الخميس 20/10/1444 هـ الموافق 11/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مملكة الرئيس" مجموعة قصصية لسعيد الشيخ

  مجموعة قصصية ثالثة بعنوان "مملكة الرئيس" عن دار التقدم في ستوكهولم صدرت حديثا للقاص والشاعر الفلسطيني سعيد الشيخ المقيم في السويد، تضم هذه المجموعة 25 قصة بين قصيرة وقصيرة جدا. تتناول المجموعة قصصا عن واقع مازلنا نعيشه ونكابده، واقع يريد استنبات الحرية ونشرها، ولكن ما زالت امواج الثورات تعبث بهذا الوطن العربي الذي لم يستقر بعد على شاطئ الأمان بانتظار ربيع الحرية الذي ارادت الشعوب العربية ممارسته بعد سنوات طويلة من ظلم الحاكم الذه استهواه الجلوس على الكرسي والتحكم بمصير الناس، فمملكة الرئيس توثق بإجادة لمرحلة مهمة من واقع الوطن العربي من خلال قصص تعبر عن مأسي اناس ذنبهم الوحيد بأنهم يطالبون بالحرية ويتوقون الى شم نسيم هذه الحرية التي سمعوا وقرأوا عنها فقط، ولكنهم لم يعيشوها من قبل في حياتهم وارادوا تذوق طعمها، لذلك تسعى هذه الشعوب الى خلع ممالك الرؤساء التي بنيت على جماجمهم واجسادهم من خلال القمع الفكري الذي مورس ويمارس عليهم والتحكم بجميع تفاصيل حياتهم.

فالكاتب يدخلنا في دهاليزمظلمة وفي تفاصيل لا يعرفها الكثيرين عن الحقيقة المرة التي خلفها الربيع العربي ومواقف الناس من الثورات العربية، تظهر لنا هذه المجموعة نفسيات هؤلاء الناس وطريقة تفكيرهم وكوامنهم، فهذه هي مهمة الادب والكاتب ان يبين لنا دواخل الناس وحقيقة الظواهر مما يجري ودواعيها الكامنة في عمق كل فرد، على العكس من الاخبار التي نسمعها ونراها حسب ما يريد لنا القائمين على هذه الوسائل، وحسب المسؤولين السياسيين الذي يلقون بالمسؤولية دائما على الطرف الاخر، تتجنب هذه القصص الخطاب السياسي، ففي قصص سعيد الشيخ ليس هناك اي مجال للمجاملة لأي نظام أو أي معارضة، فالكل يشارك في القتل والغاء الاخر، ويبدو ان الجميع قد نسي ان هذه الثورات كان هدفها الحرية وليس القتل والخراب والتحكم بمصير بالاخرين. بدون شك ان لكل حرية ثمن وهذا الثمن يدفعه الناس البسطاء الذين خرجوا من اجل ان يعبروا عن ارائهم وعن سخطهم على ممالك الرؤساء وانظمتهم التي ترى في التغيير تهديدا لمكتسباتهم التي بنوها من خلال الفساد والرشوة والمحسوبية. مملكة الرئيس تتناول قصص مختلفة تبين لنا كيف ان هذا الربيع العربي تسبب بمأساة تعيشها الشعوب العربية، بسبب تعنت الانظمة وعدم سماع صوت شعوبهم المنادية بالحرية، لذلك اصبحت ثورات الربيع العربي تقتل ابنائها، ففي قصة "جنود في الميدان" يصف الكاتب كيف ان المظاهرات السلمية ضد الطاغية الذي يجلس في قصره المنيف وبعدما وصلته التقارير عن حشود الشعب في ميادين وشوارع البلاد يصرخ غاضبا ومزبدا بوجه أعوانه: كيف يحدث هذا وأنا على قيد الحياة، كيف لا يرهبوني؟ وبعد ذلك يأمر باطلاق النار على المتظاهرين، ونقرأ ايضا جزء من هذه القصة: إنفلت الرصاص من كل حدب وصوب يخترق الاجساد الساخنة. ليس للرصاص عيون، أو شئ من حواس. فقط رصاص يمضي بمشيئة الرئيس، والجنود المدججون في الميدان ما هم الا في مهمة رسمية تكلّفوا بها للدفاع عن الوطن .. جاءتهم الاوامر بأن البلاد تتعرض لمؤامرة اجنبية أدواتها الحشود في الشوارع والميادين. يطلق جندي رصاصه فيردي شقيقه قتيلا، شقيقه الذي ولد من رحم امه وأبيه. ولا ندري ان كان هو يدري.

يقترب جندي آخر من امرأة منقّبة، يمزق عنها قماشها ويطرحها أرضا مكشوفة عن جسدها. المرأة كانت شقيقته التي ولدت من رحم امه وابيه. ولا ندري ان كان هو يدري. تلال صارت جثث الاهالي جثث شاخصة للسماء، لم يتيبّس على شفاهها سؤال الحرية. أحياء وموتى يريدون إمتلاك حريتهم. من خلال قصص هذه المجموعة التي تجعلنا نقرأها دون ملل قصة بعد قصة، تشدنا هذه القصص وتدخلنا في عالم تسوده الخلافات والاختلافات في الرأي وتظهر لنا علاقات غاية في التعقيد، تدخلنا هذه القصص الى عوالم غريبة تحاول استشفاف ومعرفة ما يجري في هذا الوطن العربي دون تحديد مكان حصول هذه القصص، فمن الممكن ان تحصل في اي بلد من بلداننا لان الهم والظلم واحد والمطالب متشابهة وهي المطالبة بالحرية. الربيع العربي لم يقسم المجتمعات حسب اعتقاداتهم السياسية والدينية وبين معارض ومؤيد للانظمة فقط، وانما عملت هذه الثورات التي كان من المفترض أن تأتي بالحرية والديمقراطية على شرذمة نسيج العائلة الواحدة، ففي قصة تحت عنوان "العائلة" يتناول الكاتب قصة عائلة، الأب يعمل كرجل مخابرات لصالح النظام الذي يخافه الناس، لا تروقه الثورة ويقف ضد التغيير ويريد منع ابنائه من المشاركة بالمظاهرات ضد النظام الذي يعمل من اجله، ويصف ابنائه بالخونة، فيما الام تحاول اخفاء تعاطفها مع رأي ابنائها خوفاً منه، هم يتبنون وجهة نظر بأن الوطن ليس هو النظام .. والنظام ليس هو الوطن. الوطن هو الناس والكرامة، فيما النظام هو الفساد وطغيان الحزب الحاكم، في نهاية القصة وبعد تناقل وسائل الاعلام انتصارات يحققها الثوار بوجه جيش النظام، أخرج مسدسه الذي لا يفارق وسطه وأطلق طلقة الى التلفاز، وبلا تردد طلقة ثانية الى رأس المرأة. لكن الجبان لم يطلق ثالثة الى رأسه كما يحدث في قصص الانتحار التقليدية. يتميز السرد في قصص سعيد الشيخ بالقدرة على الولوج للحدث مباشرة، جاءت هذه القصص مكثفة في افكارها راصدة لكل التفاصيل وتتسم بدقة الملاحظة، يسرد لنا الكاتب هذه القصص بلغة جميلة معبرة تنم عن مقدرة بارعة للكاتب بتحريك المشاعر، في بعض الاحيان بتعبيرات شعرية جذابة متناسقة مع نصوص قصص هذه المجموعة، وإيصال ما تعالجه هذه القصص من افكار للقارئ دون صعوبة. ابراهيم الشيخ كاتب فلسطيني

2013-07-16