السبت 15/10/1444 هـ الموافق 06/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
العرب بل العالم أمتان والطريق واحدة*/بقلم برهان الخطيب

 الشعب آخر من يعلم، الربيع العربي مسرحية مُعدّة منذ زمن بعيد، عرضها الدموي متنقل من بلد إلى آخر، لتحقيق هيمنة وأرباح واستثمار عاطلين، مؤسسات المجتمع المدني حصان طروادة لإكمال الغزو الغربي، مخدوعون ومنتفعون يساهمون في إدخاله على الرقعة العربية المحاصرة، ترسانة الأسلحة العربية لأهداف غير عربية، ثروات الشعوب العربية بيد حكام على موائد قمار وعقارات في الخارج.. ذلك وغيره نسمعه ونقرأه بإعلام وتعليقات قراء على أخبار الشبكة، فالتة ربما من سيطرة رقيب، جوارها تنبيهات لعدم نشر تعليقات، آخرون يمارسون شتيمة بحرفية عالية وردود تثير نعرة دافعة إلى حروب فوق التي شاهدناها ونشاهدها، ذلك طبيعي ومصطنع في جو سوريالي نسمع ونقرأ فيه عن سير كوزي مثلا، لتغذية انتخابه أخذ خمسين مليون دولار من القذافي ثم يساهم في قتله، وطليان استقبلوا القذافي في الحضن ثم صادروا منه ملايين بعد تصفيته، ونائب دفاع استرالي يعبر عن أمنيته في ضرب العراق بالنووي، وكبير وزرا عربي يشتري شقة بمائة مليون دولار في نيويورك، وأطفال عرب يرمون إلى قمامة، وعن \"قادة\" محليين يهرعون أو يزحفون إلى العم سام أو نوابه كلما أعوزت مشورة، وسعودي يدعي الإيمان بالله ويدعو لإرسال السلاح إلى هائجين لقتل أخوته المسلمين، وغير ذلك وغير ذلك.. منه وغيره يمكن تبيّن عمق وسعة انحطاط بلغت إليه منطقتنا وأبعد قبل ذلك، ما يحدث هنا رد فعل غالبا على أفعال بعيدة هناك لا تحزن لاحتراق المنطقة، لا عجب، الأخلاق كانت وصارت آخر ما يفكر فيه ساسة يفكرون بجيوبهم أكثر مما بعقولهم، هنا ينقسم العالم إلى منخرط في حفلة كسب دموية أو.. نادرا.. إلى حريص على إنقاذ ما يمكن إنقاذه، بالتزام شروط الحرية وحدودها الإنسانية، درءاً لتشوه ذاته ومجتمعه داخل مجتمعات مبهرجة، منها معروف بالرُقي، منحط بفحص عن قرب إذ يُستخدم القضاء وأجهزة تنفيذية معلنة وخفية لتنفيذ مآرب لا علاقة لها بعدالة، ما يجعل الحالة هنا وهناك واحدة في الجوهر لمراقب، لعرضحالجي، لأديب، يصيح في فقدان حَول بمعنى غريب: أيها التأريخ الرب هذا هو حال تجسيدك، ابنك، العالم، في بداية العهد السعيد الموعود، يزرعه في أحشاء أمه، الجماهير، الرعية، الناخبين، ثوار ومكّار ومحترفو خلق وابتكار وإنكار، بمكائد وأسفار، ومنهم الحساب آت يقول شطّار، الفرنسي أنكر التمويل والآن يقتحمون عليه مكاتبه، ومصري شوهوه واسترأسوه و بدءوا ينتفوه، ألبسوه ربطة حمرا وخصمه الليبرالي زرقا، علم الحرية المألوف، وغدا يعود التيار المعروف، يتواصل المشوار حتى تهدأ الأخبار، تسود بدل الأسود أحبار، بينها حبر الطباعة الأسود متراجع