الخميس 13/10/1444 هـ الموافق 04/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
رمضان عبدالله شلّح لـ"مجلة الدراسات الفلسطينية": حرب غزة محطة تاريخية ويجب الاستفادة منها في إعادة صياغة المشروع الوطني الفلسطيني

رام الهه-الوسط اليوم
الحرب على غزة التي انتهت بوقف إطلاق النار بعد 51 يوماً من الصمود البطولي الذي صنعه الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة، ستدخل تاريخ فلسطين بصفتها فصلاً من ملحمة المقاومة المستمرة منذ بدايات الغزو الصهيوني. ولأنها كذلك، كان لا بد لـ"مجلة الدراسات الفلسطينية" أن تخصص الجزء الأكبر من العدد 100 لها، الذي يوزع خلال أيام، وأن تكون غزة التي انتصرت بصمودها على إسرائيل، أعتى قوة عدوانية في المنطقة وإحدى أكبر القوى العسكرية على مستوى العالم، هي محور العدد.
كان السؤال المحوري هو: كيف تقرأ المقاومة تجربتها خلال معركة الصمود هذه، وكيف تقوّم أداءها العسكري وانتصارها المعنوي والأخلاقي على الاحتلال الإسرائيلي؟.. فأسئلة غزة هي أسئلة النضال الفلسطيني ضد الغزاة، ومن الضروري أن تُقرأ كنافذة تفتح أسئلة الحاضر والمستقبل، ولذا كان من الضروري محاورة أحد قادة المقاومة، الدكتور رمضان عبدالله شلّح الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين الذي أدى تنظيمه دوراً أساسياً في المقاومة العسكرية، وفي بلورة الأهداف السياسية التي طرحها الوفد الفلسطيني المفاوض في القاهرة. كما أن حركة الجهاد الإسلامي قامت بدور توافقي في الساحة الفلسطينية من دون تقديم أي تنازل بشأن ثوابت المقاومة.
كثيرة هي الأسئلة التي ناقشتها هيئة التحرير بهدف عرضها على الدكتور شلّح، وكانت أجوبة الأمين العام لحركة الجهاد في المقابل واضحة ومباشرة، حيث أمكن، وفي مضمون الكلام حيث تعذر.
وهكذا، فإن الدكتور شلّح الذي يرى أنه "ليس هناك حركة تحرر في التاريخ اعترفت بعدوها قبل تحقيق أهدافها، إلا إذا هُزمت وأعلنت الاستسلام التام" ـــ وهو بذلك ينتقد المسار السياسي للحركة الوطنية الفلسطينية واعتراف منظمة التحرير بإسرائيل قبل تحقيق مشروعها التحرريـــ يدعو إلى مراجعة شاملة لكل المرحلة السابقة، على أساس أن"الحرب الصهيونية على غزة، هذه المرة، والتي استمرت واحداً وخمسين يوماً، ليست مجرد لحظة عابرة في تاريخ الصراع، وإنما هي محطة تاريخية يجب أن يكون لها أثرها الذي يوازي حجمها على الصعد كافة". ويقول إن "مشروع التسوية هدفه المعلن إقامة دولتين، وهم فعلاً أقاموا دولتين، الأولى لهم، إسرائيل في 78% من أراضي فلسطين المحتلة عام 1948، والثانية لهم أيضاً، للمستوطنين في الضفة الغربية!".
وإذ يدعو شلّح إلى إصلاح حقيقي وسريع في المؤسسات الفلسطينية وخصوصاً منظمة التحرير، يشير إلى أن حركة الجهاد طرحت في هذا السياق "فكرة الجماعة الوطنية، من أجل بناء حركة وطنية على قاعدة الانتماء للوطن، بعيداً عن أي صراع أيديولوجي أو عقائدي، لأن الصراع الوحيد الذي له الأولوية هو الصراع مع الاحتلال".
