الثلاثاء 7/10/1445 هـ الموافق 16/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
معادلات الحرب على غزة/ د. سلمان محمد سلمان

د. سلمان محمد سلمان – أستاذ الفيزياء النووية والطاقة العالية –قلقيلية – فلسطين

نتائج العدوان الإسرائيلي لأكثر من شهرين على الشعب الفلسطيني في القدس والضفة ومن ثم تركيز التدمير على غزة تمثل بشكل كبير حالة تحول نوعية في مستوى الصراع. ولعل هناك الكثير من سوء استخدام المصطلحات في الإعلام يربك الفهم والحقوق. ولتوضيح استخدامنا للمصطلحات أود تأكيد التالي:

1.    حق المقاومة والدفاع عن النفس للشعب الفلسطيني مكفول بكافة القوانين بحكم احتلال إسرائيل للأرض الفلسطينية وأي توقف عن ممارسة هذا الحق لا يلغيه.
2.    عدوان إسرائيل يقوم فقط على القوة وليس له أي مبرر أخلاقي أو قانوني. فإسرائيل لا تدافع عن نفسها لأنها معتدية أصلا باحتلالها أراضي 48 و 67 وتبني المستوطنات دون توقف على كل أرض فلسطين بل يهاجم المستوطنون المدنيين الفلسطينيين بشكل منهجي.

ودون الدخول في الوصف التقليدي لمعاناة الشعب والنسبة العظمي من الشهداء والجرحى من المدنيين سنركز على تحليل مختلف احتمالات سبب تصاعد العمليات الحربية في هذه المرحلة وظروف المنطقة المتفجرة. والحقيقة أن جولات العنف على غزة أصبحت دورية منذ الحصار. فقد سبق الجولة الحالية جولات في 2008-2009 و 2012. وهذا يعكس ظاهرة متوقعة لأن من غير المعقول توقع استتباب الهدوء في غزة بينما يستمر الحصار ويشتد. ومن غير الممكن توقع بقاء الوضع ساكنا حين تنهار بنية الحياة اليومية للناس.

هناك أكثر من رأي في تلخيص الموقف الحالي ضمن جملة استدلالية ومن هذه الآراء
1.    "تتحول إسرائيل إلى دولة فاشلة لعدم قدرتها على امتصاص الصدمات باتزان القوي وخوفها من المستقبل".

2.    وآخر يقول "أن هدف الحملة الحالية على الشعب الفلسطيني وغزة شبيه بالعدوان على بيروت عام 1982 وهو اقتلاع المقاومة مرة وللأبد لتحقيق حل سياسي على أنقاض تجريف غزة".

3.    وآخر يلخصها "بتكرار تجربة إسرائيل الفاشلة عام 2006 على المقاومة والشعب اللبناني".

4.    ورابع يقوم على "ان هدف الحملة تدجين حماس وليس القضاء عليها وهذا ما جعل إسرائيل تقبل بحكومة الوحدة بغرض تدجين حماس".  وهذا يختلف طبعا عن تدمير البنية كاملة وإلغاء حماس ليتسلم القطاع قوى أخرى. فالتدجين يهدف إلى تحويل حماس إلى منظمة تلتزم بشروط إسرائيل وتحكم غزة بما يضمن بقاء الانقسام كأفضل نتيجة.

وربما تشمل أهداف الحملة كل هذه الخيارات ضمن ترتيب أولويات ديناميكي يعتمد على واقع الميدان.

وفي كل الاحتمالات فالمستهدفات الثابتة هي التالية
1.    كافة عناصر المقاومة من كافة التنظيمات كهدف بذاته ولتسهيل التحولات السياسية لتلك التنظيمات أو القضاء عليها إن لم تبرز قيادات بديلة تقبل الدور الجديد.
2.    وحدة الكيان الفلسطيني وترسيخ الانقسام رغم أن ما تقوم به إسرائيل منذ بدء العدوان ربما يثمر عكس ذلك.
3.    القضاء على إمكانية تحقق الدولة الفلسطينية المستقلة وحصرها في غزة إن أمكن ذلك.

وعلى طريق تحقيق الأهداف الثابتة هناك الكثير من المناورة.

من الذي أشعل دورة القتال الحالية
بدأت في القدس بهجمات إسرائيلية على الأقصى وانتشرت بعد أسر الإسرائيليين وقتلهم كما ذكر الإعلام وتصاحبت مع موجة إرهاب للمستوطنين واتهام حماس بالمسئولية. ثم انتقلت المعركة إلى غزة ببعدها الحربي الشامل.

