الثلاثاء 14/10/1445 هـ الموافق 23/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
تحليل:دولة الاحتلال في معركة تسجيل النقاط

الوسط اليوم-أطلس للدراسات

في هذه الحلقة يستعرض الباحثون شلوم بروم وأودي ديكل وعنات كورتس، في مركز دراسات الأمن القومي – جامعة تل أبيب، سير العلاقة والصراع مع مختلف الجبهات أو ما يسمونه أسس مختلف التطورات في البيئة الاستراتيجية المحيطة، أي الجبهات المحيطة بدولة الاحتلال الصهيوني، والتي تم تسجيلها خلال العام المنصرم.

الجبهات التي يستعرضها الباحثون: النووي الايراني، الساحة الفلسطينية، الجبهة الشمالية، العلاقة مع النظام المصري، والصعود المفاجئ لداعش، حيث سنقتصر في هذه الحلقة على التهديد الإيراني، والساحة الفلسطينية، والعلاقات الإسرائيلية المصرية، على أن نستكمل باقي الجبهات في الحلقة القادمة.

 

التهديد الايراني

إن التهديد الوجودي المستقبلي المحتمل على إسرائيل هو الجمع بين النظام في إيران الذي يدعو إلى محو إسرائيل عن الخارطة، وبين قدرة نووية عسكرية في يد هذا النظام، والمشروع النووي الإيراني موجود في مرحلة من التجميد، وذلك نتيجة لتنفيذ التفاهمات بين إيران والدول العظمى.

إن إيران معنية بالإبقاء بين يديها على انجازاتها في المجال النووي، أي البنى التحتية والموارد التي في حوزتها، والتي تضعها في مرتبة دول "العتبة النووية"، وفي الوقت نفسه، هي تسعى بدأب لرفع شامل وفوري للعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها، وهدف إيران هو التوصل إلى اتفاق قصير الأمد تكون آليات واجراءات الرقابة التي يمكن أن يشملها في حدها الأدنى، وفي مقابل ذلك فإن الدول العظمى على الرغم من تطلعها إلى إقصاء القضية النووية الإيرانية من جدول الأعمال الدولي، وحتى ربما إشراك إيران في الحرب ضد "داعش"، وفي جهودها لإعادة الاستقرار إلى الشرق الأوسط، في هي ليست مستعدة للتهاون في التوصل إلى اتفاق ليس بوسعه أن يضع قيوداً صارمة في طريق تقدم إيران باتجاه استكمال مشروعها النووي، والذي لا يبعدها أيضاً عن بلوغ هذا الهدف لمدة لا تقل عن عام.

ولذلك نجد أن الدول العظمى قد أصرت على إطالة الفترة الزمنية المطلوبة لإيران من أجل الانطلاق باتجاه القنبلة، وتقليص حجم قدرات تخصيب اليورانيوم، وكذلك إنتاج البلوتونيوم، في إيران، وإخراج المواد المخصبة منها، وإغلاق المواقع التي يوجد هناك احتمال لاستخدامها عسكرياً، وبشكل عام تجريد إيران من كل الامكانيات التي يمكن لها أن تساعدها على الاستمرار في طريق تطوير سلاح نووي، كذلك أصرت الدول العظمى على اتفاق ملزم بعيد المدى، مع رقابة صارمة جداً وبإشراف محكم، ومن وجهة نظر تلك الدول فإن رفع العقوبات لن يكون فورياً، وأن ذلك لن يحصل قبل أن يتم التأكد من أن الإيرانيين قد أعادوا مشروعهم النووي إلى الوراء.

وكان قد تقرر خلال عام 2014 تمديد الاتفاق المرحلي والاستمرار في المفاوضات مرتين، وبعد ذلك أيضاً في زمن كتابة هذه السطور، لم تلح أية إشارة حول إمكانية التوصل إلى اتفاق يلبي مطالب الحد الأدنى لكل من الطرفين، وعليه يبدو انه توجد حالة من "التعادل الاستراتيجي"؛ فإن إيران قد أوقفت تقدمها في الطريق باتجاه القنبلة وهي تصر على الوفاء بالتزاماتها وفق الاتفاق المرحلي، إلا انه إذا قام العالم بمنح الشرعية لهذه الحالة لفترة طويلة من الزمن، فإنه ستنشأ حالة إشكالية جداً في أعقاب بقاء إيران في وضع الدولة التي تقف على العتبة النووية، والتي تمتلك قدرات تشكل تهديداً بالانطلاق باتجاه القنبلة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً.