وفي إجابته على سؤال عن وسيلة تحقيق هدف إنجاز المشروع التحرري، يقول شلح: "هل هي المفاوضات أم المقاومة؟ أظن أن تجربة المفاوضات، ومعركة غزة، تجيبان عن هذا السؤال. فالأولى وصلت إلى طريق مسدودة، وأثبتت عقم هذا الخيار، والثانية تفتح أفقاً جديداً أمام المقاومة، ويكفي التفاف الشعب حولها، واستعداده لتحمّل تكلفتها العالية".
ويعتبر شلّح أن "الرفض الإسرائيلي للتسوية بمنطق الحد الأدنى هو نتاج ميزان القوة"، وأن"الشيء الوحيد الذي يمكن أن يحدث تغييراً هو استمرار الضغط العسكري على إسرائيل لتعديل ميزان القوة، وإحداث نوع من كي الوعي وتغيير المفاهيم، وهذه مهمة المقاومة ووظيفتها كما فعلت في غزة، حتى لو سلكت المنظمة طريق التسوية".
لكن حرب غزة 2014 لم تترك أثراً فقط على الوضع الفلسطيني، إنما على إسرائيل أيضاً، فـ"غزة فاجأت العالم بأنها صنعت الجغرافيا الملائمة للقتال، ونقلت المعركة إلى خلف خطوط العدو، ووفرت فرصة للالتحام معه من نقطة الصفر"، وأثبتت أن "دولة تملك ما تملك من جبروت القوة، ولم تستطع هزيمة غزة، هي دولة قابلة للهزيمة النهائية". وبالتالي يرى شلّح أن "إسرائيل تقف الآن على أخطر مفترق طرق في تاريخها. لا هي قادرة على تحقيق انتصارات في حروبها مع المقاومة، ولا هي قادرة على تحقيق السلام في مسيرة التسوية".
والواقعية أيضاً توجب التوقف والتمعن بالنتائج، فصحيح أن دعوات تصويب المسار السياسي الفلسطيني كثرت، وصحيح أن إسرائيل تعاني أزمة داخلية وأسئلة وجودية على المستوى الدولي أيضا، إلاّ أن الوضع الداخلي الفلسطيني يحتاج إلى دراسة معمّقة، فـ "بعض الشباب الفلسطيني اليوم موزع ما بين الهجرة إلى التنظيمات المتطرفة فيما يسمى السلفية الجهادية، أو الهجرة إلى أوروبا والموت غرقاً في البحر"، على ما يقول شلّح، وهذا أمر بغاية الخطورة يتوجب التوقف عنده والبحث عن أسبابه وعن العلاج المطلوب له.
أما على المستوى الخارجي، فيؤكد أنه "لا يمكن للوطنية الفلسطينية أن تعيش بشكل سوي أو يكتب لها النجاح، إذا انسلخت عن عروبتها وإسلاميتها، أو تخلت عن مقاومة المشروع الصهيوني". ويراهن شلّح على استعادة مصر لدورها، ويقول "المسألة الفلسطينية، وليس قطاع غزة فقط، هي بوابة استعادة الدور المصري الذي يليق بمكانة مصر ووزنها الإقليمي والدولي".
ويقول:"لقد سعينا جاهدين لأن نُخرج معركة غزة، وأن نحمي شعبنا وقضيتنا، من لعبة المحاور والصراعات الإقليمية. ففلسطين كقضية، هي أسبق في المنطقة من هذه المحاور كافة، وهي بحاجة إلى الجميع، لكن الانفجار الذي تشهده المنطقة يجعلنا نستشعر الخطر ليس على صعيد ضياع فلسطين وطي صفحتها نهائياً فحسب، بل إن هناك خوفاً وخطراً حقيقين على أقطار أُخرى وبلاد أُخرى مهددة بالضياع والسقوط، فهناك أكثر من بلد عربي يقف في طابور الانتظار ليقع فريسة التقسيم والانهيار. ولذلك، نحن لدينا حرص شديد على إخراج فلسطين من قصة المحاور، وهذا يتطلب إجماعاً فلسطينياً، وبشكل أوضح، أن تتوافق قوى المقاومة والكل الفلسطيني على ذلك، ثم أن تتفهم الأطراف العربية والإقليمية ذلك، وتقدّر خصوصية فلسطين وظرفها".
