحقوق الإنسان والحريات والأساسية" إن النصوص في هذا المجال كثيرة ومتنوعة وكلها من شأنها أن تعيد النظر في عضوية إسرائيل كشخص من أشخاص القانون الدولي تعهد بأحكام المواثيق الدولية كدولة محبة للسلام، وان تنكرها لتعهداتها لشروط اكتسابها الشخصية القانونية والعضوية في الأمم المتحدة من شأنه أن يطرح فصلها من الأمم المتحدة . وإصرار نتنياهو على قبول الفلسطينيين بالدولة اليهودية، ومحاولته تقبل العالم لتلك الفكرة سيتيح لإسرائيل نسف أركان القضية الفلسطينية والمتمثلة في : أولاً / تجريد الفلسطينيين من حقهم في العودة لأراضيهم التي أُبعدوا عنها، وتهيئة الظروف لإبعاد من تبقى منها خارج إسرائيل. ثانياً / سيكون من المشكوك فيه قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس فوق الأراضي المحتلة لعام 1967 حال أن يقع الفلسطينيون في هذا الشرك وستفعل إسرائيل كل قوانينها العنصرية الضامة للقدس، وإبقاء المستوطنات والجدار والسعي لإدخال المستوطنات ضمن جغرافية إسرائيل اليهودية لتتبقى كانتونات فلسطينية في الضفة تدار من سلطات فلسطينية محلية . ثالثاً / فقدان الفلسطينيون لحقهم في التعويض النفسي والبدني عن كل سنوات التشرد واللجوء وإلزام الفلسطينيون والعرب بدفع تعويضات لليهود على اعتبار أنهم أصحاب الأرض الأصليين بموافقة فلسطينية وعربية، يضاف لذلك مسئولية الحروب وأضرارها رغم أنها كانت في صالح إسرائيل بالأغلب، وهذا سيترجم لمليارات تدفع كتعويضات لإسرائيل من العالم العربي. وهذا يتطلب من الفلسطينيين إدراك البعد الحقيقي وراء (يهودية إسرائيل) والانتباه أكثر لتصريحاتهم ومواقفهم والتي ستصيب القضية الفلسطينية بمقتل، وستكون القضية الفلسطينية برمتها قد ذهبت أدراج الرياح أمام تلك الخدعة الإسرائيلية . لذا المطلوب هو هجوم معاكس فلسطيني وعربي ودولي مسلح بالشرعية الدولية والقوانين الخاصة بالعنصرية والعمل على إعادة الصورة العنصرية التوسعية لإسرائيل تجنباً لنكبة ثانية لفلسطين ستكون الفصل الأخير من فصول تصفية القضية الفلسطينية، والمقدمة الأولى لقرب قيام إسرائيل الكبرى . أن إسرائيل بطرحها الاعتراف بيهودية إسرائيل الدينية تجاوزت كثيراً حدود مخاوفها لتنسف أساس القضية الفلسطينية وتخلق مشكلات كبيرة نحن في غنى عنها أكثرها ألماً سيكون إلغاء القرار 194 وحق اللاجئين بالعودة والتعويض , والتضييق على فلسطينيي عام 1948 لإفراغ إسرائيل منهم مستقبلاً , وهذا كان واضحاً في تهديدات شارون لهم إبان هبة العامة 2000 بتحذيرهم من التمادي أكثر حتى لا تحدث لهم نكبة شبيهة بنكبة العام 1948. لذلك أي حل يتم فيه تبادل مواطنين مع أراضي لحل المشكلة الفلسطينية لن يكون حلاً عادلاً للفلسطينيين بل هو ما تهدف له إسرائيل للتهرب من كل التزاماتها القانونية والحقوقية اتجاه الفلسطينيين ولكل ممارساتها تجاههم منذ أوائل القرن العشرين وحتى اللحظة. وعليه وجب أن يركز البرنامج الوطني الفلسطيني على ثلاثة أبعاد في مواجهة المشروع التوسعي الإسرائيلي وهي : أولاًَ- مواجهة التمييز العنصري في مناطق العام 1948 ( مناطق الاحتلال الأول ) والعمل من أجل تحقيق المساواة الكاملة للفلسطينيين في أرض بلادهم أسوة بالإسرائيليين. ثانياً- مواجهة الاحتلال ونهب الأرض والاستيطان في مناطق الاحتلال الثاني عام 1967 وعمليات التهويد وتمزيق أرض الضفة بالجدران والطرق الالتفافية. ثالثاً- مواجهة سياسة دمج فلسطينيي الشتات وتأكيد حق عودتهم وتعويضهم بموجب القرار 194. وعلى إسرائيل أن تعي تماماً بأن تعريفها كدولة يهودية يستحيل أن يتعايش مع تعريفها كدولة ديمقراطية , وهذا من شأنه أن يفضي لنهايتها , وأنها ملزمة أكثر من أي وقت مضى بالانفصال عن تعريفات نيرنبرغ والتي تعتبر كل من اختلطت بدمه قطرة دم يهودية واحدة من جد أو جدة وحتى الجيل الرابع يهودياً وإعادة الاعتبار لفلسطينيي الداخل بالابتعاد عن قانون العودة وممارساته التي تفرض التهود , وأن تكف عن تهربها من مسؤولية تشريد الفلسطينيين وعن الإرهاب والمجازر التي لحقت بالشعب الفلسطيني إذا ما أرادت أن يصبح الشعب اليهودي وإسرائيل جزءاً من الأسرة البشرية في العالم أجمع لا مخلوقاً مستقلاً مميزاً ومنفصلاً عن التاريخ , فلم يعد بالإمكان تجاهل العرب , ولم تعد المشاريع الاستيطانية إلا هروباً من الحل , وتعقيداً لحل الدولتين , فإسرائيل لازالت تضيع فرص السلام مع العرب , ولا تقر إلا لغة الحروب والقوة , وفي الوقت الذي يتغير فيه عالمنا العربي لا زالت إسرائيل تفتقد أي إستراتيجية أو لغة للحوار والسلام , في وقت تقيم فيه المحارق للشعب الفلسطيني تحت مبررات غير مقبولة في عالم متمدن , فالدولة التي تعيش بسيفها مآلها أن تبقى في حالة طوارئ دائمة , وتنسف في طريقها كل البدائل الممكنة للحل لتمسكها بعنصر القوة و بمقولة " دعوا الجيش ينتصر " ففي حين تعتبر إسرائيل أن محارق الآخرين ليست كمحرقتها وستظل أدنى من عذاباتها , يجب أن تدرك اليوم أنها ليست الدولة التى قامت في العام 1948 , لقد تاهت كثيراً ولن يفيدها خطابها الديني الذي أصبح جزءاً من ثقافتها ومبناها السياسي ويتغلغل فيها عميقاً لتشعر بفائض القوة، إن خطابها الديني هو غيتو جديد لليهود سينال من ديمقراطية إسرائيل المزعومة وعلاقاتها بالعالم المتمدن وهو بداية نهاية إسرائيل.

* مركز عبدالله الحورانى للدراسات والتوثيق

2013-05-14