 

الساحة الفلسطينية

لم تستطع الحكومة الإسرائيلية الحفاظ على الوضع القائم على الساحة الفلسطينية، وقد تم عملياً تسجيل خطوات تراجع إلى الوراء على صعيد دفع جهود التسوية وجمود المسيرة السياسية وتصعيد الأحداث في الضفة الغربية، وإن كان ذلك لم يصل إلى درجة اندلاع انتفاضة ثالثة، وكذلك حالة "التعادل الاستراتيجي" بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية المقاومة في معركة "الجرف الصامد" في قطاع غزة، وعدم وجود مخرج لحل مشاكل غزة والمخاوف من انفجار "طنجرة الضغط" في القطاع من جديد، وكذلك التدهور على صعيد "العملية السياسية" التي تديرها السلطة الفلسطينية مع إسرائيل، وفي شهر نيسان/ ابريل عام 2014 انتهت إلى الفشل الجهود الطموحة التي بذلها وزير الخارجية الأمريكي جون كيري، الذي بادر إلى عقد جولة إضافية من المفاوضات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية بهدف قطع شوط في طريق الحل الدائم، وقد قطعت الاتصالات السياسية بين الأطراف ودخلت المسيرة السياسية في حالة جمود عميق، الإشكالية في هذه الحالة تجسدت بواسطة المحاولة المتكررة التي لم تتوج بالنجاح فعلاً لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أبو مازن للدفع باتجاه تحقيق مصالحة مع حماس، وكذلك تعزيز جهود السلطة لممارسة الضغط على إسرائيل عن طريق اتخاذ خطوات سياسية للالتفاف على المفاوضات على الساحة الدولية.

حيال هذه التطورات وجدت إسرائيل نفسها مسلحة بسلة فارغة تقريباً من الوسائل والآليات السياسية، وذلك عندما لم يعد في مقدورها التأثير على خطوات قيادة منظمة التحرير الفلسطينية، الرد الذي اختارته إسرائيل على الخطوات الفلسطينية كان توسيع البناء في المستوطنات في الضفة الغربية، واحتجاز أموال الضرائب التي تقوم بجمعها للسلطة الفلسطينية، وكان الرد بمثابة "هدف ذاتي"، وذلك لأنه لم يكون مقبولاً على المجتمع الدولي، بل وأثاره ضد إسرائيل، وكذلك بسبب التهديد الاقتصادي الذي أفرزته الأزمة على قدرة السلطة الفلسطينية بالذات في الاستمرار في الوجود، والتي يشكل وجودها مصلحة إسرائيلية، وقد ظهرت الردود الناقدة للخطوات التي أقدمت عليها إسرائيل من خلال تدهور مكانتها السياسية.

إن المعركة التي دارت في قطاع غزة عام 2014 انتهت بدون تحقيق إنجازات استراتيجية واضحة وقطعية، وعملياً انتهت بالعودة إلى نقطة الانطلاق؛ إذ بقي حكم حماس في قطاع غزة على ما هو عليه، وبقي القطاع خاضعاً لحصار سياسي – اقتصادي يزيد من احتمال أن يشكل الاحباط المتراكم في أوساط مواطني المنطقة أرضية مناسبة لاندلاع جولة جديدة من العنف مع إسرائيل، وعلى الرغم من أيام المعركة الخمسين التي خاضتها إسرائيل مع الفصائل الفلسطينية، فإن هذه المعركة انتهت بدون تغيير حقيقي في ميزان القوى السياسي، فقد تلقت غزة ضربات قاسية وفشلت في الجهد العسكري الذي بذلته على صعيدي القوة الصاروخية والقوة التحت أرضية؛ فقد تمكنت منظومة "القبة الحديدة" من وقف رشقات الصواريخ، كما أن شبكة الأنفاق الهجومية التي أقامتها الحركة تحت حدود قطاع غزة جرى تدميرها على يد قوات الجيش الإسرائيلي.

ومع ذلك اضطرت السلطة الفلسطينية بعدم قدرتها في الظروف الحالية على تجديد سيطرتها على قطاع غزة، إذ بقيت حركة حماس القوة الكبرى المسيطرة على القطاع، حتى أنها عادت لبناء قوتها على الصعيد العسكري، إضافة إلى ذلك، فإن سلطة حماس في قطاع غزة قد حظيت بشرعية سياسية معينة، حتى من إسرائيل التي أدارت معها مفاوضات غير مباشرة بوساطة مصرية، ورأت أنها العنوان المسؤول في غزة، وذلك بوصفها "أهون الشرور".

