الثلاثاء 11/10/1444 هـ الموافق 02/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
من أرشيف الدعابات الأدبية ..ثلاثة شعراء.. وقصيدة واحدة! ... فتحي فوراني

موتسارت..وبيكاسو وسلفادور دالي وآخرون!

على قمة الكرمل يكون اللقاء..فيلتئم شمل القامات الإبداعية الشاهقة!

المقهى ثقافي بامتياز..والليل ليل يرخي سدوله على سماء المدينة..ويحتضن القناديل الناعسة..فيحلو السهر..

الشموع الخجولة تتراقص على  طاولات المقهى..وتكون شاهدًا على ميلاد  أجواء رومانسية راقية..تلقي بظلالها على اللوحات التجريدية لبيكاسو وسلفادور دالي  التي تغطي حيطان المقهى وسقفه وزواياه المعتمة..

ومن إحدى زوايا الغابة المجاورة  تنساب ناعمة موسيقى تتسامى بها الروح..ويكون فرسانها بتهوفن وموتسارت وباخ وريمسكي كورساكوف  وهندل وغيرهم من الرموز التي تزين مشهد الموسيقى الكلاسيكية.

**                 

الوقوف على أعتاب "القصيدة النثرية"

 

جلسة أدبية ثقافية شخوصها ثلاثة..شاعر يجري ولا يُجرى معه..وانطلق صاروخًا محلقا في السماء السابعة..وآخر على ظهر خيله..يجري ويجري ويجري..ويسعى لئلا يُجرَى معه..وثالث يخوض وسط المعمعة!..والمسافة بينه وبين الشعر لا تقل عن ألف سنة ضوئية!

موضوع الحوار: القصيدة النثرية..والانفلات الشعري الذي يسيطر على الشارع الأدبي هذه الأيام..والذي لا يعدو كونه "لطًّا على سحنة"..ويُدخل القارئ في متاهات وأحاجٍ وألغاز تستعصي على الإفهام والأفهام..لا سيما وأن الذين يكتبون هذا اللون من "الإبداع" لا يملكون الحد الأدنى من الموهبة..و"الإبداع" الوحيد الذي يجيدونه..هو رصف الكلام رصفًا عشوائيًا  - وهذا بحد ذاته فن!- قد يعني ألف شيء وشيء ولا يعني شيئا بعينه..ثم "هندسته" بشكل فوضوي مرتّب على آخر طراز..وبطريقة توهم القارئ العادي المصاب بداء المطالعة..أن هذا الكلام نوع من "القصيدة النثرية" التي تنتمي إلى فن "الشعر الحديث" الذي لا يفهمه ولا يتذوقه إلا المثقفون والنخبة من أصحاب الذائقة الشعرية الرفيعة!

هكذا تكون البهلونيات "الإبداعية"..ولا يمكن أن تكون إلا هكذا..وإلا فلا!

**

ويقول الناقد الأدبي: نحن نميز  بين الضباب الإبداعي  المشحون بالغموض الشفاف والرمزية الموحية والجمال في الصورة الشعرية..وبين الإبهام والانغلاق داخل زنازين الأبجدية الحديدية التي لا تدخلها الشمس ولا يدخلها الهواء النقي وتبقى في علم عالم الغيب والأسرار ويعجز المثقف عن كشف خباياها وأدغالها ويظل واقفًا حائرًا خارج أبوابها الخالية من المفاتيح!

وينصح الناقد بقراءة كتاب "الإبهام في الشعر الحديث".

**

سمفونية الجرح العاري

ويطيب لأحد الإخوة الثلاثة أن يطرح فكرة طريفة لإماطة اللثام عن التهافت في نظرية "الشعر الحديث" و"القصيدة النثرية": أن يقوم الثلاثة بتجربة "إبداعية" فلنكحية" تكسر الرتابة المثيرة..التي تخيم على المشهد الأدبي الرمادي!

وتكون التجربة على النحو التالي: بناء لوحة أبجدية تجريدية كاركاتيرية مؤلفة من الكلمات غير المتآلفة  والجمل العشوائية البهلوانية، ثم نشرها في الصحيفة اليومية التي انتقلت إلى رحمته تعالى قبل أكثر من ثلاثة عقود..والتي دأبت على الترويج لهذا اللون من "الشعر" الهابط، الذي "ينأى بنفسه" عن التعبير الصادق عن نبض الإنسان العربي الباقي في وطن آبائه وأجداده..والناهض لتوّه كالعنقاء من بين أنقاض النكبة..

