السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
نافذة حجرة انفرادية (4)/ بيانكا ماضيّة

موسيقا بلون الماء رحت تسمعها منذ الصباح الباكر.. كم كنت تكتب على خريرها قصصاً ومواويل... لتلك الموسيقا انسياب آخر في هذا الصباح.. صوت البيانو يعيدك إلى زمن ساحق في جماله.. زمن حصلت نهايته المفجعة لحظة إطلاق أول رصاصة لتردي هواء بلادك قتيلاً.. نارٌ وانتهى المشهد الجميل وبدأ الجنون على أصوله.. وتحولت كل أنواع الموسيقا إلى دماء وقلوب وخراب.. وتحوّلت طرقات السفر إلى محطات فارغة من مقاعد الانتظار..
تسمع صوت البيانو وتصيخ السمع إلى كل الأصوات التي نجمتْ عن بلادك.. ترقص وتبكي على ألحان عشقها.. أصوات علتْ وأخرى كُبتت وتحشرجت في حناجر البيوت.. تلعن أمريكا منذ نشأتها على جثث الهنود.. تلعن كل يهود العالم وتدعو إلهك أن يعيدهم إلى الشتات.. بعد أن شتّتوا مدنك وأهلَها وقطعوا الرؤوس.. رأس الضابط ورأس أبي العلاء المعري.. ورأس السيدة العذراء.. تضحك على غبائهم.. بقي رأس الحيّة لم يُقطع.. سيسحقه أهل بلادك بأقدامهم سحقاً لاقيامة له بعدها.. أين أنت ياقدس؟! هكذا كنت تنادي في أعماقك؟! وتتذكر أول رأس مُدّ له نصل خنجر.. وأول رأس علّق على حبْل.. وأول رجفة لطفل... وتمثال الحريّة.. وأوّل صيحة: "هاي هيي الحريّة اللي بدكون ياها".. وآخر غضبة: "الشعب يريد فكّ الحصار" وآخر لحيّة بصقتَ عليها.. وحجارة الدومينو هل نسيتها؟! ورقعة الشطرنج هل غابت عن وعيك؟!
الموسيقا تعزف بأوتار الخلاص سماءها والمشاهد تغلي في ذاكرتك.. ذاك الطريق الممتد على لون بلادك لم تزحزحه الرصاصات من مخيلتك.. وكنت تمشي في طريق الياسمين عائداً إلى بيتك.. تقترب من سيارة يفوح منها عطرُ أغنية جديدة.. تمعن في كلماتها "بدنا نهزّ العالم كله.. سورية لا ما بتنهز.. سورية رجالك بضلّوا سيف رجولة وموقف عز" وتسأل عن المواقف كلها.. تتذكّر رجال العالم الذين كتبهم التاريخ فسطّروه.. تتذكّر موقف بلادك.. نظراتِها المشبعة بتاريخ معتّق في لحظة شرودٍ نحو أفقٍ سماويّ المآل..
موجُ الأغنية يصخب وأنت تفكّر بالمعاني.. ترسم كلّ المشاهد.. ثم يتوارى ظلّك خلف شجرة زيتون تقف وقفة عزّ..

2013-07-15