ويرفض الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي الإتهامات للحركة بأنها جزء مما يسمى "الجهاد العالمي..حتى لو كان اسمنا حركة الجهاد (...) إننا مقاتلون من أجل الحرية، وليس من أجل فرض عقيدتنا أو ديننا على الآخرين، لأن تعاليم ديننا تقول "لا إكراه في الدين".ويضيف: "نحن فعلاً نريد أن تكون فلسطين هي البوصلة، ونحن نمد أيدينا للجميع لنوفر الحاضنة للقضية والمقاومة، ولسنا جزءاً من أي اصطفاف على أي قضية أخرى غير فلسطين".
وبشأن ما يجري في المنطقة حالياً، وخصوصاً انتشار التنظيمات "الإسلامية" المتطرفة، يرى شلّح أن "المشكلة لا يمكن اختزالها في عناوين مثل 'داعش' أو 'القاعدة'، فالشرق كله ينفجر، ولذا، فإنكل شيء بحاجة إلى مراجعة: علاقات الشعوب بالحكومات؛ موقع إسرائيل ووجودها؛ علاقات القوى السياسية والمكونات الاجتماعية ونظرة كل طرف إلى الآخر داخل مجتمعاتنا؛ مشاريعنا؛ برامجنا؛ مناهجنا التربوية؛ منابعنا الثقافية" ويدعو "لمواجهة هذا الطوفان" إلى "عملية إصلاح شاملة تبدأبنظرة الحكومات والدول والنخب إلى الإسلام ودوره في الحياة".

وفي هذا العدد من مجلة الدراسات
تزامنت الذكرى العاشرة لغياب الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات مع الحرب الوحشية التي شنّها الاحتلال الاسرائيلي على غزة، والتي دامت 51 يوماً،وهذه الحربكانت أطول الحروب العربية ـ الاسرائيلية، وجولة جديدة في الصراع المستمر بين الشعب الفلسطيني والحركة الصهيونية.
جسّد عرفات في قيادته للثورة الفلسطينية المشروع الوطني في التباساته وتعقيداته، من الكفاح المسلح إلى اتفاق أوسلو، لكن الميزة الأساسية للقيادة العرفاتية أنها لم تتخلّ يوماً عن الكفاح بمختلف أشكاله، وأنها جسّدت خيارين متناقضين إئتلفا في القيادة العرفاتية، لكنهما ما لبثا أن تباعدابعد استشهاد عرفات بِسُمّ الحصار الإسرائيلي. وما الانقسام الفلسطيني الذي جسدته سلطتا "فتح" في الضفة و"حماس" في غزة إلاّ التعبير الصارخ عن عدم قدرة القيادات الفلسطينية المتعددة على صوغ استراتيجيا جديدة للمواجهة تأخذ في الاعتبار القرار الإسرائيلي بالتخلي عمّا سمي "عملية السلام"، عبر التغوّل الاستيطاني والقبضة العسكرية التي تمثلت في الاحتلال المباشر في الضفة الغربية، والاحتلال عبر الحصار الخانق في غزة، بحيث تحولت الأراضي الفلسطينية إلى مجموعة من الغيتوات.
هذا العدد من "مجلة الدراسات الفلسطينية" يضم محورين فقط؛ الأول: "غزة 2014، انتصار الصمود"، وفيه مجموعة من المقالات والتقارير التي تقرأ تجربة الحرب في غزة، ومعاني انتصار الصمود الذي صنعته المقاومة، علاوة على حوارين: الأول مع الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي رمضان عبدالله شلح، الذي يقدم قراءة للحرب من منظور إحدى الفصائل الأساسية للمقاومة، والثاني مع الطبيب الفلسطيني غسان أبو ستة، الذي ذهب إلى غزة وعمل في مستشفى الشفاء، وهو يقدّمشهادةإنسانية سياسية للحرب الهمجية التي تعرّض لها القطاع. أما الملف الثاني:"أسطورة ياسر عرفات"، فيتضمن شهادات عن التجربة الميدانية للزعيم الفلسطيني من خلال نصوص كتبها رفاقه في مراحل متعددة من تجربته كقائد وفدائي.