الأهمية باتساع الشبكة العنكبوتية، والأسلوب: إلهاء بتفاصيل لتمرير أساطيل وتوزير مساطيل، لكن الأباطيل تُفضح وتنهض الشعوب وتدحض الأقاويل. إعادة إنتاج المشاكل والحلول نعم ثمة تأخر في منطقتنا وأبعد، مظالم تستدعي التغيير، ثروات تستجلب الطمع من الخارج والداخل، صراع لحل المشاكل، يقال بديمقراطية وباطنها يصير سرقة، تجنيد هذا وذاك لفئة مارقة، عامة الشعب تأكل هواء، ذلك ليس جديدا، منذ عقود تدوَّر ويُعاد إنتاج المشاكل والحلول، باستخدام أحزاب وتكتلات أقيمت لتخدم توجيه الصراع نحو مصلحة مؤسسين مرتبطين بأجنبي غالبا، عن مصلحة خاصة، بإكراه، أخيرا مصلحة الأجنبي، يترك لهم الأعمال الوسخة، تطويع عقول وإرادات الشعوب، وله الواردات وكلام النوايا النبيل عن الحقوق والحريات، مثيرا مشاكل سياسية فاقتصادية باستمرار في المنطقة، لتبقى عاجزة عن أخذ زمامها بيدها وكلامها هرطقة، تساعده في ذلك حثالة ساسة وقتلة ومثقفين يتحركون بمبدأ غلبة الواقع على المُثل، والحافز على الدافع، ومنهم من يتكلم باسم الوطنية والتقدمية أيضا، وقد يقال كما تفعل أنت، مع فرق أنا أدرك ما أقول وأتجنب الازدواجية، هم يبدون غير مدركين لأقوالهم بتناقض ذي شقّين، أمس مثلا حصلت محروسة على جائزة ثقافية \"رفيعة\" اليوم تتحدث عن \"المصريين والعرب\" واضعة جدارا غير مرئي بين المصريين وبيئتهم، بين مصريين ومصريين، لمصلحة منتفع من التقسيم طبعا، مع كيل الشتيم الدائم حسب المودة لقوى دينية وطنية أكثر منها في النتيجة، مِرسي لمُرسي يعالج الوشيجة، وآخر قبحه في وجهه ولسانه وقلبه يحصل على جائزة ركاكة ونجيب لا يجيب، يشتم الجميع، ناقص هو طبعا، يرمي وطنه كله إلى قمامة بحجة الاحتلال والعمامة، وهذه داعمة لوحدة الوطن والشعب وتدعو لاستقامة، في تكريس منه لإحباط وانحطاط وشذوذ، وهذا وزير خارجية كردي يتكلم بكل براءة عن \"الشعوب\" العراقية، وعن \"الشعوب\" السورية، يسميها بالاسم، وهي طوائف، صعودا على تسمية الشعب العربي بالشعوب العربية، والغالبية صامتة على مبدأ العيب ليس منا فلنسكت، لم يعد لكلام منصف جدوى، ضمن نسق رضينا بالبين والبين لم يرض بنا وصولا إلى رضينا بالعملية السياسية وهي لم.. الغرض واضح أيضا، استفزاز تأريخ منطقتنا غير وارد، فالتأريخ لم يعد ملك نفسه، يركبه الجميع، وكنت قبل سنوات عديدة كتبت بأن أوربا تسعى لقيام شعب متعدد الأعراق والأديان والثقافات أسوة بأمريكا، لكنا في العراق وسوريا وغيرهما في منطقتنا سبقناهما بأكثر من ألف عام، على هذا المقام، بقيام المجتمعات المتعددة الانتماءات الواحدة الولاء للوطن، حتى اليهود العراقيين ما كانوا يريدون الرحيل من العراق، رغم حرارة جو العراق وحلاوة جو المتوسط، رحلّوهم بتدبير وتخويف، لا زلت أذكر منهم نعيمة ـ نعومي تلجأ إلى بيتنا في الحلة