من المستفيد من دورة القتال
اعتقدت إسرائيل بإمكانية القضاء على المقاومة أو على الأقل إضعافها واستهلاك قدراتها وتحقيق هدنة طويلة تثمر تدجين حماس بما يرسخ الانقسام الدائم وتمركز الدولة الفلسطينية في غزة.

وأملت المقاومة وحماس العسكرية على الأقل من خلال معركة غزة كشف ضعف إسرائيل وتحقيق اختراق في معادلة الردع.

وطمحت حماس السياسية وعلى الأقل قيادة مشعل إلى إحراج مصر وتأهيل الإخوان لقيادة المرحلة المقبلة بعد فشلهم في حكم مصر.  وظهر ذلك في تصريحات قيادات ركزت على دور مرسي المميز مقابل خذلان السيسي ومصر الجديدة.

واعتقد أبو مازن أن الأزمة يمكن أن تساعد على رفع الحصار عن غزة وعودة حقيقية لقيادتها من خلال حكومة الوحدة لكنه اكتشف سريعا أن مشروع الإخوان يبتلع المشروع المحلي وأكبر منه بكثير.

عملت مصر الرسمية على إيقاف دورة الصراع وتحقيق تهدئة بشروط معقولة لفلسطين ومصر. لكنها لم ترد تحقيق ذلك بأي ثمن ولم ترغب خروج حماس والإخوان بمكاسب معنوية أو مادية. بنفس الوقت أيضا لم تقبل تصفية المقاومة فعلا.

واعتقدت روسيا وإيران ومحور المقاومة وربما مصر أن هناك أهدافا مصطنعة نوعا ما لا يحركها موقف فلسطيني واضح ولا تنسجم بما يكفي مع أهداف المقاومة بل يشوبها تداخل من أجندة الإخوان. وهذا يعني صعوبة إدارة المعركة مما يتطلب تجاوبا كافيا مع الموقف المصري. وشدد الجهاد الإسلامي خلال المفاوضات الماراثونية بشكل كبير على الدور المصري وتبع ذلك موقف ايراني متقدم في نفس الاتجاه.

وانقسم الغرب وأميركا إلى موقفين كما الحال منذ بدء "الربيع العربي": الأول يتطابق مع موقف إسرائيل والآخر يفضل موقف مصر التي تدعو لخلع حماس ووحدة الكيان الفلسطيني.

ووجدت تركيا وقطر ان التصعيد يمكن ان يؤدي إلى نقص مستمر غير متجدد في قدرة المقاومة على الاستمرار وهذا سيسرع تدجين حماس. لكنهما ربما قبلتا الثمن مقابل تحقيق هدف الإخوان في التأهيل وإضعاف موقف مصر.

ووقفت السعودية مع مصر في هدف اقتلاع حماس والإخوان لكنها ربما تفضل نهاية المقاومة متزامنا مع ذلك.

ووقف الشعب الفلسطيني حائرا لا يعرف من أين تأتيه المصائب فهو مفجوع بعدد الشهداء والخسائر صباحا ويحتفل بالمساء بأي إنجاز للمقاومة رمزيا كان ذلك أو حقيقيا.

مواقف الأطراف الفاعلة من قضايا المقاومة وحماس ووحدة الكيان الفلسطيني:
مصر
إنهاء حماس وعلى الأقل قطع رابطها الإخواني. وتفضل بقاء المقاومة لكن دون هيمنة حماس. وتدعم دون تحفظ وحدة الكيان الفلسطيني.

إسرائيل
المثالي: القضاء على المقاومة وتدجين حماس وبقاء الانقسام. ولا مانع من القضاء على حماس مقابل تصفية المقاومة.
المتطرف: القضاء على غزة بأهلها وشعبها بشكل منهجي واستخدام ذلك كورقة ضغط على فلسطين. وقد ظهر ذلك من أساليب التدمير المنهجي والقتل الموجه.

الموقف الغربي والأميركي
موقفان: لا مانع من القضاء على حماس والمقاومة شريطة بقاء الثمن أقل من سقف معين من ضحايا الجمهور. والحل المفضل سقوط المقاومة وتدجين حماس ضمن دائرة السلطة الفلسطينية وليس كبديل لها.

