الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
التوازن المفقود/د.مهند العزاوي

 يستذكر شعب العراق اليوم ذكرى النصر التاريخي الساحق على ايران في اعنف مهارشة للتوازن العربي الاقليمي وملحمة ايقاف مد الثورة الايرانية الى العراق والجوار العربي , وقد سطر العراق جيشاً وشعباً وقيادات سياسية وعسكرية ملحمة رائعة ونصر قل نظيره في التاريخ الحديث , اذا ما قورن بحجم القدرات العسكرية الايرانية والضخ الايديولوجي الطائفي الزاحف للتأثير على ديموغرافية العراق وتفكيك تلاحمه تمهيدا لغزوه , ناهيك عن القسوة الجغرافية المجافية وتقعر مسرح الحركات العراقي الايراني الوسطي والذي بلغ 80 كم عن العاصمة بغداد وكذلك التعاون الاسرائيلي الايراني في الحرب ضد العراق  .

فشل الغزاة
فشل الغزاة الايرانيين طيلة ثماني سنوات في اكثر من مائة معركة للوصول الى اي مدينة عراقية بالرغم من استخدام ظاهرة الانتحار الجماعي لتفكيك حقول الالغام الدفاعية العراقية , وكذلك ضرب المدن العراقية بالطائرات والصواريخ واستهداف المدنين ضمن نظرية "الصدمة والترويع" للشعب العراقي , وكانت مدينة الفاو الاستراتيجية هي الوحيدة التي سقطت بيد الغزاة واستعادها الجيش العراقي بباسلة , وكان غزو الفاو بغية الوصول الى الضفة العربية الثانية من الخليج العربي اذا ما اخذنا بنظر الاعتبار ان الضفة الاولى بوجود عربستان تعتبر الخليج وفقا للجيوتاريخ عربياً بلا مناقشة او استفتاء بائس من الشركات المأجورة .
استهداف حلبجة
ضللت دوائر المخابرات الغربية ووسائل الدعاية السوداء حقيقة استهداف مدينة حلبجة العراقية والتي يقطنها اهلنا الكرد والتي كانت خط حدودي ضمن مسرح الحركات الشمالي الشرقي , وقد أثبتت التقارير والإفادات الدولية أن الغاز المستخدم في ضرب مدينة حلبجة العراقية لا يمتلكه العراق بل هو في حيازة إيران ويقول البروفيسور المتقاعد في شئون الحرب والمحلل للمخابرات الأمريكية "ستيفين بيليتر " من جامعة "سان بونا فينجر  - أوليان في  نيويورك"   29-1-2003 حول ضرب الكرد بالأسلحة الكيماوية ((قامت وكالة المخابرات الدفاعية DAA  دي أي أي )) بإعداد دراسة فورا بعد الحادث واستنتجوا من جثث الضحايا الكرد  أنهم قتلوا بنوع غاز معين لا يمتلكه العراق ولكن إيران تمتلك هذا النوع أي أنها هي من قامت بهذا الهجوم ولم تأخذ الدراسة كدليل مادي وجنائي وتم تسييس القضية على أنها تطهير عرقي للكرد , ولم تتناول أي من وسائل الإعلام ذكر تقرير "وكالة المخابرات الدفاعية دي أي أي" وأنا أقول ذلك لأني كنت ضابط مخابرات في وكالة المخابرات الدفاعية وعملت كمحلل في هذه الدراسة التي تثبت أن إيران من قام بالهجوم على الكرد في حلبجة وليس العراق)) وهذا تصريح ضابط مخابرات امريكي بعد غزو العراق , كما وأكد تقرير صدر عن "أرمي وود كوليدج" عام 1990 أن اتهام العراق بضرب أهل حلبجة بالسلاح الكيماوي لا أساس له من الصحة ، وعلّقت صحيفة " الواشنطن بوست " على تلك المجزرة بقولها (إننا نعرف جيداً أن العراق لا يستعمل غاز السيانيد ) لكن أهم تأكيد لهذا الموضوع صدر عن "معهد الدراسات الإستراتيجية التابع لكلية الحرب الأميركية " الذي أصدر في بداية عام 1990 تقريراً من تسعين صفحة جاء فيه أن فحص التربة ومخلفات الضحايا البشرية يشيران إلى تورط إيران بقتل الكرد العراقيين وليس العراق في هذه المأساة , ويغفل النظام الدولي عن عمد الفاعل الحقيقي لهذه المجزرة والجريمة ضد الانسانية بحق اهلنا الكورد العراقيين .