الفيحاء، وغيرها تزوجن عراقيين للبقاء في العراق، فماذا يجعل العراق الآن طاردا حتى لأهله غير سوء ينزل فيه من خارجه، هنا صور من زيارتي الأخيرة للعراق، التقطتها بتلفوني النقال في مضيف الجنابيين، أنا وسطهم، بمنطقة جرف الصخر، المسماة المثلث السني، أيضا مثلث الموت، لكثرة حوادث مرت هناك، أهل المنطقة منها براء، بزيارة لأقاربي هناك لا أحد في المجلس سأل مَن شيعي ومَن سني، من عربي من كردي، الكل أبناء العراق الواحد، انهالت ذكرياتنا القديمة وأسئلة عما كان ويكون تعوض بعض خسائر حاضر مأزوم ومجد مدفون، كل المضايف كانت مغلقة إلى وقت قريب، حتى تبرع رئيس الوزراء المالكي من مال خاص علمت لمساعدة في فتحها، للم شمل الأصدقاء والمعارف القدامى من مختلف الأنحاء، لإعادة الحياة الحلوة القديمة الوضاء، وقد نجحت الفكرة، أعيد فتح أكثر من مضيف منها المذكور، وتمشيا مع تقاليد الكرم العربي المعروف أقاموا وليمة لمناسبة الزيارة، هنا ترى شيوخ الجنابيين وغيرهم مجتمعين حول خير العراق، الكؤوس الظاهرة بنهاية الصورة حاز عليها عميدهم الراحل اللواء نايف كصب الجنديل قديما، عن مباريات رياضية، من يد الملك فيصل، ثم من يد مؤسس الجمهورية قاسم، وغيرهما، رحمة على كل الطيبين. نتشورب أو نتأورب.. بطريقتنا يجب الاعتراف، ولو من أجل عيني الوطن، بأن الحال تغير بانسحاب المحتل، تنعدم الذريعة لحل مشكلات داخلية بعنف، في الخارج مَن يروج خفية وعلنا ضد ذلك ليكسب، سوريا مثال جديد، خلافه يتكرر الخطاب القديم القائم على فكرة أفضلية طرف على غيره، زد أوصل العراق إلى تمزق، من عهد إلى عهد، المساومة ليست دائما سيئة حين تكون بين مجموعة تقف على مشترك الوطن وقيمه، المالكي يبدي مرونة كبيرة إذ يرجع ضباطا وحزبيين قدامى إلى الخدمة، ومع امتلاكه الموقع والأتباع ورؤية صحيحة لتمشية البلد، متلخصة بعدم إثارة مشاكل في المنطقة، يبقى على المعارضة متمثلة بالدوري والضاري ورغد وغيرهم الاقتراب بخطوة جريئة إليه، في خطة لرفع شأن الوطنيين عموما، وإلاّ بقى الشعب يدفع الثمن خرابا، دع عدم قدرة أي طرف على القفز على باقي الأطراف ولا المضي وحده على درب الاستئثار بالسلطة القديم، الظهر يكون مكشوفا، والمؤمن لا يلدغ من جحر الفُرقة مرتين، يتعلم ساستنا درس السياسة الأول هذا ينجون، ليو شاو شي قالها قبل نصف قرن: التناقضات داخل صفوف الشعب ثانوية، مع خارجه أخطر، يعني وجوب التعامل مع الوطني أيا كان مشربه، فكيف وكل الشيعة والسنة والمسيحيين والتركمان والكرد المتفتحين حماة الوطن، أهداف جمع الشمل موجودة، لا يتحقق لمطامع ووساوس خاصة في الصدور وعامة في العقول، يُؤلب هذا على ذاك، وقت يجب نسيان ما يفرِّق من الماضي وتذكر دروسه الداعية لالتحام، هكذا ارتقت الصين وأوربا وروسيا اليوم، لا نبقى نراوح على ظلالنا ونُقتل، يستمر الإضعاف، يجب النظر في وجه الآخر والمضي معا على طريق جديدة. تلك خطوة لا لبناء الوطن فقط، ولا لبناء المنطقة فقط، بل ولإكمال بناء العالم صحيحا. نعم، كيف هو البناء وممن، ذلك سؤال مهم، بناء هرمي عليه كاهن يوزع كرامات حسب القرب والبعد إليه؟ أو بناء أوطان لكل منها خصوصية ومواطنون متكافئو كرامة وفرص عيش؟ النمط الأول يتطلب من الفرد الامتثال، بإكراه ولو مقنع عند رفض، تقبيل اليد، الثاني يوجب الاحترام المتبادل والتفاهم والاتفاق، وإلاّ ما قام النظام. بعضهم يقول إن الفروق بين البشر تنعدم على المدى الأبعد، يلغونها حتى بين الرجل والمرأة، ولتنشطر العائلة لا يهم، بدل الثلاجة تباع ثلاجتان، المغزى من ذلك ملائم لسعي شركات تبغي توسيع إنتاجها، جعل المودة من الملابس والسيارات والطعام إلى الأفكار حصرا لا على نخبة فقط، بيع أكثر أرباح أكثر، مقابل ذلك هناك من يقول للحرية حدود، للكائن خصوصية، الاختيار حسب المودة ليس خيارا بل هو نوع من فرض، رض للشخصية، لنا شأننا، لا تتدخلوا فيه، بدوي، هندي، روسي، صيني، نريد البقاء كما نحن، نتشورب أو نتأورب بطريقتنا، لا نريد إسترجال المرأة، ولا عنجهية الرجل عليها، ولا انشطار العائلة، ولا تشيّؤ الإنسان. إذاً التقدمية والرجعية نسبية، لا توجد أهداف نهائية للتأريخ، نحن نضعها بإدراكنا ورغباتنا، الاختلاف بين الأطراف موجود ومطلوب، لنستمتع بالتنوع، وأما محاولة حله بقوة، بمكائد، فذلك يسبب الحروب، غافلون يخسرون في النهاية، الاختيار للسادة، الرعاع يركضون يمينا متصورين اختاروا يسارا، ثم يركضون يسارا متصورين لا زال يسارا، وهكذا دواليك.. يخلق المشكلة وحلها لمصلحته حضرة الوزير يقول كما رأينا: شعوب عراقية، شعوب سورية، تأكيدا لنزعة تقسيم تُعزف بجميع أنواع التقاسيم، لا يقول مجتمعنا متنوع، ينبغي تنظيفه، ووزير خارجية آخر يدعو لإطلاق سراح معتقلي \"الرأي\" في سوريا بينما في بلده منهم كثرة، كلمات وزراء بمؤتمر المشكلة السورية المنعقد بالقاهرة بداية يوليو ثم بنصرة باريس تبدو لمدقق قد كُتبت بذات القلم، ذات المفردات والأفكار، حتى الأفندي التركي تكلم عن الرؤى، عن الأطياف، حسب ما أوردها المترجم، ما يؤدي لاستنتاج بأن الغرب يخلق مشكلة ويحاول حلها لمصلحته مستخدما أدوات حجرية سمراء عندنا وبرونزية شقراء عنده، بنظرة أكثر معاصرة يبدو الحال تكرارا، نوستلجيا، لأزمنة صيد الساحرات في القرون الوسطى، تُمارس اليوم وراء هذا الرئيس العربي وذاك، خلفه رعاع وثوار يهزجون احرقوا الساحرة، ذلك يظهر من تعليقات دموية صريحة بشريط أخبار قنوات بكل جلاء.. سنحرق، سنشنق، سنقطّع.. ويدعون لتنازل لهؤلاء! والموضوع باختصار إن القادة الذين أطيح بهم، ورغم خدماتهم الطويلة للغرب، ظلت فيهم حنية على شعوبهم، تكونت بعض