الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الضربة الجوية المصرية ضد داعش في منظور الآمن القومي والدولي / الدكتور عادل عامر

أن الضربة التي وجهتها القوات المسلحة ضد داعش حق مشروع وشرعا لها للرد على عملية ذبح المصريين في ليبيا. لان الضربة الجوية التي نفذها الجيش المصري والتي استهدفت معسكرات ومناطق تمركز وتدريب ومخازن أسلحة وذخائر تنظيم داعش الإرهابي بالأراضي الليبية، تعني أن القوات المسلحة قادرة على الرد وأن كل شيء مرصود، ورسالة طمئنه للشعب المصري أن قواته المسلحة جاهزة ولحماية مصر وشعبها.مع العلم  أن مصر لن تستدرج للحرب خارج أرضها ولكنها ستوجه ضربات موجعة للإرهابيين لتثبت هيمنتها وقدرتها على حماية أمنها وشعبها

لان هناك ضربات أخرى قادمة ستوجه لهذا التنظيم الإرهابي خاصة أن القانون الدولي يقول بتتبع الإرهابيين المؤثرين على الأمن القومي ولو كانوا خارج الدولة. لان مصر لها كل الحق في الدفاع عن النفس والعمل مع الأطراف الإقليمية والدولية المسئولة للقضاء على عصابات الإرهاب. فقد استخدمت حق الدفاع الشرعي المسموح به في القانون الدولي، وميثاق الأمم المتحدة، وفقا لمادته "51"، وكذلك ميثاق الجامعة العربية. يشكل الحق في الدفاع الشرعي إحدى الاستثناءات التي تمثل خروجا عن مبدأ حظر استخدام القوة المنصوص عليه في ميثاق الأمم المتحدة بموجب المادة 51 منه ، والتي أقرت للدول المعتدى عليها بحق رد العدوان أما منفردة ( الدفاع الشرعي الفردي ) أو بالتعاون مع مجموعة من الدول تحت مظلة مجلس الأمن

أن القوات المسلحة المصرية رفعت درجة استعدادها على الحدود الغربية مع ليبيا، قبل بدء  الغارات التي نفذتها المقاتلات المصرية على أهداف تنظيم "داعش" الإرهابي في درنة أن قاتل المصريين في ليبيا يدعى "أبو طلحة التونسي" وهو أمير منطقة سرت التابعة  لتنظيم "داعش" الإرهابي، وقد تولى إمارة سرت عشية تنفيذ جريمتها بحق 21مصرى، والتي وصفها بالشنعاء.

أن ليبيا أصبحت مرتعًا للمتطرفين في ظل غياب دولة القانون مما يؤثر سلباً على الجنسيات الأخرى والشعب الليبي، لذلك نطالب الحكومة المصرية سرعة إجلاء العمالة المصرية من ليبيا إلى أن تستقر الأوضاع. لان عدد القتلى في صفوف تنظيم داعش الإرهابي جراء القصف الجوي المصري وصل إلى نحو 253 قتيلًا".

أن  6 طائرات من طراز "أف 16" من القوات الجوية المصرية، قامت بواجب غير عادي، ودكت حصون"داعش" في درنة من مستودعات للسلاح والذخيرة ومراكز للتدريب الآن الدواعش يخرجون من جحورهم كالفئران".

فقد أكد بيان لتنظيم داعش الإرهابي في ليبيا أن الدماء التي أسالوها بذبح 21 مواطناً مصرياً لن تكون الأخيرة. واعترف دواعش ليبيا، في بيان على موقعهم الرسمي على توتير، بالعلاقة الوطيدة بينهم وبين الإرهابيين في سيناء. وأكد بيان داعش في ليبيا أن الضربة الجوية المصرية على مواقعهم لن تمر مرور الكرام على من وصفه "فوارس سيناء"، وقال: سنسمع شيئاً قريباً بإذن الله، حسب ما جاء في بيان التنظيم الإرهابي.

ويفضح بيان داعش في ليبيا العلاقة الوثيقة بين إرهابيي ليبيا وسيناء، ويكشف طبيعة التهديد الذي أطلقه من قبل القيادي الإخواني محمد البلتاجي عن توقف ما يحدث في سيناء إذا تراجع السيسى عن الانقلاب، حسب قوله من على منصة رابعة. يّذكر أن جماعة فجر ليبيا التابعة لجماعة الإخوان الإرهابية قد استنكرت الغارات المصرية على أهداف داعش.

ذا تحد مفتوح يتصل مباشرة بالحرب الضارية في سيناء وتوجه معلن لتشتيت طاقة الجيش المصري وإرباك أولوياته. أي حديث عن قرب حسم هذه الحرب يفارق الحقائق على الأرض، فالمواجهات شبه يومية واستهداف الضباط والجنود لا يتوقف والعمليات الإرهابية النوعية متوقعة في أية لحظة رغم الجهود والتضحيات الهائلة التي تبذل. مسرح العمليات في سيناء جزء من حرب أوسع مع الإرهاب تشمل المنطقة بأسرها، لا هو كل الحرب ولا هو منعزل عن مسارحه الأخرى. هناك فارق جوهري بين التدخل والتورط، فالأول عمل سياسي بالقوة يدرك أين يبدأ ومتى ينتهي ويعرف وسائله المناسبة لتوصيل رسائله وهو بشروطه يكتسب ضرورته.. والثاني دخول بالسلاح في المستنقع بلا أفق للخروج منه وهو بمخاطره مغامرة مكلفة لا لزوم لها.

