الجمعة 14/10/1444 هـ الموافق 05/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الازدواجية الخطاب إزاء ما يجري بمصر /حميد طولست

موقف الإسلامين كمثال.
مند شهور والمحطات الإداعية والقنوات التلفزية على اختلافها الوطنية والدولية ، والجرائد اليومية والمجلات الأسبوعية والشهرية ، والمواقع الالكترونية بكل انواعها الإخبارية والسياسية والثقافية وحتى الترفيهية ، تحاصرنا بما وقع ويقع على أرض مصر ، من أحداث بما لها من تأثير خطير على الكثير من البقاع بالعالم العربي والإسلامي ، والذي لم يسلم الشارع المغربي من وقعها البالغ  الذي قسمه ، في مشهد عبثي ، إلى طرفين: طرف لا يعترف بمرسي رئيسًا, ويعتبره من الغابرين ، ويؤيد ما جرى في مصر ويعتبره حركة تصحيحية ، وليس إنقلابا عسكريا ، بل استرجاع لمصر من مغتصبيها ، سيضعها على طريق الديمقراطية الحقة وسيعيد إليه كل أمجاده السابقة بعد مرحلة انتقالية وجيزة ، ستعرف انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة ؛ وقسم آخر يرفض أن يكون عدلي منصور رئيسا شرعيا ، ويعتبر ما قامت به القوات المسلحة المصرية انقلابا عسكريا ضد التجربة الديمقراطية والحكم المدني، يدينه ويستنكره .
قضية الانقلاب هذه من عدمها ، صارت مادة صحفية وإعلامية مبتذلة ومستسهلة ومسلية ، خاصة من لدن الكثير من المواقع الاجتماعية ، التي أبانت على قدرة كبيرة في الكتابة والتحليل ، وأخذ المواقف ، وإعطاء الدروس ، وتوجيه الآراء ، في اختزال وتبسيط غير دقيقين، لخبايا الأحداث التي تعرف الكثير من التقابطات الضخمة والخطيرة ، التي لا تساعد على فهم مبررات هذا الدفاع المستميت لهذه المواقع اللإلكترونية المغربية على الإخوانية ومشروع حكمهم ، رغم وقوف أكثريتها على الأخطاء القاتلة التي وقع فيها رئيسهم مرسى وجماعته  -التي لا تقيم لوطنها وزنا - والتي أوقعتهم فى العزل وأفشلت مشروعهم ، فلماذا كل هذا الاستمرار والاستماتة في مناصرة أخونة الدنيا ، رغم التقاط كتاب تلك المواقع للخيوط السرية للفضائح الإخوانية ، التي شاء القدر وحده أن يسدل الستار على آخر فصل من فصول مغالطاتها ..
مع كل هذا وذاك فإنه لا بد من إبداء الدهشة والاستغراب إزاء سلوكيات بعض الإعلاميين والسياسين المغاربة-الإسلاميون منهم على الخصوص- الذين جن جنونهم ، ولم يعد بإمكانهم السيطرة على أعصابهم وضبط عواطفهم ، فتخبطوا وانزلقوا وعلا ضجيج السب والشتم والتجريح من خلال مقالاتهم على صفحات العديد من الجرائد ، والكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، التي وصل التهور والاندفاع ببعضها إلى تهديد من يعارض رأيها في الإخوان، أو يبدي موقفا مخالفا لتصورها فيهم، أو ينتقد تجربتهم في الحكم ، أو يظهر تخوفا على مصر من سلوكياتهم ، وبلغ بهم الإستهتار إلى توعدهم بالويل ، والتجريح والاحتقار ، والاتهام بالعمالة والخيانة والعداء للإسلام ، وكأنها (هذا النوع من المواقع) أكثر إخوانية من أكبر رموز الإخوان أنفسهم .. لا شك في أن مشكلة هؤلاء الكتبة المنحازين ، أنهم ، ومع الأسف الشديد ، اختزلوا الإسلام في شخص مرسي وتنظيمه الإخواني ، والذي اعتبروا سقوطه في أرض الكنانة ، سقوطا للإسلام  في كل بقاع الدنيا ، ولاشك كذلك أنه على يبدو ان ارتفاع درجة حرارة المشهد السياسي المصري الذي أبى إلا أن يرمي ببعض شرارته المشاهد السياسية في الكثير من أنظمة الحكم الإسلامي ، ومن بينهم المغربى ، سواء على مستوى الحكومة التي يقودها حزب العدالة والتنمية والتي تخشى أن يقع لها ما وقع لنظيرتها الاسلامية في مصر ، او على مستوى الرأي العام (المتأسلمون منه) الذين ارعبهم ان يصل قيض صيف مصر إلى اسلاميي المغرب ، فيقضي على أحزاب الإسلام السياسي التي أرادوا بها حكم العالم العربي والإسلامي ،  بتجربة إخوانية منتهية الصلاحية ، تسعى إلى «أخونة» المجتمع العالم بعد المجتمع المصري، بأساليب في منتهى البدائية والتخلف ، وذلك لتحقيق حلم الانفراد بالحكم حتى لو وصل الأمر إلى تقسيم البلاد، كما حدث في السودان ، التي أصبح همّ إسلامييها ورئيسهم ، كهم إسلاميي مصر، لا يخرج عن التمكين لتيار الإخوان ومذهبهم ورجالهم ولو تخلوا عن دورهم في تدبير شؤون البلاد التي تعيش أزمات خانقة.. هذا الحدث/الصدمة –سواء كان إنقلابا أو كان ثورة شعب- إذا لم يكن قادرا على إفاقة الأمة العربية والإسلامية من سباتها العميق ، للحيلولة  دزن المد الأخوني الخطير على مصائرها ، فإنه لابد عليها بالوعي بخطورة الأحزاب السياسة الدينية في مشهدها السياسي ، ليس لخطورته على مستقبل المجتمعات العربية والإسلامية فقط ، ولكن على الإسلام نفسه.