حكمة لديهم مع الوقت، لتكوين تقارب جغرافي يجمع إيران وتركيا والعرب يساعد في تطوير المنطقة، ذلك يلقى هوى عند ذوي ثقافة عريقة كالروس والصين، وبتصور ضيق يهدد الغرب، في الأقل بتصور سيطرة غيره على الثروات والمركزية، حرمانه من امتيازات، تثور الأعصاب، السيد يجيد السيطرة عليها، الوصول إلى هدفه من غير تلويث اليد، القفازات موجودة دائما، الرشا حاضرة، وإلاّ العصا الحامية. منتصف الخمسينات الماضية أمم عبد الناصر القناة فشنوا حربا عليه ما انتهت عمليا سوى برحيله البطولي، وفي الستينات أسس قاسم شركة النفط الوطنية ونوى كشف بعض الأسرار فقلبوها عليه وانتهى بطلا مثاليا أيضا، ثم قلبوها حتى على من ساعدهم في التخلص من قاسم، أي صدام، لتأميمه النفط، لتعملق، والأمثلة كثيرة على إن \"قوى الخارج تريد إبقاء المبادرة بيدها\".. وتنجح في ذلك إذ يتشتت الوطنيون ويضرب بعضهم بعضا سعيا لسيادة فردية. قبل بدء الربيع العربي، في حديث مع صحافي أجنبي لا أذكر اسمه، سألني رأيي عن بعض القادة العرب ومنهم مبارك، أعطيته تقييما موضوعيا لهم بتصوري، القذافي تحول من مشعل حرائق إلى مطفئ حرائق، بن علي يحرص على الثقافة والتقارب العربيين، وعن مبارك أخذته إلى معنى معين: يستعمل مفردات عامية أحيانا تعني الكثير.. سألني الصحافي: كيف؟ قلتُ بحديثه قبل أشهر في ذكرى حرب أكتوبر استخدم كلمة ظريفة: حلّقت بطيارتي و \"رقعتهم\".. بعد يوم أو يومين من ذلك بدا أن كلمة \"رقعتهم\" أثارت استياء الجانب الآخر، وربما احتج على ذلك، فقد ظهر بالتلفزيون المصري إعلامي مصري رسمي معروف حاول التخفيف من وقع تلك الكلمة، التي تعني ما تعني يدري القارئ، حاول تلطيفها قائلا: تصدر أحيانا كلمة غير ملائمة تماما حتى من الريس، ذلك ممكن.. وأنهيتُ أنا ردي على الصحافي، وسكت هذا طويلا حتى قال: بسبب تلك الكلمة بالذات \"رقعتهم\" سوف ترى ما يحدث له قريبا، والتغيير سوف يحدث، لكن لا كما ذكرتَ بنهاية روايتك الجديدة: من الشارع، بل من مكان آخر مختلف تماما. الاستئثار بالقوة أو احترام المقابل دهشتُ من رد فعل الصحافي المتوتر، تصورته يثرثر عن انفعال، روايتي حينها وشك النشر في المطبعة، من أين درى الصحافي ما كتبته فيها؟ نظريا لا أدري، عمليا لا أسرار بين أصحاب المهنة خاصة الناشرين ومموليهم، ثم صدرت الرواية تجريبيا بأعداد قليلة قبل بدء الربيع العربي 2010 وبعده بداية 2011 تم النشر، كتبت لاحقا في العرب الدولي عن تفاصيل ذلك، وذكرت بأن روايتي \"على تخوم الألفين\" تتكلم في الخاتمة عن تغيير قادم من الشارع.. ثم جاء التغيير في الواقع، مزيجا من توقع الرواية ومن معلومة ذلك الصحافي الاستباقية للأحداث، لنقل من ساحة تحرير، كذلك تنوعت طبيعة الربيع العربي، ناس تجر نحو الغرب، ناس نحو الشرق، ذلك طبيعي، لكن