الأربعاء 8/10/1445 هـ الموافق 17/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
دولة غزة : الممكن والمستحيل! ...بقلم أ.د. ناجى شراب

منذ أن سيطرت حماس على غزة 2007 والتساؤل المطروح بدون إجابة حتى الآن لماذا ذهبت حماس للسيطرة على غزة ، , وما أهدافها الإستراتيجية والتكتيكية ؟ والتساؤل الأهم هل تستطيع أن تنفصل بغزة وتعلن كينونة مستقلة تحت اى مسمى ؟بداية فى أدبيات نشأة الدول لا يشترط مساحة معينة ولا عدد سكان معين لقيام الدولة لكن يشترط حكومة محددة مقبولة ولها شرعيتها الداخلية والإقليمية والدولية . ومعنى ذلك نعم يمكن قيام دولة مستقلة فى غزة بكل معطياتها الجغرافية والسكانية ، لكن تنقصها الحكومة المعترف بها .وهذه المعضلة التى واجهت وتواجه حركة حماس. وهى معضلة الحكم الخارجة عن حدود وأهداف حركة حماس.والمعضلة الرئيسية التى تواجه حماس أنه لا يمكن قيام أى شكل للدولة فى غزة والإحتلال قائم، وهو ما يعنى الإنتظار حتى ينتهى الإحتلال لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة ، والسؤال هل ننتظر حتى أن ينتهى الإحتلال الإسرائيلى ؟ يفترض أن الإحتلال الإسرائيلى قد إنتهى من غزة ، وإستبدل إما بعلاقة الحرب، وإما بإطار هدنة شبه دائم، والخيار الثانى هو ألأقرب لأهداف وتصورات الحركة السياسية ، فخيار الحرب لا يمكن ان يحقق هدف الإستقلال ، وله تداعيات خطيرة على مقومات بقاء حركة حماس فى غزة، وهذا قد يتعارض مع الهدف الإستراتيجي للحركة وهو إقامة كينونة سياسية مستقلة فى غزة تمهيدا للدولة الفلسطينية ومنها لمفهوم الدولة الإسلامية الكاملة فى إطار الهدف العام لحركة الاخوان المسلمين وهو قيام دولة خلافة إسلامية وهذه أهداف إستراتيجية بعيدة المدى وأبعد عن الواقع القائم ، لذلك لا بد من التعامل مع ما هو قائم ، إلا أن هذا الهدف مرتبط بمدى نجاح الأخوان فى إقامة حكمهم فى دولة مركزية كمصر، هذا الهدف بدات ملامحه بحكم الأخوان فى مصر لمدة عام، ومن ثم تم التأجيل ، فى هذا السياق قد يفهم كيفية التعامل مع غزة ، من منظور أنها الكينونة ألأقوى للأخوان المتبقية ، ومنها يمكن الإنطلاق من جديد نحو إحياء هذا الهدف، وهذا هو الهدف من تقوية حماس وبقائها فى غزة ، والحيلولة دون حرب قد تكون مكلفة سياسيا، فحركة حماس هى ألفرع ألأقوى لحركة ألأخوان ، وخصوصا من المنظور العسكرى ، فحماس هى الوحيدة التى تملك ذراعا عسكريا أقرب إلى تنظيم الجيوش، وهو القادر على الحفاظ على هذه الكينونة ألإسلامية ، وبالتالي البديل لهذا الخيار ، وتحقيقا لهذا الهدف قد يأتى خيار الهدنة ، لكن هذا الخيار يصطدم بالواقع السياسى الفلسطينى العام، وبحالة الإنقسم وإستمرار الإحتلال، من هذا المنظور ، لا تستطيع حركة حماس أن تذهب بعيدا بغزة ، ولا تملك الا التعامل مع هذا الواقع من خلال التمسك بالوحدة الفلسطينية ،وبالتعامل مع الكل الفلسطينى ولكن بما لا يتعارض مع أهداف الحركة الإستراتيجية ،وهى الإحتفاظ بغزة ككينونة إنطلاق ووثوب لما هو اكبر منها. وحيث أن القضية الفلسطينية وخياراتها مرتبطة بالبيئة العربية