الأحد 16/10/1444 هـ الموافق 07/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
تلفزيون فلسطين والقائمة السوداء/جهاد حرب

بعد مقال "سلطنة الضفة الغربية الاسلامية"، التي تعرضت لخطبة الجمعة التي القاها خطيب مسجد التشريفات "الضريح" مستشار الرئيس للشؤون الاسلامية قبل شهر تقريبا، والتي اثارت تخوفا واضحا على شكل النظام السياسي الفلسطيني وطبيعة الحكم في الدولة وسيادة القانون واحترام المؤسسات، وعلى استخدام الدين في السياسة وحكم الشريعة في امور الدولة، ومعاقبة المعارضين بالقتل لمجرد مخالفة الحاكم، صدر قرار شفوي بوضعي على القائمة السوداء "Black List" أي منع الظهور على شاشة تلفزيون فلسطين.

هذا القرار  من قبل رئاسة هيئة الاذاعة والتلفزيون يشير الى أن آلية اتخاذ القرار ما زالت قاصرة في فهم معنى أن تلفزيون فلسطين هو مؤسسة عامة للشعب الفلسطيني وليست مؤسسة حكومية أو مؤسسة خاضعة لمزاج بعض المتنفذين هنا أو هناك أو  مزرعة خاصة لهذا الشخص أو ذاك، وأن آلية التفكير  ما زالت رجعية بالية تشبه أو تحاول أن تتشبه بالأنظمة الشمولية البائدة أو انظمة حزب الحاكم التي وَلّت حتى في عالمنا العربي بفعل الجماهير  الشعبية، وطبيعة الحياة التي حبانا  بها الله التي لا تقبل الا التعدد.

يبدو أن اصحاب قرار التحكم بالإعلام الرسمي قد فاتهم قطار  الاعلام بمحطات "سفر" كثيرة حيث لم يعد التلفزيون الرسمي هو مصدر  المعلومة في ظل وجود قنوات البث العابرة للوطنية. ناهيك عن سيطرة الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي باعتبار وسائل اعلام اكثر انتشارا في هذا الزمن. وهم بذلك بدلا من تطوير وسيلة الاعلام الرسمية من حيث المضمون وليس الشكل.

فالمضامين هي من يجذب المواطنين وتمنح التلفزيون نسبة مشاهدة أكبر مقارنة بالقنوات التلفزية الاخرى، فما زال تلفزيون فلسطين لا يحظى بنسبة مشاهدة عالية (20% فقط) وفقا لاستطلاعات رأي عام اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية بعد شهر  للعدوان الاسرائيلي على قطاع غزة.

مما يقضي النظر بعمق لتطوير  الخطاب والرسالة الاعلامية لتلفزيون فلسطين من خلال التعلم بمشاهدة قنوات تلفزية مثل قناة الجزيرة، واذا كان لدى رئاسة هيئة الاذاعة والتلفزيون موقفا من هذه القناة لطبيعة مواقفها يمكن النظر الى القنوات التلفزية الاسرائيلية "جيراننا أو اولاد عمنا على رأي الختيارية" التي تقوم بتحليل مواقف الحكومة وأقطابها من وجهات نظر مختلفة ما بين المعارضة والموالاة دون قطع هنا واشتراط هناك. 

هذا "الخرق" لحرية التعبير لم يكن الأول في عمل ادارة تلفزيون فلسطين خلال السنوات الأخيرة، كما هي القائمة السوداء "Black List" غير المكتوبة التي تتوسع احيانا وتتقلص أحيانا وهي لا تقتصر على المعارضين السياسيين بل أيضا تشمل ناشطين في الحزب الحاكم، فقد سبقه منع ظهور لمقدمة برامج لفترة طويلة لمشاركتها مظاهرة احتجاجا على زيارة مسؤول اسرائيلي لمقر المقاطعة، وتشكيل لجنة تحقيق لموظفة نشرت رسالة تطلب يد رئيس السلطة للزواج لتصبح زوجة مسؤول أو ابنة مسؤول، وهي تشكو همها من الواسطة والمحسوبية في الترقيات داخل هيئة الاذاعة والتلفزيون.

هذا بالإضافة إلى مسألة اتخاذ القرارات المتعلقة بمقر التلفزيون الجديد، والعطاءات المتعلقة به، والتكلفة المالية له، وطول مدة العمل دون افتتاح، وقصة الشراكة مع الشركة المالكة لتلفزيون الفلسطينية التي لم تُعلن رسميا، والآثار المالية المترتبة على الخزينة العامة نتيجة ذلك ومن انتاج برامج لصالح تلفزيون فلسطين بعاملين من التلفزيون ذاته.

هذه "القضايا" وغيرها تطرح من جديد مسألة الاعلام العمومي "العام" وإدارته واحتكار السلطة التنفيذية، والرسالة الاعلامية، وظهور المعارضة على شاشته بشكل عادل، والرقابة عليه دون مُواربة انطلاقا من حق دافعي الضرائب الممولين لموازنته برؤية طبيعة اختلافاتهم السياسية والاجتماعية والثقافية وعدم الاقتصار على تمثيل جزء من طيف فقط.

2014-10-03