الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الفنان والانتخابات/ عفيف شليوط

في خضم المعركة الانتخابية الحالية للمجالس البلدية والمحلية في البلاد ، يتم اقحام شخصيات اجتماعية وأدباء وفنانين في الحملات الانتخابية ، فيتم تجنيد أدباء وفنانين للإعلان بشكل علني وعبر وسائل الاعلام عن دعمهم لحزب ما أو حركة سياسية معينة أو قائمة انتخابية مستقلة . الى هنا يبقى الأمر طبيعياً الى حد ما ، مع تحفظي الشخصي من قضية اقحام فنانين بالمعركة الانتخابية ، من منطلق أن الفنان بنظري هو فوق الفئوية والحزبية ، هو من المفروض أن يعبر عن ضمير الناس ، وأن يُسمع صوتهم وصرختهم ، لا أن يُقحم نفسه بصراعات ونزاعات يمكن له أن يتجنبها ، حتى لا يخسر من مكانته وشعبيته وجماهيريته . فللفن كلمة ، وللفنان كلمة ، الفنان هو ضمير  الشعب وقلبه النابض ، هو المرآة التي تعكس صورتنا كما هي ، دون اجراء عمليات تجميل ، دون تشويه الحقيقة ، لهذا أحب الناس الفنانين ، واحتضنوهم ، لصدقهم وعفويتهم وطيبتهم .
الفنان مخلوق جميل في مجتمعنا ، كالبلبل الذي يغرد على غصن شجرة أو على نافذة بيت ، فيطربنا بصوته العذب ، ويشعرنا بجمال الحياة التي وهبنا إياها الله عزّ وجل ، ومن جهة أخرى ينسينا متاعب الدنيا وهمومها.  ففي ظل هذه الظروف بالذات  نقف لنغرد ، وسنبقى نغرد ، ما دام هنالك أناس يعشقون الحياة ، ويتعطشون للكلمة ، وينتظرون بشغف العروض الفنية ، لا أن يُقحم نفسه بأمور تجعله يقدم تنازلات  وأن لا يقول ما يؤمن به ، بل يردد شعارات لقّنها إيّاها غيره ، ليخدم مصالح أشخاص منتفعين ، يتوقون لتحقيق أحلامهم بأيّ ثمن ، بحجة "الغاية تبرر الوسيلة".
لقد توجه لي أشخاص أحترمهم وأقدرهم في عدة مواسم انتخابية ، طالبين مني إما أن أقوم بالاعلان بشكل علني وعبر وسائل الاعلام عن دعمي العلني لقائمة معيّنة ، وحتى كان هنالك اقتراحات لأن أرشح نفسي بقائمة انتخابية معيّنة ، وكنت دائماً أرفض هذه الاقتراحات بلباقة ، معللاً ذلك أن للفنان دوره الخاص الذي يختلف كليّاً عن دور السياسي ، وهذا لا يعني مطلقاً أني أقلل من قيمة ومكانة السياسيين ، ولكني أقول أن لكل منهما مجاله ، وبإمكان كل واحد أن يخدم مجتمعه من خلال موقعه . كما أن للعمل السياسي وأقصد الحزبي والعمل البلدي خصوصيته ، والذي يتطلب شئنا أم أبينا المراوغة والتحايل وحتى الكذب أحياناً تحت حجة التكتيك ، وهذه ليست من صفات الفنان ، فالفنان  يجب أن يكون صادقاً وإلا فقد مصداقيته.
وبالطبع هنالك فارق كبير بين العمل السياسي والعمل الحزبي ، فالفنان الصادق عليه أن يشعر بآلام الناس وأن يتجند لصالح قضاياهم ، وأن ينزل الى الشارع ليعبر عن صرخة الناس. الفنان جزء لا يتجزأ من الناس ، لا يمكنه أن يجلس في برجه العاجي ، بعيداً عن الجماهير . فهنالك قضايا يجمع عليها كل الناس ومن واجب الفنان أن يقف الى جانبهم وبشكل علني لا يقبل التأويل ، موقف واضح وصارم لا تردد فيه . وحتى القضايا التي لا اجماع عليها وهو يؤمن بها ، فلم لا يقف علانية ليطرق صرخته المؤثرة على الناس لعلهم يقتنعون . أما الخلافات الحزبية والصراعات الفئوية فهي متقلبة ومتغيرة ، وتلبي احتياجات محدودة لفئات محدودة ، فهل يمكن للفنان أن يكون كالحرباة يغير لون جلده حسب الحاجة ؟!    
وإلى هنا تبقى الأمور ضمن المعقول وقابلة للنقاش ، ولكن ما آلمني مؤخراً في بعض المدن والقرى أن فنانين وحملة أقلام  أعزهم وأقدرهم أنزلقوا في هذه المعركة الانتخابية الى حد الانضمام علناً ودون خجل لقوائم طائفية وعائلية ، فيقفون على المنابر ويفتتحون معركة انتخابية لقائمة أو مرشح للرئاسة يحمل طرحاً طائفياً بغيضاً ، أنهم بهذه الخطوة يعيدوننا الى الوراء ، الى التشرذم الطائفي والعائلي ، وهذا لا يليق بنا ، بمجتمعنا و مدننا وقرانا ، فكم بالحري بفنانينا الذين يجب أن يشحنوننا بالأمل بمستقبل أفضل ، مستقبل مشرق ، لا المستقبل المظلم ، مستقبل الأصولية والطائفية . كان من المفروض أن يتخطى الفنان الطائفية والفئوية ،  وأن يكون في رأس الركب الحضاري لا أن ينقاد وراء الظلاميين .  مؤلم أن أشاهد زملاء الأمس يغوصون في وحل الطائفية ، بلا خجل ، بل ويبررون أفعالهم بحجج واهية . عودوا لنا أيّها الأصدقاء والزملاء ، عودوا الى حقيقتكم ، عودوا الى النقاء وانزعوا عنكم هذا الرداء البغيض ، رداء الطائفية .

2013-10-05