الإثنين 17/10/1444 هـ الموافق 08/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
التمرد الاقتصادي على إسرائيل/ بقلم د. مازن صلاح العجلة

في سياق القرصنة المالية والاقتصادية الإسرائيلية، وفي إطار استمرار الضغط السياسي على السلطة الوطنية الفلسطينية، يأتي تصريح د. محمد مصطفى  يوم (1 مارس) عن إمكانية التمرد اقتصاديا على إسرائيل كما تمردنا سياسيا، حسب أقواله. وفي معرض شرحه للفكرة يقول إن الحكومة تعمل على صياغة إستراتيجية اقتصادية جديدة تجمع الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة وأراضي 48 والشتات لبناء اقتصاد مستقل وإعادة صياغة العلاقة مع إسرائيل. وهذه الإستراتيجية ترتكز على ثلاثة عناصر أساسية أولها وأهمها، إعادة صياغة العلاقة الاقتصادية مع إسرائيل باتفاقية مختلفة (عن اتفاقية باريس) تقوم على حرية التجارة وتضمن التوازن معها والانفتاح على العالم، إضافة الى تنفيذ برنامج إصلاح اقتصادي يدعم الإنتاج وبرنامج استثماري فاعل.
نحن إمام تهديد واضح بالتمرد الاقتصادي على إسرائيل، والمفارقة الغريبة هنا أن إسرائيل هددت في يونيو 2011 عشية توجه فلسطين الى الأمم المتحدة، بـأنها سوف تتراجع عن كافة اتفاقياتها مع السلطة، بما فيها أوسلو إذا أصر الفلسطينيون على الذهاب الى الأمم المتحدة. إسرائيل لم تنفذ تهديدها لاعتبارات مصلحية وإستراتيجية. فهل تستطيع السلطة أن تفعل ذلك؟ هل تملك الأدوات السياسية والاقتصادية اللازمة لذلك؟ وقبل كل ما سبق هل هناك جدية في هذا الطرح؟
ما يثير الاستغراب والدهشة في حديث الدكتور مصطفى، رغم أهمية طرحه وتوقيته الملائم على الأقل على المستوى النظري، أنه لم يبقَ صوت اقتصادي أو سياسي، بما فيها الرئيس نفسه، إلا وطالب السلطة بإلغاء اتفاق باريس أو إعادة النظر فيه، كحد أدنى. وكان رد فعل السلطة واقعيا عدم الاهتمام بهذه المطالب، بل وعدم التفكير حتى في ابتكار أدوات جديدة لمواجهة هذا المنهج الاستعماري سوى التكيف مع الواقع المتولد عن مزيد من القمع الاقتصادي، بمزيد من طلب المساعدات والقروض اقتصاديا، واستصراخ العالم ومؤسساته العاجزة والمتحيزة سياسيا.
لقد كان هذا هو واقع الحال منذ سنوات طويلة، رغم أن إسرائيل مارست كافة أنواع القمع السياسي والاقتصادي ضد السلطة بمنهج استعماري صهيوني يستند على علاقات السيطرة والتبعية التي أفضت الى حالة من اللاتنمية والنمو المتعثر المعتمد على الإنفاق الحكومي والمساعدات الخارجية، والإفقار الشديد اقتصاديا وعجز ويأس سياسي عميق.
تعاملت السلطة وكثير من الأطراف الفاعلة مع إسرائيل بمنطق السياسة التقليدية التي تناسب دولا ذات سيادة، وأصرت على غض الطرف عن استخدام إسرائيل للمنهج الاستعماري الصهيوني الذي يتبدى في الاستيطان واستغلال الموارد ومصادرتها وحرمان الفلسطينيين أصحابها من حقهم في استغلالها والانتفاع بها. ولم تستطع بأدوات السياسة التقليدية أن تجد أية حلول للقرصنة الإسرائيلية المستمرة، بحكم قوة السيطرة الصهيونية التي ترتبت على نهجها الاستعماري.
أرجو ألا يُفهم مما سبق معارضتي لما طرحه الدكتور مصطفي من إمكانية التمرد الاقتصادي على إسرائيل بإستراتيجية اقتصادية جديدة تعيد صياغة العلاقات مع إسرائيل كعدو، إنني أرى ذلك ضروريا، بل لا أجد نفسي مبالغا لو قلت أن ذلك أصبح خيارا وحيدا أمامنا في ظل هذه القرصنة الإسرائيلية.
غاية ما في الأمر، إن كل المهتمين يتمنوا أن يروا أن هناك جدية ووضوح في الرؤية تمكن من تنفيذ مثل هذه الإستراتيجية، التي قد لا نتفق معها تماما، إذ تهدف الى ضمان التوازن مع إسرائيل ولا تسعى الى التخلص النهائي والتدريجي من هذه العلاقة.
لا يخفى على متابع أو مهتم، كيف إن إسرائيل بمنهجها الاستعماري قد أحكمت قبضتها على الاقتصاد، وما حجز أموال المقاصة الفلسطينية للشهر الثالث على التوالي، إلا أول الشواهد وأوضحها على ذلك، ناهيك عن سيطرتها على التجارة الخارجية والسياسات النقدية والمالية، وقبل كل ذلك على الجغرافيا بمعالمها الرئيسية المتمثلة في الاستيطان والحدود والمعابر.
انطلاقا من هذا الواقع الصعب والمعقد نبدي الدهشة والاستغراب، إذ أن الخروج من إسار هذه التبعية المحكمة والمضبوطة بمؤسسات وقوانين وقرارات، ، وهو مطلوب كأولوية اقتصادية، يحتاج الى جهد نافذ ودءوب، طويل المدى، ويتطلب تغيرات عميقة ومهمة في البنى والعلاقات على الصعيد الداخلي والخارجي. إن هذا التوجه لا بد أن يستند الى نهج مقاوم بكافة الأدوات والأشكال المسنودة بدعم جماهيري، بل وإقليمي ودولي. وهذا ليس وهما إذا اتضحت الرؤية، وصدقت النوايا، وصح العزم.
ونحتاج نحن المواطنين أن نرى دلائل ذلك واقعيا من خلال هذه التغيرات التي لابد أن تبدأ بالأشخاص قبل المؤسسات، وبتحديد التوجهات ونسج التحالفات. التنمية لا تتم بالأمنيات إنها جهد إرادي واعي يهدف لإحداث تغيرا ت هيكلية في الواقع الاقتصادي المشوه وهياكله وعلاقاته، من اجل الوصول الى رفاهية المواطن الفلسطيني وتحقيق العدالة الاجتماعية، وهذا لا يتم إلا في إطار سياسي وطني مستقل قوامه الوحدة الوطنية الجادة.
فأين نحن من ذلك؟
[email protected]

كاتب وباحث في الشؤون الاقتصادية - فلسطين

2015-03-03