الأربعاء 12/10/1444 هـ الموافق 03/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
نافذة في حجرة انفرادية (5)/ بيانكا ماضيّة

تسحب نَفَساً من لفافة تبغك الممتلئة بالشجون.. تفكّر في تلك الأرواح الشفّافة التي انتقلت خلال برهة إلى هناك بعد تعذيبٍ مريرٍ وإمعانٍ في تشويه جمال الخلائق.. وكان الزمن لزجاً رطباً.. أسماء المدن سُبحة تستعيد ألقها في ذاكرتك.. وتلفظ ذاكرتك كل مايشوّه أريجها.. وأسماء الأرياف والمناطق لاتفارقك (خان العسل.. نبل..الزهراء.. بيت شكّوحي.. نباتة.. أبو مكة..بلوطة.. تل أبيض) وسواد يزفره على ذاك البياض كافرو الجنوب..
بين غيمة وأخرى من غيمات تسير متلهفة لنهاية مطر في هذا المشهد المرميّ أمامك قصّةٌ وحكايات.. أطفال زهقت أرواحهم.. امرأةٌ بُقر رحمُها وكان الجنين صرخةً متكسّرة في أنين الليل.. رجال ذبحوا من المهد إلى اللّحد.. وطفل خائف طلب ماء فأعطي طعنة..
تمعن التفكير في أثلام الأجساد.. يقشعر جسدك.. تتقمّص ذاك الألم المتفجّر في العيون.. فتشعر بأوجاع جسدك.. منهكٌ أنت حتى الذوبان.. تمرّ في مخيلتك نظرةُ ذاك الشيخ المأسور الذي أدمت عباءته نقاط العتب.. لم تعد تنسى تلك النظرة.. وشمها الزمن تكوّرَ خوفٍ ودهشة..
نظرات شيوخ كثيرين مازالت تتراءى أمامك.. أيُّ تاريخ يكتب هذه النظرات؟! هكذا كنت تسائل نفسك.. وليس سوى سؤال واحد يعيد نفسه في داخلك صارخاً بكل جنونه: من أي بقعة أتيتم يا أولاد ابن تيمية؟!
وتتذكر كل صرخة سمعتها ورأيتها على كل الشاشات: "هاي هيي الحرية اللي بدكون ياها؟!" ألا سُحقت كل حرية جلبها عهر الغرب اللعين على أجسادنا... ألا تبّاً لخيانة عربية أشد لعنة وعهراً.. باقون هنا حتى آخر بقعة من دمائنا.. فلتُزهق أرواحكم بنعال الشرفاء أنتم ياعبدة الشياطين!! هذا هو حال لسان أمّتك فلا تيأس يا رجل.. ولا تقنط من رحمةٍ مازلت ترنو إليها!!

2013-08-11