الواقع يفرض نفسه أخيرا حتى على مكيدة دولية، وربما تهيمن المكيدة طويلا. اليوم أعلنوا عن اتفاق خفي في الماسبيرو على ترتيب طويل الأجل لتشويه صورة الرئيس المنتخب مرسي، في دورة جديدة من ألاعيب الإعلام، وإتمام إخراج الأفلام.. هكذا يبدو الحال.. حتى لغير محتال. الذين أقاموا الربيع العربي، قادة، منظرون، غير الذين قاموا به، ثوار، ومنهم رعاع، مستفيدون. أولئك نسوا نحن نكتب من اليمين إلى اليسار، وقد كتبوا لغتنا نعم، الثورة، لكن كما في الغرب: من اليسار إلى اليمين، النتيجة نص شوارعي غير مفهوم تماما، لا هنا ولا هناك، شئتَ فهمه اقرأه بالمقلوب، وقد تستنتج كلمة حق يراد منها باطل، كلاهما نسبي.. أوكي، عسى أن لا تكون النتيجة إجهاض أحلام الشعب العربي في التغيير والبناء، والمزيد من مكاسب للاعبي سياسة، أما المتفرجون، الشعب، فله التصفيق والحزن على الأرباح والخسارة، يحققها هذا الطرف على اليمين، ذاك على اليسار. بعد انتهاء لعبة هذا العصر والعصور الآتية يقال للشعب أنت غير مدعو للوليمة، لماذا تدس أنفك في منطقة الأضواء، اذهب كل \"حو\" في خرائبك، دعنا مع مشاكلنا في قصورنا، نفكر ماذا نفعل بالملايين من البشر والدولارات، المعترض حسابه عسير في الدنيا قبل الآخرة، السيدة كلينتون تريد معاقبة كل الصين وروسيا لدعمهما عنان، وهي ما قدرت حتى الآن على تطويع طالبان، ولو تطبيقا بمبدأ الأكثر عدوانية يفوز، لكن بين وعلى قطعان، كذئب بين معيز وحملان، فماذا ينتظر الإنسان لو ساد العداء حقا فوق كل البلدان، مصادرة خطاب الثورة ومسخ الثوار لخرفان، صناع الثورة الحقة إلى نسيان، أحلام الإحباط والجوع والظلم والامتهان إلى بهتان، وبقية النوائب النازلة بتغليب الجشع على التآخي تُعرض حكاية نقضان، الاستئثار بالقوة بلا احترام المقابل هو الذي يقيم البنيان، والبداية من تفتيت الخصم في خانات وخلان، مصر دعوها لا تقترب إلى إيران، تركيا خلوها في إمرة أردوغان، دور حصان طروادة افتضح لكن يبقى البهلوان، الشيعة والسنة حذار تفاهمهم خاصة مع البعث والأخوان، تكون لهم البيعة والرهان، نحن الأحرار ندري ما نفعل، وليكن من غيرِ برهان.. في الآونة الأخيرة تتسارع تصريحات وإشارات دالة إلى \"خطر\" متزايد على المنطقة العربية وما حولها، كل واحد يحدد مصدر الخطر حسب ميله، على من بقى له ضمير قول كلمة سلام، يصادف ذلك بيع لوحة \"الصرخة\" بمبلغ خيالي، المهم في الخبر لا المبلغ كما تروج منابر الإعلام بل توقيت الصفقة، المعلوم حين تبرز هذه اللوحة الرائعة المشئومة فوق شريط الأخبار يعني هناك نذير حرب كبيرة، توقفت أمامها في متحف عام 1975 مذهولا بتأثيرها وقتا يمتد إلى اليوم، هي جرس إنذار من نوع خاص، ملائم تماما للأجواء حولنا وفوقنا. في العراق، سوريا، مصر، إيران، وأبعد مشاكل لا يصطنعها