ويتكامل هذان المحوران ليؤشرا إلى ضرورتين:
أولاً، الوحدة الوطنية الفلسطينية وإنهاء الإنقسام، بصفتهما المعبر الإجباري إلى إعادة ترتيب البيت الفلسطيني.
ثانياً، بناء استراتيجيافلسطينية جديدة عمادها مقاومة الاحتلال بمختلف الأساليب الملائمة، وإعادة تظهير المسألة الفلسطينية بصفتها مسألة تحرر وطني، والخروج من الارتهان لتسوية سياسية باتت من الماضي، وصارت قناعاً لتحويل الاحتلال إلى واقع دائم.
أعادت حرب غزة تذكير الجميع بأن الشعب الفلسطيني واحد وقضيته واحدة، وأن تقسيم الشعب بحسب مهمات افُترض أنها مرحلية، لن يقود إلاّإلى الخراب والتفكك.
الوحدة الفلسطينية المشتهاة ليست عملية محاصصة أو تقاسم نفوذ، إنها وحدة يجب أن تستند إلى برنامج سياسي واضح، يعي أبعاد المواجهة الشاملة التي يخوضها الفلسطينيون مع احتلال عنصري يريد إبادتهم مجتمعياً وسياسياً من جهة، كما يعيد وضع القضية على خريطة الوعي الإنساني، باعتبارها قضية عادلة تستطيع أن تستقطب الرأي العام العربي والعالميمن جهة ثانية.
المسألة الأساسية التي كشفتها حرب غزة هي أن هذه الحرب لم تكن حرباً ضد "حماس" أو "الجهاد" وغيرهما من فصائل المقاومة، وإنما كانت حرباً شاملة على الشعب الفلسطيني وعلى إرادته وقدرته على البقاء. الطائرات التيقصفت غزة كانت تمهّد الأرض للمستوطنين في الضفة الغربية، وتسمح لأصوات العنصريين في أراضي 1948 بأن تستعيد لغة القمع الذي يتعرض له "الغائبون / الحاضرون" في أرضهم، بحسب التعبير الاسرائيلي، وتريد زرع اليأس في فلسطينيي الشتات الذين شعروا بعزلتهم، وسط هذا الخراب الشامل الذي يعيشه المشرق العربي.
وعلى الرغم من أن الإسرائيليين اقتنصوا الظرف الإقليمي والدولي، في حمّى الحرب الكونية ضد الإرهاب، من أجل إشعار الفلسطينيين بأنهم وحدهم، فإن الصمود الفلسطيني الأسطوري نجح في قلب معادلة الرأي العام العالمي بحيث عادت فلسطين لتحتل مكانتها في قلب الضمير العالمي، بصفتها قضية حق وعدالة.
يحق للفسطينيين أن يشعروا بالمرارة من محاولة النظام العربي والإقليمي التلاعب بألم غزة، عبر سياسة المحاور التي ضربت التضامن العربي وحوّلته إلى أشلاء. لكن هذه المرارة ستزداد عندما نكتشف أن ما تعانيه فلسطين اليوم على هذا الصعيد هو جزء من معاناة المشرق العربي مع التفكك وانهيار الحلم الديموقراطي الذي يحوّل بلاد العرب إلى فضاء يستبيحه طيران تحالف دولي غامض الملامح والأهداف، ويحوّل أرضهم إلى حقول للموت يتناوب على صنعها الاستبداد والتيارات التكفيرية.
من الموصل إلى الرقة، ومن كوباني إلى الرمادي، يواجه المشرق العربي خطر التفتت والانهيار والدخول في عصر الظلمات التي كان مؤشرها الأكثر وضوحاً هو حرف النون الذي بدلاً من أن يكون إسما للإنسان صار وسيلة لقهره، كما حدث في الموصل، ثم امتد إلى كل مكان.
خيار الصمود والمقاومة سيكون مؤشراًإلى قدرة الفلسطينيين على تحويل انتصارهم في غزة إلى علامة ضوء في هذه العتمة العربية، وسيساهم في قدرة المنطقة على الخروج من كبوتها.

2014-10-22