الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في الغربة/بقلم إيناس زيادة

من غربة إلى غربة . . . الأمر سيان فكله اغتراب
أوليس الاغتراب ذاته أينما وجد لنفسه مقر . . . أم أن أهواءنا واغتراباتنا ليست واحدة.
وكما هم البشر، هي كذلك الاغترابات، بعضها واسع رحب يحتضننا برقته وحنانه، وبعضها يضيق الصدر من ضيقه ويلفظك بقسوته ما إن وطأت أرضه القدم.
في فسحة هدوء المكان، تصبح الحقيقة واضحة للعيان، وهي أن الأرض أصغر من حروبنا وأعظم من تفاهاتنا الشخصية، وأن الإنسان عن بعد أجمل، وأن مدن العالم في المخيلة أروع.  قد لا تتشابه الأماكن في ظاهرها لكنها في الباطن واحدة، مساحات تضم البيت والشارع، الجبل والسهل، والشجر والبحر والحجر والسماء والبشر، وما إن أضيفت اللمسة الإنسانية، تبدل المعنى وأصبح للحجر والبشر ألف إسم وعنوان.
بين ما يوجد هنا وما يوجد هناك قواسم مشتركة من طبيعة وهبها الخالق وحجارة عمَرها المخلوق، مساكن شيدت ومعالم بنيت، وفي كلاهما حفظ للتاريخ ومنهما العبر.  معالم ونصب تذكارية  في كل زوايا المعمورة تخليداً لمعارك وانتصارات صنعت التاريخ وبشرت بالمستقبل، وشعوب العالم تختار مصائرها إما أن تكون أحفوريات أثرية تعيش في بطون الكتب أو كائنات فضائية تنعم بمكاسب الحرية.
منذ عباس بن فرناس تخلينا عن حلم الطيران وجاء من يحلق فينا ويسخر من أجنحة فرناس التي بقيت في سلة مهملاتنا.  أخبروا فرناس أننا أصبحنا في زمن نستطيع أن نتناول كل وجبة في دولة ونستيقظ في قارة لنبيت في غير قارة، أيقظوا من لا زالوا يجدون في قيادة المرأة فتنة.
يا أمة طال سباتها ولم تعد تعرف لبياتها من موسم، فلا هو بيات شتوي أو حتى صيفي أم بيات في كل الفصول بانتظار فصل جديد أو عصر جليدي آخر يبث الحمية في أمة وتتجمد فيه بقية الأمم.  أما آن الأوان لعقولنا المهاجرة أن ترجع بعد أن تقنع بأن الحجر والشجر لا ذنب لهما بل هي عقول البشر، العقل هاجر قبل أن يهاجر الجسد،  بعد أن أدرك أن الوطن هو المكان الذي يوفر مسكن الحب والدفء والسكينة والكرامة، وما للإنسان سوى ذلك من مطلب، ما الفرق بين وطن يهين وغربة تحترم؟ وهل الغربة عن أرض الوطن أخف وطأة من غربة نعيشها على أرض الوطن؟

2014-02-23