شعب حتما لنفسه، لا شعب يريد الخراب لنفسه، بل ولا الحكومات هنا وهناك، لا حكومة غير مأجورة تغفل عن مصلحة الناس، يعني هناك هجمة حقيقية لتطويق وتطويع المنطقة لمصلحة أجنبية، بقوى غير مرئية، مستندة على قوى في الداخل، منها إعلامية، زد طائفية، شوفينية كردية، لها الأسباب طبعا للارتماء في أي حضن من أجل مكاسب آنية، متناسية ما ينتظر الجميع في حال تفككت دول المنطقة، ذلك هو ملخص ما يفكر فيه على مواقع الشبكة ناس قلوبهم على بلدانهم، يقابله كم آخر أكبر بتعليقات وتصريحات يشتم ويكفر ويعربد ويحلل، كما رأينا من الهجوم على وزارة الدفاع المصرية وغير ذلك، طالبا الخراب والوقيعة بين الجيش والأخوان، بين شيعة وسنة، بين دينيين وليبراليين، بين دولة ومواطنيها، بين جار وجار، بذريعة التجديد، وقت لا يمكن حسبان ذلك أقل من محاولة انقلابية مفضوحة، التغيير مطلوب نعم، لكن لا فوضى، لا تركيع، لا نحر أمة من محيط إلى خليج. كابح رابح إدراك ذلك من ملايين العرب الأذكياء النجباء، في قصر فسيح أو كوخ كسيح. المغامرة لا تؤدي إلى استقرار الكلام الرصين يكاد يضيع بين دعوات قتل متصاعدة، قبل قليل استلمت من كاتب على مكان الحدث خبرا عن خطف وتصفية على الهوية، وربما دسوا الخبر إليه وهو أرسله إليّ عن نية طيبة، الخبر يخلق بلبلة وضغينة، ابن البلد لا ينكل بابن بلده مطلقا، رأي التصالح يضيَّع على مواقع الكترونية، في معركة رأس حربتها الإعلام، تشوه حقائق، ترغِم القراء على تبني أفكار على الضد من مصالحهم، تُخلق حالة يكون فيها الجميع ضد الجميع، بعد ذلك قيادهم أسهل من خرفان، إلى حيث يقرر نيابة عنهم مَن يمسك بيده السوط وخيوط لعبة. والتعويل على أصحاب تجربة سياسية نزيهة، لتقديم رؤية إلى بر أمان، معظمهم في فخ أفكار فاشلة، لا عن عمى بل عن تعصب، لأفكار قديمة أوصلت المنطقة إلى الحال البائس، بمقالات تحريضية في الجوهر، منها في صيغة التباكي على الأوطان، أو يائسة، تيئيسية، تتخذ شكل دفاع عن وطن. كلمات تنوير حقيقية تجدها لو نشرت بأماكن لا تلفت النظر، للإعلام اليوم دور قتالي هادئ، لتجنيد المواطن في معركة من غير أن يدرك ذلك، بعض المتنورين الذين عليهم تعويل يؤجج النار، عن إغراء في مكسب سياسي أو غيره، عزة الدوري يريد التصدي لإيران وأمريكا وأكثر من نصف العراق بألف أو أكثر من مقاتليه، صحيح التفاهم مع حامية العم سام قد توفر المزيد، في صور مختلفة، لكن الماضي انتهى أستاذ عزة، علينا حل مشاكل اليوم من نظرة نابعة من هذا اليوم، تريد الحكم وطنيا مد يدك لوطنيي المرحلة الراهنة والماضية، لكنا نسمع عن اقتراب ساعة صفر، قد تبدأ بمغامرة هجوم أو اغتيال هنا وهناك من مجموعة أو دولة ستخسر من ذلك أكثر مما تتوقع، العامل البشري والجغرافيا والعقيدة الآونة حاسمة أكثر من الحديد، فلا