على ما يبدو أن عدوى سقوط تجربة حكم الإخوان، سقوطا شعبياً في أول تجربة لهم في حكم مصر ، أهم دولة عربية ، ليمثل ضربة قاسية للتنظيم العالمي للإخوان ، ولكل من سار في ركبه ، وليعتبر كذلك ، إنذارا لبقية الأنظمة المتبنية للحكم الإسلاموي المرتبط بالإخوان المسلمين ايديواوجيا ، وليعد ذاك السقوط ، بمتابة اشعار بأن نيران إنقلاب المؤيدين للأحزاب الاسلامية المتخفية تحت رداء السياسة ، والتي تعد الطبقة الشعبية من أهم مكوناتهم ، قد باتت قاب قوسين أو أدنى من عتبات مراكز انظمة الحكم الإسلاموي في مشرق البلاد العربية ومغربها .. وعلى رأسمها ، تجربة الحزب الإسلامي الذي يرأسه السيد عبد الإله بنكيران بالمغرب، وحزب النهضة الذي يرأسه السيد والشيخ راشد الغنوشي بتونس ، اللذان دفع بهما الضغط والارتباك والخوف - والإحساس بأن الجرة لن تسلم هذه المرة ، كما كل مرة ، وان الدور القادم سيكون دورهما ، وأن مدلول المثل العربي القائل: " لقد أُكِلتُ يوم أُكِل الثور الأبيض" ينطبق عليهما قبل غيرهما ، وانهما سيلقيان نفس المصير الذي لقيه مرسي الذي تربطهما به وبتنظيم الإخوان المسلمين العالمي روابط متينة -تكشفت عمق الارتباك الذي يدفعهما إلى ازدواجية التصريحات واضطرابها وتضاربها حول ما جرى بأرض الكنانة من تغيرات مصيرية ، فترى موقف قياديي حزب العدالة والتنمية مما يجري بمصر، يطبعه اللبس ويتسم بالتخوف من ان يصلهم فيض الأحداث التي قد تؤدي تيارات الاسلام السياسي ثمنها غاليا، في ظل ضعف الإنجازات وغيابها ، عدم الوفاء بالوعود الانتخابوية ، وبروز توجهات معادية تدعو إلى النزول إلى الشارع للإطاحة بالحكومة نصف الملتحية ، وأبلغ مثال على ذلك ، بلاغ خارجية العثماني على سبيل المثال لا الحصر ، والذي سار في اتجاه التأييد الضمني لحركة الجيش المصري والمساندة لثوار مصر، والذي وصفه الرحموني أحد قياديي الحزب في أحد تصريحاته الصحفية بالمكيافيلية ، وبلاغ عبد الله بها الذي أعتبر ما يجري بمصر انقلاب على الشرعية ثم احصى أخطاء الإخوان في مصر ؛ وترى مرة أخرى أن الكثير من مسؤولي العدالة والتنمية ، ومن بينهم العمراني وبنخلدون والرحموني وافتاتي وشبيبة الحزب -التي خرجت يوم الجمعة للتضامن مع إخوانهم في مصر،- يدينون ويستنكرون ما قامت به القوات المسلحة المصرية ، ويعتبرونه انقلابا عسكريا  لاديمقراطيا ..
على العموم يبقى موقف حزب العدالة والتنمية ملتبسا، وقمة في الإزدواجية والتناقض ، يكشف ارتدادات زلزال مركز الإخوان بالقاهرة على أطرافه وفروعه في باقي الدول العربية ، وخاصة مع ما أصبحت تعرفه من تحولات خطيرة ، كاستنساخ حركة "تمرد" المصرية في كل من غزة وتونس والمغرب وغيرها كثير.. ومازال العاظي يعطي..
 [email protected]

2013-08-18