الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
قصيدة النثر و تكنولوجيا المعلومات / بقلم حمزة شباب

كل يوم تتغير أنماط الحياة و تتبدل ، و ما هو غريب بالأمس أصبح مألوفا اليوم ، و إن مصطلح الحداثة الذي ألقى بظلاله منذ عدة سنوات قد حير أصحاب التسميات ، ذلك أن عصرنا الحالي بات أشد حداثة من الحداثة نفسها ، فهل نسمي هذا العصر بعصر الحداثة أم ما بعدها و ما بعد بعدها ؟ و مما لا شك فيه أن هذا العصر الحداثي سيطلق عنانه للأدب كي يتطور و يتحدث ، فمن يطلق الألفاظ المجمدة على اللغة العربية بوصفها جامدة هامدة ، يستحيل أن يطلق ذلك على أدبه الحداثي في قصائد النثر التي طافت بأروقة العالم ، و تحدث عنها الأديب و الناقد رغم رفضهم أو قبولهم لها . قصيدة النثر هي نتاج هذا العالم الحر الذي يشهد تبدلاً ليس في اللغة و الأدب فحسب بل في السلطة و موازين القوى ، فكان حقاً على هذا الأدب أن يتمرد و ينطلق من فوهة بركان ، فتلك القطعة البلورية المضغوطة التي تعكس الفضاء الحر و المواهب المتعددة الوسائط التي تنطلق كالثورة المعلوماتية الناضجة و التفكير الإبريقي في مواجهة صناع التماثيل و التفكير الإغريقي الرافض للتطور و التمدن باستمرار ، و الذين يغيب عنهم ما لهذا اللون من موسيقاه الداخلية و وحدته الشعورية النابضة بالحياة ، فالموسيقا قادرة على أن تهز كياننا بكل أنواع الحدة ، و ألا نقف عند عالم مسور بالعزة لكل شيء طال عليه الأمد . إن مشكلة القديم و الحديث لن تقف عند حد معين ، لأن معارضتنا لكل شيء محدث هو خوف ينتزعه شيطان الخوف من أفئدة الذين يتناهون عن الجدة و الإبداع الكوني ، فهذا أبو تمام قد تفوق على بحتري عمود الشعر في كثير من المواقع و القصائد ، إنه خوف الأمهات على أطفالهم إذا ما اقتنوا لعبة جديدة . تتخذ قصيدة النثر مبدأ التحرر من عروض الخليل منطلقاً ، و موسيقاها الشعورية ضابطاً ، و هذا التحرر قرب المسافة الواصلة بين المادحين و الرافضين ، و تلك الموسيقا أعطت صورة مبهرة لعصور الأدباء الأحفاد نحو التميز و الإبداع لعل شعرهم يخلو من كل هذه المحددات و المقيدات ، ثم إن الترجمة التي يلوح بها حماة القدم تفشلها تكنولوجيا المعلومات ، فإن فرضنا جدلاً أن قصيدة النثر مترجمات غربية ما بالنا بالأجهزة الحديثة التي تدخل بيتنا من كل باب و نافذة . نحن لا ننكر فضل تراثنا العربي و أدبنا القديم ، فلطالما كان عتبة ندخل بها إلى عالم الأدب و اللغة بل و الكيمياء و الجبر و الطب و غير ذلك كثير ، و لكن اختمار الأشكال التجريبية التي فشلت بعد التفعيلة يفرض علينا الاعتراف بقصيدة النثر ، و ما حددته سوزان برنار من وحدة عضوية و مجانية و كثافة يجعلنا أمام فن قائم بذاته في مجال الأدب ، و لعل الكثافة تجعله نصاً حراً يمنع الاستطراد حتى لا يقترب هذا النوع من النثر ، تماما كمقولة : " تبدأ حريتك عندما تنتهي حرية الآخرين " ، و مدى مقابلة هذه المقولة بقصيدة النثر أن مبدعها ينسجها بإرادة واعية و ليس في غفلة أو ظروف واهية ، ثم يخرج عن المحددات الشكلية كالبحر الذي ينضب ، أو التفعيلة التي تسجن الأديب في زنزانة موسيقا قد يحس بها غيره و لا يحسها بنفسه .

و أخيراً : إن الشعر كان و لا يزال ينعت بأوصاف المحددات ، بعضها تقليدي لا علاقة لنا به ، و بعضه رافض يصنعه من يرفض الحداثة و يعيش في جلباب أجداده ، فكان لا بد أن نثبت ما لهذا اللون الفني من جماليات غير محددة تطفئه الكلمة و توهجه أخرى ، و البحث عن الجمال في نص يتمتع بوحدته العضوية و الصور الشعرية الناطقة لهو من أعلى سمات الأدب و الشعر . يقول صلاح عبد الصبور في " أغنية ولاء " : أليس لي بقلبك العميق من مكان و قد كسرت في هواك طينة إنسان فهذه كلمات تشع نوراً ، تنطق بالحيوية و الحياة ، من قلب مكسور بالخذلان ، يلاطف كف جلاده و يذكر شكواه ببالغ الأسى ، يطلب منها الحنان ، بعد أن صنع لها عرشاً من الحرير بمسندين ، و وفر لها وافر الاحترام ، فما كان منها إلا أن هدمت ما بنى ، و أخذ يبحث عنها بكل زمان و مكان ، فإن لم يكن هذا الكلام شعراً ، فلا يعد الخيط البصري و الشبكة المعلوماتية إلا ضرب من التخلف . * حمزة شباب / أديب من الأردن

2014-02-03