الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
زيارة البارزاني والسلام التركي الكردي/فرمز حسين

  جاءت دعوة أردوغان الموجهة الى البارزاني لزيارة تركية وتحديدا الى ديار بكر (آمد) عاصمة كردستان الشمالية في ظل ظروف اقليمية متداخلة ومعقدة ربما تبرر غرابة الدعوة نفسها من قبل أرفع مسئول تركي حتى الآن لشخصية كردية رسمية بشكل علني تلك الزيارة التي قسمت الشارع الكردي بشكل مباشر بين مؤيد ومعارض على الرغم من العلاقات الوطيدة في المدة الأخيرة بين الطرفين, لكن لتقييم ذلك لابد من التطرق الى العوامل الرئيسة التي مهدت لتلك الزيارة في هذا التوقيت تحديدا. ليس بخاف على أحد بأن تدهور الأوضاع بشكل مأساوي في سورية نتيجة غياب المصالح الأمنية و السياسية للدول العظمى في التدخل الجدي لحسم الصراع بل على العكس كل البوادر تشير الى أن الدول النافذة وفي مقدمتهم الولايات المتحدة ترى أن في استمرار الصراع مصلحة أمنية ,سياسية ,تكتيكية وإستراتيجية حيث أن الجماعات الارهابية المعادية للغرب متلهية بمعارك محلية وتأسيس إمارات همجية هناك من ناحية وأن مصادر النفط والطاقة في دول الخليج العربي لا تزال في أمان من ناحية أخرى كما أن صفقة الكيماوي السوري ومؤخرا اتفاق الدول الستة الكبرى مع ايران حول برنامجها النووي تعدّ من أهم الأمور في سلم أولويات تلك الدول على حساب الصمت عن انتهاكات النظام المريعة بحق السوريين و بالتالي منحه فرصة تحقيق نجاحات له ولحلفائه في طهران على المعارضة السورية المشتتة والتي في أغلبها واقعة تحت تأثير الدولة التركية. تقهقر المعارضة هي خسارة لتركية التي كانت تحلم بلعب دور القوة الاقليمية الكبرى بينما الآن بدت تخشى حتى على حدود دولتها الحالية نتيجة لعب نظام الأسد الحذق بالورقة الكردية ووضعها في خدمته من خلال التعاون مع قيادات حزب العمال الكردستاني على مبدأ العدو المشترك لتجنيد فرعه السوري المعروف باسم حزب الاتحاد الديمقراطي ووضعه تحت تصرف نظامه التام مقابل وعود بإدارة ذاتية وهمية للمناطق الكردية السورية. أن يقوم رئيس اقليم كردستان بزيارة الى تركية من باب تبادل الآراء وتعزيز العلاقات التجارية بين الجانبين بوصف تركية دولة جارة وكبيرة للإقليم فهذا أمر طبيعي يخدم بالتأكيد الطرفين, خاصة مع وجود اتفاقات اقتصادية بين الاقليم الغني بالنفط و بين تركية ,لكن أن تعتبر هدف الزيارة انعاش سلام تركي كردي وتوطيدها فان هذا الأمر بعيد كل البعد عن الواقع, ليس لأن رئيس الاقليم لا يبتغي ذلك بل لا غبار على نواياه الصادقة بشأن حقن الدماء الكردية و التركية, لكن الجهة التي بكل تأكيد تحترف المكر والدهاء هي التركية المتمثلة بحزب العدالة والتنمية وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان فهذا الملاك يستقبل رموزا كردية بملابسهم التقليدية و يحتفل معهم في عاصمة الكرد من جهة فيما يدعم جماعات ارهابية بالسلاح والعتاد لقتل الكرد ويبني جدارا عنصريا فاصلا بينهم من جهة أخرى. نوايا أردوغان لا تختلف كثيرا عما يعتمره الأسد في داخله من ضغينة تجاه الشعب الكردي . الهدف هو استدراج القوى الكردية لتكون أطرافا متناحرة بالوكالة في المحورين السني الشيعي ,الأمر الذي سوف يؤسس لخلافات كردية مزمنة , يضعف صفهم, يبعثر قواهم و يشتتها في الوقت الذي هم في أشدّ الحاجة الى توحيد خطابهم. اذا نجحت أنقرة في ذلك تكون قد ألهت الكرد عن قضيتهم الأساسية وشلّت قدرتهم على الاستفادة من الظروف الاقليمية والدولية الاستثنائية التي تفتح أبوابا من الامكانات للكرد لإثبات وجودهم على أرضهم كشعب ونيل حقوقهم أسوة بكل شعوب العالم . الأمر بالنسبة لتركية هو استغلال رمزا كرديا مثل السيد البار زاني الذي يتمتع بتعاطف شعبي لتقزيم دور القوى الكردية المتواجدة على أرضها في كردستان تركية وإلا فلماذا لا يعمل أردوغان على ارساء عملية السلام مع من هم معنيين بالأمر ألا وهم جميع القوى السياسية الكردية المتواجدة في كردستان تركية وعلى رأسهم حزب العمال الكردستاني الذي يخوض نضالا أسطوريا منذ أكثر من ثلاثين عاما.

فرمز حسين مترجم وكاتب سوري مقيم في ستوكهولم 

2013-11-28