دعاية صفراء
اكدت الوقائع التاريخية منذ عام 2003 وحتى اليوم اطماع ايران الاقليمية وسعيها الوحشي للسيطرة المباشرة على العالم العربي ولعب دور الشرطي الشرير المرعب للدول العربية والعراق انموذجا , لقد جرفت ايران بالتعاون مع  الولايات المتحدة وإسرائيل القدرات العراقية الصلبة , والتي كانت بمثابة الرقم الرابع في معادلة التوازن العربي الاقليمي والذي اغفل العرب وخصوصا الكويت خطورة العبث بالمحظورات الاستراتيجية , وبعيدا عن المهاترات ومروجي الدعاية الصفراء والسوداء من النفايات السياسية والالكترونية ,  فان اعتراف ايران الرسمي بمساعدة امريكا في غزو العراق وأفغانستان على لسان ابطحي عام 2004 وعرض خدماتها في حرب طائفية بالوكالة يؤكد اكذوبة المقاومة والممانعة , ويعد ضجيج الدعاية هذا بمثابة حصان طرواده لتدمير النسق العربي  وتفكيك التلاحم المجتمعي , ومن يلبس نظارة طائفية لا يرى حقيقة هذا التخادم الدموي ضد المصالح العربية ويبرره بأوهام للاستهلاك الطائفي .
توازن مفقود
برزت إيران بشكل لافت في ساحة الأحداث العربية مطلع الألفية الثالثة وتحديدا عند غزو العراق , وسرعان ما انتهزت الفوضى السياسية الدولية والمغامرة الحربية الأمريكية في العراق لتسارع في الانتقام وملئ الفراغ في العراق , وتجسد عبر حروب التطهير الطائفي والعمليات خاصة التي تقودها أجهزة الحرس الإيراني بشكل مباشر وباستخدام القوة اللامتناظرة ( المليشيات الطائفية) والتي سلحت بأسلحة غالبيتها من أنتاج المصانع الحربية الإيرانية  , وقد حقق لها هذا المسلك حزمة أهداف سياسية واقتصادية وعسكرية تفوق قدراتها ومواردها وجهدها التسليحى , وبذلك اخترقت اعتبارات سياسية تقرها القيم الأكاديمية والواقعية لموازين القوى وتتعلق بالتوازن والسلم والاستقرار في المنطقة , ولعل من أبرز التهديدات  تصدع شبكة التوازن العربي الإقليمي الذي أسست وفق مبدأ "توازن التوافق والأضداد " وكان لابد من استخدام التوازن بالإكراه لكبح سلوكيات ايران الباحثة عن دور فوق الاقليمي على العرب .
يرى الباحث أن مسار النفوذ الإيراني تجاه الدول العربية يتبع أسلوب الكماشة , ويتجلى بالانفتاح العنقودي للحرس الثوري الإيراني والذي يأخذ أبعاد مخابراتية وأيديولوجية واقتصادية وإعلامية , وتخوض إيران حرب المشاطئة الخليجية  والمتوسطية عبر القضم الجيوديموغرافي في لبنان وسوريا والعراق ومصر , وكذلك خليجيا في الكويت والبحرين والسعودية واليمن , ويلاحظ على الدوام سياسة لي الذراع واستعراض العضلات العسكري بغلق مضيق هرمز الاستراتيجي وضرب المصالح الدولية , يا ترى يعترف الاخرون بالسلوك الايراني المخالف للقواعد السياسية وقد تخطت المحظورات الاستراتيجية المتعلقة باستقرار المنطقة ومعايير الامن والسلم الدوليين , وهل سيترك العراق معبر للحرب الديموغرافية التي تخوضها ؟
مفكر عربي من العراق
‏الاربعاء‏، 08‏ آب‏، 2012

[4] . مايكل نايتس , المجاميع الخاصة المرتبطة بإيران – معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى ,‏ آذار‏/ 2011.

2012-08-08