الخميس 9/10/1445 هـ الموافق 18/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
المناضل محمد بركة يعود دائمًا إلى الوطن/خيري حمدان

خيارات العناوين الممكنة لتغطية ندوة المناضل والرفيق محمد بركة رئيس الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة وعضو الكنيست الإسرائيلي كثيرة للغاية، لكنّي توقّفت على هذا العنوان، لأنّ الفارق ما بينه والكثيرين من القادة السياسيين يتمثّل بعودته دائمًا إلى الوطن، بالرغم من توفّر الفرصة لإقامته في أيّ من العواصم الأوروبية بعيدًا عن الضغوط التي يمارسها الكنيست، ليتحدث بلسان إسرائيليّ.

          نتّفق بما لا يقبل الشكّ، بأن تسمية "عرب إسرائيل" للمواطنين الفلسطينيين المتواجدين في الأراضي المحتلة عام 1948 والتي أصبحت تسمّى إسرائيل، تسمية مجحفة بحقّهم، لأنّ إسرائيل لم تقم كدولة جالبة معها عربها لينالوا هذه التسمية. لذا، دعونا ندرك أهمية احتضان هذه الفئة من الشعب الفلسطيني التي وجدت نفسها في كنف دولة عنصرية والدفاع عنها، فئة واسعة لم تمتلك خيارًا في قيامها وتأسيسها، بل مارست "إسرائيل" عمليات ترهيب وقتل وقمع وتسفير ومصادرة لمساحات هائلة من أراضيهم للوصول إلى المعادلة السياسية الأخيرة، مانحة للناشطين والقادة، منصب نائب في الكنيست الإسرائيلي، مع الأخذ بالحسبان حرمان هؤلاء النواب من اتخاذ القرار، وإبقائهم طرفًا في اللعبة الديمقراطية الظالمة التي تحسن هذه الدولة استخدامها أمام المنابر الدولية.
          المناضل محمد بركة، لم يخضع لهذه المغريات، واعتبر استحقاقاته كمواطن متجذّر في أرضه العربية في ظلّ دولة عنصرية أقل ما يمكن أن يناله، وبقي يقارع ما أمكنه القادة الإسرائيليين ليذكّرهم طوال الوقت بأنّ هزيمة شعب مستحيلة، وإن كانت سهلة وميسّرة قبالة جيش دولة معادية. وهو حين تحدّث في صوفيا عن معاناة الفلسطينيين الذين واجهوا القوات الإسرائيلية قبل 38 سنة لتحمل هذه الذكرى "يوم الأرض"، تحدّث بقلبه وحسّه الوطني وليس فقط بلسانه. من يتحدث بلسانه فإنّ كلماته لا تصل لأبعد من الآذان، لكنّ من يتحدث من القلب، يخاطب الأفئدة مباشرة ويصيبها لا محالة.

          عدا عن كلّ ذلك، ما يزال السقف الوطني الذي أعلنه السيد بركة يفوق البرامج السياسية المعلنة للكثير من الأحزاب الفلسطينية، لذا فإنّه يحتلّ بجدارة منزلة الرقيب ذي الحسّ المرهف، وبخاصّة فيما يتعلق بالمشاريع الصهيونية المغرضة وشديدة الخطورة، وآخرها المطالبة بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل، ما يعني عمليًا تقويض كافّة المطالب الفلسطينية، لنضرب برؤوسنا بعد ذلك بعرض الحائط. ويدرك القاصي والداني خطورة هذا المشروع على الفلسطينيين في إطار دولة إسرائيل، أصحاب الأرض الأحقاق، والذين سيصبحون بين ليلة وضحاها طارئين على الدولة اليهودية، ليخسروا بذلك الجزء الأكبر من معركة الوجود في فضاءات العدم التي تحاول إسرائيل فرضها، وقد أضحت قوّة إقليمية كبيرة، قادرة على تحديث أجندتها بما يتوافق مع مقدّراتها العسكرية والميدانية والسياسية وبما يتناقض مع القوانين الدولية والأممية العالمية.

          يطول الحديث عن الحسّ الوطني والوعي السياسي الذي ندركه حين مجالسة ومخاطبة السيد محمد بركة، ولا أجد ما أقوله بعد وداعه في العاصمة صوفيا متوجّهًا إلى ألمانيا لإحياء ذكرى "يوم الأرض"، ثمّ العودة إلى الوطن، سوى إلى لقاء قريب وكلّ عودة وأنت بخير.

11.04.2014
صوفيا

2014-04-11