حل لمشكلة المنطقة سوى بتغليب الحل الوطني ولذلك تفاصيل كثيرة، منها إجماع الأحزاب على استراتيجيا فوق الحزبية وإعلانها، أول بنودها لا عداء مع جار، لا سعار من مسعور في شمال أو جنوب نحو العاصمة، مركز القرار والاستقرار، نوايا حسنة يفسح لها الحوار، قبل ذلك وقف العنف، بعده وقف التبعية للأجنبي والتصالح معه. العملية السياسية تشعبت وهي أجنبية بالأصل تفرز المالكي ومرسي والإصلاح السياسي في سوريا تيارا وطنيا، الحملة ضدهم دليل وطنيتهم، خلال ولايتيه حرص المالكي حسب قدرته على وحدة العراق وبناء الدولة، لو أوتي المزيد من قدرة، بخفض منسوب المشاكل المفتعلة ضده، حقق المزيد للبلد، فلا مبرر لخوف منه، كذلك حال مرسي والإصلاح السوري الوطني، الخوف من رياح على السفينة من خارجها، ما تزال تحاول قلبها. في العراق الآن نزعتان، كما في بقية الأمة، توسيع طريق الحكم بائتلاف وطني.. أو الانفراد بها استعانة بالأجنبي مجددا، استقواء بالخارج يشق الأمة أمتين، لكن تبقى الطريق واحدة إلى أمام، النتائج معروفة لكلا المسعيين لذوي عقل. ينهض تساؤل: العرب أمتان والطريق واحدة قدرنا؟! الرد: العالم كله أمتان والطريق واحدة، أحداهما تريد أن تكون كما هي، تتطور بشروطها، والأخرى تريد أو تُدفع للالتحاق بغرب فنطازي، لتحقيق أسرع النتائج، الحرية ظاهرها، باطنها مستقبل غامض. رأي مضاد يعلن تقسيم منطقتنا الفالتة من أيدينا بين سنة لأمريكا وشيعة لروسيا، يُضرب المسلمون بالمسلمين، الصقر والدب يتفرجان على حفلة ويكسبان من بيع مخالب زائدة فيها. آخر مضاد كسينجري أو فنجري يقول: لا، صراع الصقر والدب مستمر حتى يحسم عند المحيط الهادئ بعد تجاوز أو ذبح الشرق الأوسط طبعا، فالعم سام جعل الأفغاني حليفه خارج الناتو وانتقل لباكستان يصالحه ليُسمع إيفان: تسد علي باب سوريا أفتح عليك باب خيبر إلى أوزبكستان. آخر يقول: هناك طبخات تحت الطاولة، اليهود في النهاية يستعيضون لاستكمال الحماية عن الأمريكان بالروس، العم سام مريض وإيفان أقدر على فرض السلام هنا، آخر يهزأ: سام لا يمرض، كلف صديقه بالجزيرة لشراء صواريخ نووية من الصين، رشوة لها للتخلي عن بشار وأيضا للتعرف عن قرب على أعاجيبها استباقا لنزال، ويقولون ويقولون، كلهم يقولون.. سوى العرب، فهي تؤمن بحكمتها: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب.. خاصة الدائم إلى الأبد.. لكن صبيا عربيا لا يعرف قيمة السكوت يتساءل: لماذا لا يتفق الشيعة والسنة، الدينيون والعلمانيون، العرب وغيرهم هنا، على تحريم القتل حتى خارج الأشهر الحرام، فيسود وئام، وننعم بخبز وفاكهة ولحم نعام وأنعام؟! الجواب لكم أيها الكرام إذا لم يأخذكم الكرى معه إلى ظلام.. ـــــــــــــــــــ *

عن صحيفة العرب الدولي ـ دراسات.
[email protected]

2012-08-05