الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الصدمة في العراق من المنظور الإيراني

بقلم: ابراهام كام
أطلس للدراسات / ترجمة خاصة

توطئة أطلس
لو كان هذا التحليل عجلاً حنيذاً لطفحت طيات دسمه بالسم الذي يراد للأمة الاسلامية أن تلوكه وتتجرعه لتشتبك طوائفها في صراع، يحدد هذا المقال التحليلي له بداية، ونقطع في حال تحققه – لا سمح الله – بأن لا نهاية له، والمراد إحراف الثورة الخمينية التي رفعت، حين قامت، شعار الوحدة الاسلامية باتجاه القدس، عن مسارها، وخصوصاً ان انحراف البوصلة قد وقع، ولم تعد البوصلة الايرانية تشير إلى القدس، وأخذ لواء القدس يهرول في اتجاهات أخرى ذات صبغة مذهبية طائفية، حتى وان لبست رداء المقاومة والممانعة، وفي هذا التحليل محاولة للانقضاض على ما تبقى من أمل يمكن أن يعلق على الإيرانيين، ولئن سقط الإيرانيون في هذه الفخاخ الخبيثة فلن يخرجوا أبداً، سينتهون ويلحقون بانتهائهم ضرراً كبيراً بالأمة الاسلامية ومشروعها، المقال طويل ومعقد الأهداف، متشابك التطلعات، وننصح بقراءته على مهل وبتانٍ وروية، وإن لزم الامر بتكرار، حتى نفهم ماذا يكيل هؤلاء لأمة الاسلام وقضيتهم المركزية، والى شجون الأمة التي يحيكها الأعداء.

نجاح تنظيم دولة الاسلام في الشام والعراق "داعش" في السيطرة على منطقة كبيرة، وعلى مدن مركزية شمال غرب العراق؛ يعكس أيضاً فشل الأطراف الأخرى، يعكس فشل حكومة المالكي الشيعي الذي اتضح أنه حاكم طاغية فاسد لا قيمة له، وفوق كل هذا لم ينجح في التوافق مع السنة، وواصل استفزازهم ودفعهم الى الزاوية، وكان نجاح داعش فشلاً لأمريكا، التي اقامت في العراق قوات أمنية كبيرة تضمنت مئات الآلاف من الجنود والشرطيين، والذين لم يكونوا قادرين على الدفاع عن العراق في وجه عدو خارجي، ولكن كان من المفترض أن يفرضوا فيها الأمن والنظام، ويفرضوا الاستقرار، ولكن عملياً تبين أن قوات الأمن جهة غير متماسكة، بلا إرادة أو قيادة، وبلا أي تأثير، ولم تكن بذلك قادرة على التصدي لميليشيا السنة، وهي الأصغر منهم بكثير، وغير قادرة على إدارة معركة في المدن، وخصوصاً في المناطق السنية.
ونجاح داعش أيضاً هو فشل لإيران، لقد أصبحت إيران في السنوات الأخيرة هي العنصر الخارجي الأكثر تأثيراً في العراق، وخصوصاً بعد أن خرجت القوات الامريكية منها في العام 2011، وكان الهدف الإيراني بناء دولة عراقية  موحدة ومستقرة، وضعيفة عاجزة من الناحية العسكرية مرتبطة بإيران، تديرها الأغلبية الشيعية المرتبطة بإيران،  ولتحقيق هذا الهدف استعانت إيران بجهات شيعية عراقية كثيرة؛ من بينها ميليشيات مسلحة وأحزاب وشخصيات سياسية ورجال دين وجهات اقتصادية ذات صلة وقادرة على التمويل المالي والعسكري، ولكن هذا التأثير الإيراني كان له حدود، وخصوصاً بعد ظهور الجهات الشيعية التي لم ترغب بالاعتماد الزائد على إيران والتحفظات السنية تجاهها، ولكن وبشكل عام فإن تدخل إيران في العراق كان بشكل غير مسبوق فيما يتعلق بالعلاقات بين البلدين، والتي نبعت من ضعف العراق وبلوغ الشيعة التاريخي الى سدة الحكم فيها.
