الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
" حركات الوردة " لعبد الفتاح بن حمودة / محاولة قراءة عاشقة - بقلم فوزي الديماسي

كتابة تدور حول حروفها ، تلملمها الجراح ، يذروها الصباح ، هي كتابة قلقة ، مضطربة على فراش الماهية ، هي الترحال على متن السؤال في عرض الكتابة وعمقها ، مفتونة حروفها بالوردة والصباح ، مفتونة بجمع الأضداد ، كما السحر هي ، وملامحها بالسراب ألصق ، توهمك بالبحث عن حدّ المداد وحدوده ، وطين جملها وفصول اللغات فيها سراب خلّب ، أرض تكتب بالدم والحلم ، وذات تحبّر بالدموع والشرفات ... هو البحث الأعمى اللذيذ في أرض الشعر ، يضرب النص بعصاه في الآفاق ، وقوافله محمّلة بالوهم والوردة والصباح ، هو عجوز في العشرين حرفه ، وفتاة تقف على باب الدهشة بجسدها (لغتها ) المترهّل تغازل الآتي بأنياب الذئاب ، ورائحة الوردة الغارق في أكداس الجثث يبعث في النفس حياة كما المنيّة ، ومنيّة تبعث الماء في موات الحروف ، كتاب ممتع في غوايته ، متمنّع شموس ، لغته كما الماسك على الماء في مهبّ التيه ، ولذّة مداده تكمن في قحط فصوله ، وجمال ثماره المعلّق على الأغصان .... هي سيرة ذاتية شعرية ، تراوح مكانها بين تعريفين : تعريف الشاعر كحالة إنسانية ، وتعريف الشعر كفعل إقامة في العالم ، وبين السيرتين تداخل ، فلا تكاد تقف على ملامح هذا دون العبور بملامح ذاك ، ذاك هو الشعر في علاقته بالشاعر : ودّ ، وتثاقف ، وتداخل ، ومعاشرة أزواج ، لحظة يشترك فيها الذاتي والموضوعيّ ، والفيزيائيّ والنفسيّ ، فترفع على ضفّة الحرف مدائن للشعر والشعراء ، وتقام صلوات في هيكل الفجر المتيّم بالضباب ، نصّ شعريّ يتوسّل بالسّرد ، وسرد غارق في الشعريّة ، سرد وشعر وثالثهما الألم ، ووردة تختزل تجربة كتابة ، وتختزل آلام تجربة مشدودوة إلى عوالم الدهشة ، كذا الزمن في " حركات الوردة " وكذا المكان ، فضاءات بدايات ، بعيدا عن صخب المدنية والإنسان المشوّه بجماجم الحضارات ، سيرة بدايات هذا الكتاب ، وسيرة شاعر عاد بفعل الكتابة إلى منطلقاته الجميلة ، تلك المنطلقة الواقفة على نهر اللغات تكرع من رحيق الجمال الطبيعي بعيدا عن نفاق الزخرف والبديع ، هي لحظة هادمة للوثوقية الإبداعية ، وهدم للمسلّمات ، إنّها رحلة وردة احترفت الحفر في المعاني والضمائر الشعرية ، وردة استمسكت برؤى الشعر الزلال ، وقد عملت في منعطفات رحلتها الحرفيّة على "قتل الأب " ، فتوقف الشعر على أن يكون " ديوان العرب " ، وكانت الوردة هنا ديوان ذاتها الجريحة بامتياز ، ذاتها المسكونة بالأسئلة والطبيعة والجمال ، ذاتها الباحثة في ضياء الشمس ، وبرد الكهوف ، وتطاول الأشجار ، وصخب البحر ، ورقصة الوردة على جبال تزيّت "بندف الثلج " ، إنّه كتاب شطح لغويّ ، وكلماتها كما المريد على باب الحبيب في حلقة الذكر ، يرقص حدّ إشتعال اللذّة بين جنبيه ، إنّها لذّة الإقامة في العالم ، لكنه يجهل كنه الرقص وتعريفاته ، لأنّها لحظة خلق لعوالم أخرى وممكنات مغايرة لملامح فعل صناعة الشعر ، بعيدا عن قمر الحبيبة ، وصدرها ،وقوامها ، بعيدا عن خيام الحي ، ونؤوم الضحى ، وحوانيت الخمر وأطلال ذهبت وذهبت ريحها ، إنّها لحظة تتحرّك في احشاء المداد لتبشّر بنصّ بكر ، نصّ جديد ، تكون حروفه ومعانيه كواعب أترابا .... " حركات الوردة " لعبد الفتاح بن حمودة بيان شعريّ وما هو بالبيان ، وسيرة ذاتية وما هي بالسيرة ، إنّه لحظة تأمّل على باب الشعر المتلاطم ، والشاعر على صخرة الحرف جلس ، ينشد لقاء عروس الشعر ، ويمنّي سرير المعنى بليلة يحرسها قمر جديد لم يألفه عشّاق الشعر ، إنّها صرخة شعرية في وجه عرش الشعر الموروث ....

2014-09-10