والإقليمية والدولية ، وخصوصا حالة غزة التى تحكم خياراتها المحدد الجغرافى وطبيعة العلاقة مع مصر وإسرائيل وهما محددان رئيسان فى تحديد خيارات من يحكم غزة ،إلى جانب المحدد الفلسطينى ذاته. وهنا تجد حماس امام هذا الخيار الثالوثى ، وهو على النحو التالى سيناريو العلاقات العدائية ، بمعنى خيار الحرب مع إسرائيل، وإستمرار الحالة العدائية والمتوترة مع مصر، وإستمرار حالة ألإنقسام الفلسطينى والتفكير فى خيارات الإدارة المستقلة ،او الإعلان المستقل لغزة تحت اى مسمى ، هذه الإحتمالات الثلاث فى هذه العلاقة المركبة تتعارض وأهداف الحركة ألإستراتيجية ، وقد تفقدها الكثير من عناصر قوتها ، لأنه قد تترتب عليها نتائج سلبية على الواقع المعاشى فى غزة مما قد يقود لحالة من الإنفجار الداخلى فى غزة ،أخذا بالإعتبار البيئة الخاصة التى تتميز بها غزة أذكر منها الحالة السكانية المزدحمة على مساحة صغيرة قابلة للتقلص بسبب حالة البناء المتزايدة لمواجهة احتياجات السكان، والحالة التجارية التى تعتاش عليها غزة ، وتنامى الشريحة الشبابية المعطلة أبواب العمل أمامها. هذه البيئة لا تساعد على الذهاب للخيارات السابقة ، بالتالى البديل لهذا الخيار الثالوثى الإيجابى ، واقصد به الحفاظ على علاقات هادئة بعيدة عن العدائية مع مصر، والحيلولة دون إستمرار خيار الحرب مع إسرائيل بالتفكير بخيار الهدنة مقابل السماح ببناء كينونة مستقلة مثل الميناء والمطار وفتح المعابر، والتعامل مع السلطة الفلسطينية على أنها حالة ملك للجميع والتعامل مع المصالحة من منظور المصالحة الوظيفية التى تضمن إيجاد حلول للمشاكل الوظيفية والمعابر، وملفات الخدمات التى تشكل عبئا على الحركة فى غزة ، مع الإحتفاظ ببنيونتها الأمنية والسياسية والإقتصادية ،والتعليمية والإعلامية والبحثية التى نجحت حركة حماس بلا شك فى ترسيخها. ومما قد يؤثر على خيارات حماس وقدرتها فى قيام دولة مستقلة من عدمه فى غزة أن حركة حماس لم تعد مجرد تنظيم أو حركة عادية ، بل تحولت لفاعل من غير ذوات الدول له تأثيره وحضوره العربى وألإقليمى والدولى ، وهذه الفاعلية للحركة تفرض عليها ضرورة التعامل مع كل التحولات الإقليمية والدولية ، وكل المحاور والتحالفات التى تشهدها المنطقة بقدر كبير من الحذر، فهى تحاول إنتهاج سياسات متوازنة ، لكن يبدو ان هذه التحولات وبروز مخاطر جديدة وتحالفات متعارضه كالتحالف الشيعى الذى تقوده إيران ، والسنى الذى تقوده السعودية العربية أن يضع حماس أمام تحديات كبيرة قد لا تفرض عليها الذهاب بعيدا بغزة فى إتجاه ألإنفصال. والبديل لذلك الحفاظ على غزة فى إطار الكل الفلسطينى مع ألإحتفاظ ببنيتها المستقلة إنتظارا لما قد تفرزه التحولات والتحالفات والمحاور التى تخطط للمنطقة ،وإنتظارا لما قد تحمله الحالة الفلسطينية من مفاجآت سياسية قد تتيح للحركة دورا أكبر, فى هذا التصور يمكن أن يتم التعامل مع خيار غزة ، وتكييفه مع خيارات الحركة. والموضوع يحتاج إلى مزيد من النقاش .

بروفيسور العلوم السياسية بجامعة الأزهر

[email protected] 

2015-05-07