وكان الطموح أن تكون هذه اللوحة السوريالية قصيدة مميّزة لم يستطعها الأوائل ولن يقوى على صنع مثلها الأواخر!!

 والفكرة وراء هذه "البهلوانيّة الشعرية" المُحكمة إقامة الدليل القاطع على  أن ما ينشر في هذه الصحيفة اليومية وتروّج له بعض الصحف..لا يعدو كونه ضربًا من ضروب الدجل اللفظي الذي ينتحل الزيّ الشعري المتباهي تجديدًا وحداثة!

ينتهي الثلاثة من ورشتهم ويخرج من بين أصابعهم نَص "إبداعي"  كاريكاتيري حديث وطريف..يتربع على عرشه عنوان مثير.."سمفونية الجرح العاري"!

ولا علاقة لهذا العنوان من قريب أو بعيد بـ"مضمون القصيدة" العارية من أي مضمون!

 فلا علاقة له بالسمفونيات ولا الجراحات ولا العاريات!

وتولد "قصيدة نثرية" عزّ نظيرها عبر جميع العصور الأدبية..فتظهر على المسرح تتبختر بخيلاء..وتتألق بهاءً وكبرياء..وأنفها يلمس سقف السماء!

 هي "قصيدة" تفخر بنسبها وانتمائها النبيل إلى عائلة "شعر التفعيلة"..وتتباهى بنسبها وزنًا غير ذي وزن.. وقافيةً بلا قافية..وصرفًا ونحوًا وغموضًا وإبهامًا وانغلاقًا..تتحدى سيبويه وأصحابه الأكرمين! وهي في الحقيقة لا شيء..لا معنى ولا لغة ولا خيال ولا إبداع..ولا يحزنون!

ألمنطق فيها أن تكون بلا منطق!

**

جائزة الشهر..للقصيدة العارية

من حيفا تطير "القصيدة" إلى صحيفة "أخبار آخر زمان" بتوقيع "شاعر" وهميّ لا علاقة له بالشعر ولم يسمع به أحد!

والعلاقة بينه وبين الشعر ما صنع الحداد!

تنشر "القصيدة"..فيحدث زلزال في خارطة ما اصطلح على تسميته  "بالشعر المحلي"..وتأبى "القصيدة" على نفسها إلا أن تشق طريقها لتتربع على "عرش الشعر"..وتضع على رأسها إكليل غار..وتحظى بالجائزة الأولى في "مسابقة الشهر"!!

بعد أسبوع من النشر..يعلن عن فوزها بالجائزة..وتنصيبها ملكة على عرش الجمال الشعري!

فقد صنعوا منها للجمال مثالا  وانحنى البعض خُشّعًا على قدميها!

وتستبشر خارطة الشعر بميلاد "نابغة ذبياني" جديد..عندما جاء ملأ الدنيا وشغل الناس..فقد أتى بما لم يستطعه الأوائل..وأين منه عمالقة الشعر القديم والحديث؟!

كاسك يا وطن الدجل!

تصل الجائزة المالية تتهادى بخيلاء وكبرياء..تمشي (الهُوَينى -الهُوَينا) ..كأن    مشيتها    "مرّ  السحاب  لا  ريثٌ   ولا  عجل"!

وعلى صدرها قلادة خضراء..حوالة بنكية بمبلغ عشرين ليرة! (حين كانت الليرة ليرة!)

إحتفاء بوصول المكافآة المالية وعلى شرف فوز "القصيدة"  بقصب السبق واحتفالًا بنصرها المظفر..تُنصب مائدة عامرة يزيّنها ما لذّ وطاب..من ألوان الطعام والشراب..ويكون نُقلها فاكهة من رمان وأعناب..وتكون سهرة نواسية مميّزة..احتفالا واحتفاء بميلاد الفضيحة الأدبية التي أماطت اللثام عن مدرسة الدجل الشعري..هذا الدجل الذي تمارسه صحافة عصر الانحطاط الحديث..

ويكون زلزال تسونامي زلزل المشهد الأدبي..وجعل الملك يمشي عاريًا!

وكاسك يا وطن الفضائح والدجل!

**

 

2015-05-06