إن سيطرة داعش على أجزاء من المنطقة العراقية يشكل سبباً مباشراً للقلق الشديد بالنسبة لإيران، لأن من شأنه أن يزحف نحو حدودها ويؤثر على استقرارها وكونها دولة فيها أقليات، نجاح تنظيم سني يمس بالمعسكر الشيعي الذي ترتكز عليه إيران في نفوذها بالعراق، وعلى وجه الخصوص يمس بالميليشيات الشيعية المسلحة، والتي تدعم إيران جزءاً كبيراً منها.
المعسكر الجهادي في سوريا يمثل تركيبة مهمة في معارضة نظام الأسد، وهو حليف إيران الذي ألزمها بالتدخل في سوريا وتقديم المعونة العسكرية الكبيرة للنظام، وهي الخطوة التي أثارت موجة من الانتقادات من قبل الكثير من الدول، التدهور الحاصل في العراق – والتي يوازي التهديد القائم لنظام الأسد – من شأنه أن يجبر إيران على التورط في القتال، ولو بشكل محدود، وعلى تخوم البلد الغربية، وعلى المدى البعيد، وفي حال أدى ما يحدث في العراق إلى تقسيمها الى دولتين أو ثلاثة دول، فإن ذلك من شأنه أن يؤثر سلبياً على إيران، وخصوصاً في ظل وجود المركب الكردي الموجود في نسيجها السكاني.
وعلى ضوء الخشية من مواصلة تدهور الوضع في العراق؛ أعلن القادة الايرانيون انهم سيساعدون الحكومة العراقية في حال طلبت الأخيرة المساعدة، وانهم سيدافعون عن الأماكن الشيعية المقدسة في العراق، وتقول تقارير عراقية إن كتيبتين من كتائب القدس التابعة للحرس الثوري الايراني قد دخلت الى العراق فعلاً بهدف الدفاع عن بغداد والشعائر المقدسة في النجف وكربلاء، وان قائد الحرس الثوري وصل الى بغداد بهدف التنسيق مع القوات الأمنية والميليشيات الشيعية المسلحة هناك. وتقول مصادر أمنية إيرانية ان بلادهم تدرس امكانية ارسال قوات أمنية كبيرة إضافية، وأنها عززت من جاهزيتها على الحدود مع العراق وأعلنت انها ستقصف أي قوة تقترب من مجال الـ 100 كم من حدودها.
إرسال عدد محدود من قوات الحرس الثوري يبدو معقولاً لعدة أسباب: المعسكر الجهادي في العراق يشكل تهديداً على إيران أيضاً، وايران ملزمة بالدفاع عن الأماكن المقدسة ومساعدة الميليشيات الشيعية المسلحة في العراق، قوات لواء القدس مجهزة أيضاً للقيام بمثل هذه المهمات، ونقل قوات إيرانية الى العراق أسهل بكثير من نقلها الى سوريا، وبخلاف المساعدة العسكرية لسوريا فإن إيران في الحالة العراقية لن تتعرض للانتقادات الدولية، بل سيكون هناك من يبارك التدخل الإيراني، وبجانب المخاطر على إيران فهناك أيضا فرصة؛ فبعد التهديد للمعسكر الشيعي وحاجته للمساعدة الخارجية فإن التدخل الإيراني سيزيد بشكل اضطرادي من نفوذها هناك.
على هذا النحو تربو إمكانية التعاون بين الولايات المتحدة وايران في الشأن العراقي؛ فبسبب خشيتها من التهديد القائم في العراق أبدت الحكومة الأمريكية استعدادها للتعاون مع إيران، ولكن بشروط معينة وبحذر وشك في حال تحقق الأمر، وقد قال كيري ان الحكومة الامريكية تفتح أبوابها للتحدث حول التعاون مع ايران والعمل المشترك في القضية العراقية، ولم يستثنِ أي أمر طالما كان الهدف خطوات بناءة تساعد في استقرار العراق، ووزير الدفاع الامريكي هيغل أيضاً منحاز نحو امكانية تعاون كهذا، والرئيس اوباما يؤيد أن إيران يمكنها لعب دور بناء – ولكن تدميري أيضاً – في العراق.