محور المقاومة
الحل الأمثل انتصار المقاومة وتخلي حماس عن جانبها الإخواني. لكنه يقبل بقاء الجانب الإخواني في قيادة حماس إذا كان شرطا لانتصار المقاومة. وسوريا تتحفظ على هذه الإمكانية. دعم وحدة الكيان الفلسطيني.

المواقف الفلسطينية: تتنازعها أربعة مواقف
1.    السلطة وفتح: تدجين حماس وانضواءها ضمن السلطة حسب الموقف الغربي أو المصري.
2.    الفصائل وخاصة الجهاد: أولوية انتصار المقاومة مع تفضيل تغيير قيادة حماس وهو قريب من موقف محور المقاومة.
3.    رأس المال السياسي: عزل كل من حماس وفتح وتسليم الأمر لقوى بديلة طبعا ضمن نفوذه.
4.    حماس: طبعا تتبني بقاءها قائدة المرحلة.

قطر وتركيا
الهدف المثالي تأهيل عودة الإخوان لحكم مصر ولا مانع من استخدام غزة والمقاومة لتحقيق الهدف.  ولا مانع من تدجين حماس أو حتى شطبها مع المقاومة مقابل تأهيل الإخوان. وتفضل وحدة فلسطينية ضمن مظلة الإخوان لكنها تقبل بالموقف الغربي بشقيه إذا تطلب الأمر ذلك.

تقاطعات في حالات انتصار المقاومة أو انهيارها
نعرف انتصار المقاومة هنا تعريفا عمليا يتلخص في الصمود وعدم رفع الراية البيضاء والقدرة على استمرار الرد حتى نهاية المعارك. ونعرف انهيار المقاومة بإعلان الاستسلام وتوقف الرد الفلسطيني.

في حالة انهيار موقف المقاومة
1.    يلتقي الموقف القطري والتركي مع الإسرائيلي في تدجين حماس.
2.    يتناقض الموقف المصري مع الإسرائيلي في الموقف من حماس وحكم غزة.
3.    يلتقي موقف السلطة في تدجين حماس مع المحتوى الغربي والمصري.
4.    يتباعد الموقف المصري عن المقاوم باعتباره غير عملي.

في حالة انتصار المقاومة
1.    يقترب الموقف المصري من المقاوم باعتباره عاملا فاعلا للمستقبل وتحديد دور غزة ضمن معادلة فلسطين الموحدة.
2.    يتباعد القطري والتركي عن الإسرائيلي بحكم فشل إسرائيل. مع محاولة تجيير النصر لتقوية حماس والإخوان وأجندتهم.

والميزان أقرب لانتصار المقاومة لكن ليس بالقوة الكافية لتحقيق النتائج أعلاه بشكل حاسم.  ولكنه بعيد أيضا عما يحقق نتائج انهيار المقاومة.  ونتائج الميدان مختلطة نوعا ما.

نتائج الميدان
1.    فشل مشروع تأهيل الإخوان مع بقاء حماس السياسية رقما هاما بمعادلة غزة.
2.    انسحاب الموقف القطري التركي من المعادلة وعدم الرغبة في تدعيم موقف إسرائيل دون مقابل تقوية الإخوان.
3.    تقارب الموقف المصري من المقاوم في معظم القضايا.
4.    استمرار تبني السلطة تدجين حماس حسب الموقف الغربي.

توصيات
1.    نجاح المقاومة يمثل مكسبا عاما لفلسطين ومحور المقاومة ومصر.
2.    تغيير حماس وتخليها عن الجانب الإخواني مطلب فلسطيني مصري لكنه يتطلب الكثير من التغيير غير المتوقع حاليا.
3.    تغيير حماس وتدجينها لخدمة إسرائيل يمثل هدفا إسرائيليا يبقي الانقسام ويدمر المقاومة ويلغي مركزية الضفة لكنه أصبح أكثر صعوبة عما قبل الحرب.
4.    ستتقمص كثير من القوى همروجة النصر بمصطلحات مبالغ بها تظهر تهافت المفهوم وسيتم تعويم مفهوم النصر بما يفرغه من محتواه الفعلي وستتكاثر مقولات انتصار المقاومة مع ممارسات بالعكس وهذا ربما يفجر الموقف الفلسطيني.
5.    من المفضل إيجاد صيغة تفاهم على الحكم بين فتح وحماس تقوم على معادلة عملية تعتبر دورا جوهريا لمصر والمقاومة وتتخلي عن استجداء المال السياسي الفلسطيني ومن الأفضل إعادة تشكيل حكومة الوحدة على أسس سياسية.

2014-09-11