إذا ما يقوم به داعش يذكرنا بفترة الحشاشين التي تكلم عنها التاريخ ، فهناك تشابه بينهم كبير يصل إلى حد التطابق ، فالجماعات الإرهابية تتشابه في أنظمتها بغض النظر عن المذهب التي تتبعه ، حيث يقوم نمط الحكم فيها وفكرها على تفسيراتها وتصوراتها أكثر من تطبيقها لنظام إسلامي محدد ومعروف ، فهي تقصي كل من خالفها الرأي فكريا وسياسيا واقتصاديا وأخلاقيا وحتى امنيا ، وتعتبر إن ذلك خروج على العقيدة والدين ، ومن ثم إقصاء من خالفهم سواء كانوا( مسلمين أو غير مسلمين أو من النساء أو حتى الإسلاميين أنفسهم) ، تلك هي سياستهم ومفهومهم وفتواهم ، فداعش صنيعة مخابراتي بامتياز لن تستقيم مواجهتنا الحاسمة لدواعش مصر (أي جماعات الإرهاب المسلح)

إلا بالانفتاح الجدي مع الدولة السورية والدولة الليبية والعراقية في مواجهة (داعش) الموجودين لديهم ، خاصة أنه قد ثبت يقيناً أن ثمة تواصل تنظيمي واسع النطاق بين تلك التنظيمات ، وهنا لا داعي للابتعاد بحجة الدعم الخليجي المالي الذي تختلف نظرته وسياساته عن رؤية مصر للأزمة السورية والمؤامرة الدائرة عليها ، إن الأمر بات يتصل بأمن مصر القومي الذي يتهدد يومياً ، وهنا لا مجاملة ولا إخفاء للرأس في الرمال.

إن داعش مصر هي امتداد لداعش سوريا ، وإنقاذ الدولة السورية من المؤامرة الأمريكية/الإسرائيلية – الداعية عليها ، سيمثل إضافة مهمة لمعركتنا ضد (الدواعش) الإرهابيين في بلادنا ، وكذلك الحال بالنسبة لليبيا التي ستسمر جماعات الإرهاب بها (خاصة في درنة والجبل الأخضر) أحد أبرز المهددات لأمن الساحل الشمالي المصري خلال الشهور القادمة .

إن هذا الأمر لم يعد يحتاج إلى انتظار، ولكن إلى قرار وإستراتيجية ومبادرة، تتسق والدور الإقليمي التاريخي لمصر ولحاجة أمنها القومي لان الدول تامة السيادة: هي ذلك المجتمع السياسي الذي تجتمع فيه لدى الهيئة الحاكمة كافة مظاهر السلطة من داخلية وخارجية بحيث لا يعلو على سلطتها سلطان فهي صاحبة الأمر والنهي على أرضها وسكانها ومواردها، ولها استقلالها التام عن أية سلطة خارجية ورفضها الخضوع لأية جهة أو كيان دولي سواء كان دولة أم منظمة دولية من بعد أصبحت ليبيا دولة ذات سيادة منقوصة التي لا تتمتع باستقلال كامل في مباشرة سيادتها الخارجية أو الداخلية أو كليهما معاً، وذلك لخضوعها لسيطرة التنظيمات الإرهابية المختلفة  ممارسة السيادة عوضاً عنها، أو أنها تمارس السيادة على جزء من أرضها دون أن تمتد هذه السيادة على جميع أجزاء الإقليم، مما يترتب على ذلك مشاطرة دولة أخرى لها في ممارسة سيادتها الخارجية أو الداخلية أو الاثنين معاً، وهذا ما يميز الدول ناقصة السيادة عن الدول منعدمة التي لا يتوفر فيها الركن الثالث من أركان الدول، أي لا توجد فيها حكومة أساساً، كالأقاليم الخاضعة للاحتلال المباشر حيث تتولى إدارتها الدولة المحتلة، أو من قبل التنظيمات الإرهابية الغير شرعية

أن هذه الأزمة تعتبر اختبارا جادا للوفاق الدولي الجديد ذلك لان إقرار الشرعية الدولية بشكل كامل وصحيح وعن طريق حل جماعي منسق في إطار مجلس الأمن يفرض على جميع الأعضاء الخمسة الدائمين بمجلس الأمن أن يتخلوا عن أي أهداف ذاتية في سبيل إقرار هدف دولي مشترك واحد هو إقرار الشرعية الدولية واستعادة السلم والأمن الدوليين إلى نصابهما والقضاء علي كافة التنظيمات الإرهابية للإنسانية جمعاء. وفي ضوء هذه الاعتبارات تبدو الأمم المتحدة والتكتلات الإقليمية مدعوة إلى أدوار إنسانية من شأنها تجميل التنظيمات الإرهابية الغير شرعية  ومدّه بـ " شرعية " فعلية فوق قانونية . ولا شك في أنّ فشل المجتمع الدولي في إجازة " حرب شرعية " بتحالف دولي حقيقي يؤدي إلي استقلال الوطن وحرية المواطن والإنسان والتحرر من السيطرة الخارجية
*الدكتور عادل عامر
*
*دكتوراه في القانون وخبير في القانون العام
*
*ومدير مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية والاقتصادية والاجتماعية
وعضو بالمعهد العربي الاوربي للدراسات السياسية والاستراتيجية بجامعة الدول
العربية

2015-02-16