في الجانب الإيراني؛ فإن التصريحات بهذا الشأن لا تبدو قاطعة، وتعكس على ما يبدو الخلافات في الرأي على مستوى المسئولين بهذا الخصوص، الرئيس روحاني قال ان إيران مستعدة لدراسة مثل هذا التعاون مع الولايات المتحدة في حال اتخذت الأخيرة خطوات ضد التنظيمات الارهابية في العراق، ولكن الأمين العام لمجلس الأمن القومي الأعلى ووزير الدفاع السابق علي شمخاني قال إن التعاون بين أمريكا وإيران في الشأن العراقي غير عملي، ويعتقد  نائب وزير الخارجية الإيراني انه لا داعي للمحادثات المباشرة بين أمريكا وإيران فيما يتعلق بالعراق، ذلك ان العراق تستطيع ان تحل مشاكلها لوحدها.
على ماذا يمكن ان يرتكز التعاون بين أمريكا وإيران بالشأن العراقي، إذا حدث فعلاً؟ من الصعب التصور حدوث تعاون عسكري حقيقي بينهما ما عدا تبادل المعلومات الاستخباراتية، ففي حال اتخذت أمريكا خطوات عسكرية على الأرض، وخصوصاً ضربات جوية فلن تحتاج لإيران في التنفيذ، وإيران أيضاً لن تريد ذلك، وقد استبعد المتحدث باسم البيت الابيض إمكانية التعاون العسكري مع إيران في الشأن العراقي، وأكد ان بلاده غير معنية بذلك، وارسال معونات عسكرية – للحكومة العراقية – أو استخباراتية أو سلاح أو مساعدة لوجستية أو استشارات وارشادات؛ كل ذلك لا يتطلب التعاون مع إيران، ولكن الحكومة الامريكية ستكون معنية أكثر بالتعاون السياسي، ولا سيما الاستعانة بالنفوذ الايراني لدى معسكر الشيعة بهدف تغيير رئيس الحكومة العراقية نور الدين المالكي، أو على الأقل دفعه نحو المصالحة الحقيقية مع المعسكر السني، بهدف دق الأسافين بين السنة وتنظيم داعش لإضعافه.
وفي وجه مثل هذا التعاون؛ تقف الكثير من العوائق الكبيرة، فبين أمريكا وايران تنتصب الشكوك العميقة، فلا يوجد بينهم سوابق للتعاون، باستثناء التنسيق، وفي مجالات محدودة أثناء العملية العسكرية في أفغانستان، وأهم من ذلك فلكل منهما مصلحة مشتركة، وهي كبح وانهاء المعسكر الجهادي في العراق، وما عدا ذلك فأهدافهما مختلفة، لا بل ومتناقضة، فأمريكا تريد أن تؤسس لنظام ديمقراطي تابع لها في العراق يقلص من النفوذ الإيراني، ويهدئ المعسكر السني داخل حدودها، بينما تريد إيران توسيع رقعة نفوذها في العراق، وتقوية المعسكر الشيعي فيها وفصلها عن النفوذ الأمريكي.
مضاعفة التدخل الايراني في العراق، وبالتعاون مع أمريكا أيضاً، وخصوصاً إذا اشتمل ارسال قوات ومعونات عسكرية؛ من شأنها ان تزيد الاحتقان في المعسكر السني، ولهذا السبب، ووفقاً لتقارير عراقية، فإن المالكي يرفض التدخل الايراني في بلاده، وتعاون من هذا القبيل من شأنه أيضاً أن يقلق المملكة العربية السعودية ودول الخليج، وفي النهاية فإن إيران تريد ثمناً للتعاون مع أمريكا، وخصوصاً التوصل الى اتفاق يرضيها في الملف النووي.
تجارب السنوات الأخيرة تقول ان لإيران ميزة كبرى على الأمريكيين فيما يتعلق بإنشاء النفوذ في العراق على ضوء ارتباطها بالمعسكر الشيعي، والذي يمثل 60% من سكان العراق، ونظراً لقربها الجغرافي من العراق فإن هذا الامتياز ازدادت حدته بعد انسحاب القوات الامريكية من العراق، ومن هذه الزاوية فإن محاولات أمريكا لتحقيق التعاون مع إيران في العراق – وخصوصاً مع اختلاف الأهداف وتناقضها – يمكن أن يصنف بأنه مفهوم خاطئ.
مركز دراسات الأمن القومي

2014-06-26