وحتى نهاية عام 2014، لم تتحقق التهديدات بحدوث تصعيد خطير على الساحة الفلسطينية، فالمحاولات التي بذلتها حركة حماس لإثارة انتفاضة في مناطق السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وفي القدس لم تنجح على الرغم من ازدياد حدة التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين خلال المعركة في غزة، وعلى الرغم من الانطباع بأن الأطراف موجودة على حافة انفجار "حرب دينية"، وفي مقابل ذلك ازداد زخم الجهود التي بذلتها السلطة الفلسطينية لإطلاق "انتفاضة سياسية" وذلك عن طريق  تشجيع حكومات وبرلمانات أوروبية للاعتراف بشكل رمزي بالدولة الفلسطينية، وكذلك عن طريق الإقدام على خطوات شبيهة في مؤسسات الاتحاد الأوروبي، وعن طريق انضمام فلسطين إلى معاهدة روما، وذلك بعد أن تم في عام 2012 الاعتراف بها في الجمعية العامة للأمم المتحدة كدولة مراقبة غير عضو، وهي الخطوة التي تكسبها الحق في مقاضاة إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ومن المنتظر أن يتطور الطريق الذي اختارت السلطة الفلسطينية السير فيه، وهو الصراع القانوني ضد إسرائيل على الساحة الدولية من خلال التركيز على اتهامها بارتكاب جرائم حرب، من المتوقع أن يتطور هذا الطريق بشكل بطيء ومحدود بسبب الطبيعة المعمول بها في الهيئات القضائية الدولية، صحيح أن محاولة السلطة لتمرير قرار في مجلس الأمن يتبنى الاقتراح الذي قدمته، والذي يؤكد على الانسحاب من الضفة الغربية والعودة إلى خطوط الرابع من حزيران/ يونيو 1967 حتى نهاية عام 2017، إلا أن الحديث لا يدور عن نهاية المطاف، فالسلطة الفلسطينية تبعث بإشارات بأنها لا تنوي ترك الساحة الدبلوماسية السياسية، ومن المتوقع أن تُقدِم على خطوات أخرى، سواء من قِبَلها أو من قِبَل جهات أخرى، في أروقة مؤسسات الأمم المتحدة بالإضافة إلى هيئات أخرى، وذلك سيضع أمام إسرائيل تحدي بلورة ردٍ مضاد و فعال، يكون جزءاً من استراتيجية سياسية شاملة.

 

العلاقات الإسرائيلية المصرية

يلاحظ أن العلاقات بين مصر وإسرائيل قد شهدت المزيد من التحسن خلال عام 2014، وخصوصاً على خلفية عملية "الجرف الصامد"، وقد جاء انتخاب عبد الفتاح السيسي رسمياً لرئاسة مصر و قراره تجديد المعركة السياسية ضد الاخوان المسلمين وضد مظاهر العنف الذي مارسه المتعصبون الاسلاميون والارهاب الذي قاموا به، جاء ذلك ليبقي حركة حماس في موقع معزول ومتدنٍ بشكل لم يسبق لها ان مرت بمثله من قبل، وأدى القرار المصري بإنشاء حزام أمني بعرض يتراوح بين 1-2 كيلومتر على الحدود عند رفح، أدى إلى إغلاق أنفاق التهريب في هذه المنطقة، وقطع أحد مصادر التمويل الأساسية وطريق بناء قوة هذه الحركة، كما خنق الدعم القطري للإخوان المسلمين، وخصوصاً حركة حماس بعد طرد المسؤولين الكبار في التنظيم من مصر، والقيادة التي كانت تقيم في سوريا، وخلق توتراً كبيراً بين الامارة النفطية الغنية وبين جاراتها في مجلس التعاون الخليجي وبين مصر، وجاء قرار قطر بتقليص دعمها للإخوان المسلمين ولحركة حماس، نتيجة للضغط العربي المكثف ليضيف بعداً آخر للضائقة التي تعاني منها الحركة.

لقد خلقت المصالح المتداخلة بين مصر وإسرائيل في المواجهة ضد الإرهاب الجهادي وضد حماس، خلقت فرصاً للتعاون الاستخباراتي والعسكري في الحرب ضد الإرهاب؛ ومع ذلك فإن التعاون لم يتسع ليطال المجالات الاقتصادية والمدنية، وبقي الحوار بين الزعماء طي الكتمان، كما أن النشاط المشترك بقي بعيداً عن الأنظار، وبالذات في قضية غزة هناك احتمال للتباعد في المصالح بين مصر بزعامة الرئيس السيسي الذي يتطلع إلى إسقاط حكم حماس وإعادة القطاع إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، وبين سياسة الحكومة الإسرائيلية التي ترى في حركة حماس العنوان المسؤول "أهون الشرور" في القطاع، وتمتنع عن عرض بدائل على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس.

2015-05-18