الأربعاء 8/10/1445 هـ الموافق 17/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ثَمَرُ فلسطين ... وفوضى البلد ... هي فوضى/بقلم جهاد حرب

 (1) فلسطين بلا ثَمَرٌ

فجرت جريمة قتل "ثَمَرُ زيدان" الى الواجهة قضايا قتل النساء الفلسطينيات على خلفية ما يسمى "الشرف" من جديد، لتطرح علامات استفهام كبيرة على دور السلطة الفلسطينية في حماية النساء، وبشكل خاص على دور الشرطة في توفيرها.

تفيد الاحصائيات المتعلقة بهذا الجانب، أنه خلال التسعة أشهر الأولى من هذا العام، قتل خمسة وعشرين امرأة بداعي "الشرف" وهو أكثر من ضعف عدد اللاتي قتلن في العام الماضي "اثنتي عشرة امرأة" ما يؤشر الى تفاقم ظاهرة القتل والعنف والفوضى.

بشاعة جريمة قتل ثَمَر زيدان تضاهي بشاعة جريمة قتل آية برادعية قبل سنوات قليلة، في الثانية رُميت في بئر ناء لتموت جوعا وعطشا وبردا وخوفا، فيما ثَمَر قتلت بضغط توقيعات عائلة زيدان؛ فهم قتلوها ألف مرة قبل موتها وقتلها. وفي هذه الحالة لا يتحمل والدها وزر القتل وحده، بل أيضا الذين وقعوا على العريضة بتهمة التحريض على القتل، وكذلك أفراد الاجهزة الأمنية وبالاخص الشرطة في بلدة دير الغصون بتهمة التقصير في منع جريمة لعدم اتخاذ الاجراءات اللازمة لحماية الضحية وهنا الضحايا.

جريمة قتل ثمر زيدان فتحت من جديد دور جهاز الشرطة الفلسطينية وعلى وجه الخصوص شرطة الاسرة في حماية النساء، وفي التعامل بشكل جدي مع البلاغات من النساء والبنات المتعلقة بالتحرش والحماية، واتخاذ اجراءات مستعجلة فيها لان الضحية في أولها وآخرها هي النساء.

قتل النساء على خلفية ما يدعى بأنه "الشرف" أكثر بشاعة وظلما وألما من جريمة وأد البنات في الجاهلية، وهي تعبير عن اهمال السلطة الحاكمة، وغياب القانون، وازدياد الفوضى، وضعف في دور شرطة الاسرة. هذا الامر يتطلب أولا تغيير الخطاب الاعلامي عند تناول هذه المسألة وتطوير مناهج التعليم لتصبح أكثر توافقا مع المفهوم الانساني وقواعد القانون الدولي لحماية المرأة ومنع التمييز ضدها، وتوفير قواعد قانونية بتغليظ عقوبة قتل النساء ووقف العمل بالعذر المحل "المخفف" خاصة في قضايا قتل النساء على خلفية ما يدعى بأنه "الشرف". وهذه المرة ما يخرج علينا واحد ويقول: ان الرئيس "مش فاضي" لإصدار قوانين لتغيير ثقافة وأد النساء بعد أكثر من الف وأربعمائة سنة على تحريم وأد البنات.  

(2) فوضى البلد ... هي فوضى

ما جرى في جامعة بيرزيت من اغلاق بوابات الجامعة بالسلاسل، والتلاسن ما بين الاساتذة وطلابهم على مدخلها الشرقي "طَيّحَ من قَدْرِها" حسب المثل التونسي وقدر اساتذتها وطلابها. وسجلت غيابا واضحا لتدخل الرئاسة والحكومة والأحزاب السياسية والكتل البرلمانية لحل الازمة وحماية الجامعة "ادارةً وطلابا" وصيرورتها.

اضرابات الموظفين كفئات مختلفة وأجزاء من فئات مثل المهندسين والموظفين الاداريين في وزارة التربية، وقبل ذلك اتحاد المعلمين ونقابات الصحة والموظفين العامين تعطلت فيها الحياة والمسيرة التعليمية تنم في أحد أوجهها غياب المسؤولية لدى النقابات.

تناقض وزارة التربية والتعليم في مسألة حذف مواد من منهاج التوجيهي، ومن ثم تراجع رئاسة الحكومة بعد مدة عن القرار، خلق حالة قلق لطلاب الثانوية العامة فوق قلقهم وخوفهم السنوي، وخلق اضطراب في مسيرتهم التعليمية ما يؤشر الى عدم التنسيق والارتجال في اتخاذ قرارات "مصيرية" للغير.

بشاعة القتل كقتل أخٍ لأخية في عصيرة الشمالية ورميه عن صخرة الانتحار في وادي الباذان، حسب تصريحات الشرطة، على خلفية خلاف مالي، وكذلك قتل آخر لزوجة أخيه وطفليها في منطقة سلفيت، مؤشر على التحلل الاجتماعي.

انحدار اللغة ما بين الشرطة والمتظاهرين في مسيرة رفض المفاوضات، ومنع المظاهرات من الوصول الى مقر المقاطعة في وقت تغيب القدرة على تبرير التفاوض، أو اتخاذ مواقف مانعة لسياسات الاحتلال، أو اجتراح وسائل مقاومة في مواجهة ممارسات الاحتلال يؤشر الى افلاس سياسي ليس فقط للمفاوض بل ايضا للمعارضين، والى تيه سياسي لغياب اجابة على الأسئلة الفلسطينية الجوهرية.

استقالة رئيس الحكومة وإعادة تشكيل نفس نفسها "15 مكرر" بعد خمسة اسابيع دون تشاور مع كتل برلمانية أو أحزاب سياسية، ودون تغيير، والأدهى دون اعلان عن سبب الاستقالة أو توضيح من قبل رئيس الحكومة، وغياب برنامج لها، تعبر عن حالة تراجع خطير في النظام السياسي وَتَخَفْي خَلْفَ عباءة الرئيس للحماية.

هذه الامور وغيرها تعكس حالة فوضى وتيه، وانعدام الثقة بالنفس وبالآخرين، وتحلل مجتمعي يدل على انهيار قِيَمْي في المجتمع الفلسطيني وباعث لليأس والانحدار. وان كان الأمر ليس كذلك دائما فالوجوه المشرقة كثيرة والترابط في جوانب متعددة. لكنها تحتاج الى "لملمة" من ناحية وإعادة الاعتبار للقيم وتطبيق للقوانين حتى لا تصبح فوضى البلد هي فوضى "سياسة".

2013-09-27