السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
همسات 11/ بقلم زياد جيوسي

1
  نظرت إلى ساعتي، لم تصل الخامسة بعد، غادرت مبكّرًا لموعدنا فأنا لا أريد أن تنتظري، أحبّ أن أكون بانتظارك، كالعادة أقف تحت هذه الزّيزفونة، أنظر فأرى العجوز كالعادة ما إن تقترب السّاعة من الخامسة، حتّى أراه قد أطلّ برأسه من النّافذة، أراه ينظر لي محدّقًا من خلف زجاج نظّارته السّميك، ما إن أرسل نظرتي تجاهه حتّى يشيح بوجهه كأنّه ينظر إلى غير مكان، أشيح بعينيّ قليلاً فيعود لسابق عهده، لعلّه يظنّك ما زلت نبتة صغيرة، أو تراه أنّه يبخل على الغريب بأن يرعاها؟ ألم يعلم بعد أنّك سيّدة الزّنابق المتمرّدة، سألقي عليه التّحيّة المرّة القادمة وأغمز له بعيني.
2
  رأيت أن أعود إلى البيت وأمكث قليلاً، فوّاحًا كان عطرك ما زال يعبق في المكان، منشفتك ملقاة بإهمال لذيذ على حافّة المقعد محتفظة برطوبتها، تناولتها ووضعتها على وجهي، تنشّقتها بعمق، لا تتأخّري، أطلّي عليّ بقوامك الممشوق، ببنطالك الأزرق وقميصك الأصفر الذي يتيه بك حسنًا ودلالاً، يحقّ له فهو يحتضن الزّنبقة، هيّا لا تتأخّري.. سنتمشّى كثيرًا قبل العشاء، سأقتطف منك قبلة عندما تهلّين.
3
ما أجملك، ليكن العناق طويلاً، ما رأيك أن نحتضن بعضنا، نذوب بقبلة طويلة طويلة حتى يذوب كل منا بين شفاه الآخر حباً وهوى، قبلة أخرى، اعتدنا على سرقتها من بعضنا، لتكن هذه المرّة مختلفة، أغمضي عينيك إن شئتِ، الحمرة تعلو وجهك، تعالي إلى صدري، هنا.. لا أريد قهوة أو لفافة تبغ الآن.. أريدك أنت.
4
  يا الله ما أروعك، منذ بدأت قبلتنا لم تتوقّف إلاّ مؤقّتًا، شفاهنا لم تعرف الافتراق فهي عطشى،  ترى يا زنبقتي أكنّا نائمين؟ أم أنّنا خرجنا من دائرة الوعي إلى عالم تحليق الأرواح؟ أكثر من ساعتين قبلة واحدة متّصلة، هو الحبّ بأبجديّتنا نحن، ليذهب سيبويه إلى مرقده الآن، فلغتنا الجديدة لا أخطاء لغويّة فيها، لا أخطاء إملائيّة، لا أخطاء مطبعيّة، هي لغتنا نحن، حروفنا نحن، فلغتنا ليست ككلّ اللغات، حروفها مختلفة، وفي حبّك تتجسّد كلّ الأبجديّات حتّى لغة الإشارة، مرّة أخرى.. ليذهب سيبويه إلى مرقده، ليأخذ الألوسي معه وكلّ بلغاء العربيّة، ضمّيني من جديد لنلهج بلغتنا نحن، لغة الحبّ ولغة اكتشاف الذّات، أسطورة أنثى ورجل سنديان.

5
  نعيمًا حبيبتي،  قبلة الحمّام فقط يا أجمل النّساء...
مجدّدًا انقطعت الكهرباء؟ هكذا المدينة في ظلّ الاحتلال، لا تخافي سنكمل السّهرة على ضوء الشّموع، لكن الآن دعيني أحتضنك، أتنشّقك، قلت لك سابقًا للمرأة بعد الاستحمام عبق خاصّ، فكيف بعبق المليكة؟ أريدك الليلة كالمليكة على الشّاطئ المهجور وحوريّات البحر تحيط بك، مزيدًا من رذاذ القبلات، من مطر العناق، سأناجي روحك الليلة وأسودك الشّرسة، هل رأيت كيف أحيلها ساكنة؟
صوت إطلاق النّار يتعالى في المدينة، سأنزل إلى الشّارع رغم ذلك، أحلم بالحرّيّة وبك، ترى أين أنت الآن؟ أيّ بلاد تضمّك.. هل سألتقيك يومًا؟
  (15/6/2001رام الله)

2013-06-06