الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الآبائية الدينية/ فؤاد الشويلي

البحث عن خارطة طريق لمسير قوافل بني البشر من المريدين والباحثين عن حقيقية وجودهم شغل شاغل تظهر تشكلاته من خلال فرط عقد وحدانية الدين وظهور تلاوين متعددة بتمظهرات جديدة  .
ومن البديهي التساؤل عن سر التعددية في الدين ، نشأتها ،أهدافها ،ما هي   الدوافع من ورائها وهل ثمة ثمار تجنى منها ؟
ومما يصلح كمقدمة لتوضيح هذا الامر، أرى أن واحدا من أهم الاسباب المهمة التي أفرزت هذه التعددية ، تلك المشكلة التي عاشها الانبياء مع الاخر ، انها عقدة الآبائية ،العقدة التي حطمت - وما زالت - جهودا جبارة لهم بل أن الامر تعدى الى أن يلقى بعض الانبياء حتفهم لهذا السبب.
ان دعوى الآبائية هي دعوى تجذرت عند الاقوام من خلال النظر الى نمطيه العبادة وآلياتها المستخدمة عندهم وباختصار هي حالة انتقال لمجموعة معتقدات اتفق عليها سالف القوم وصارت لهم (طريقة دينية )فاصبح هذا الموروث(ما سمعنا بهذا في ابائنا ) هو الجواب القاطع لكل دعوى المخالفة لهم.
ألا أن المثير للجدل هو انتقال عدوى الآبائية داخل نفس الدين بسبب التعددية التي (اصابته) هو الاخر ، الا أن عملية تصنيع الرمز الآبائي داخل نفس الدين مغايرة لما حصل مع انبياء الدين ، فالآبائي هنا يحمل بعدا ابستمولوجيا(معرفيا) للدين ومسؤول مباشر عن تسويق الافكار الدينية القادمة من (بنات افكاره )والتي اسقطها - فهما – على الواصل الية من التعاليم السماوية وهذا الوضع ترافقه حملة دعائية لناشطي هذا الاب أو ذاك لنشر حالة من الامان السيكولوجي لدى الاتباع لتتم ترويج القراءة الآبائية كحالة تمتلك التفرد في كونها الممر الوحيد للدين!!
أن ممارسة هذه الطقوسية ليست بالأمر الهين أذ يستلزمها دراسة عقلية الاتباع لادلجتها بتجاه ما تصبو اليه أهدافهم ومن ثم غرس مفاهيم (الاب ) في الذهنية المراد تعبئتها بالنسخة المتوفرة من الفهم الآبائي .
ايضا هناك مرحلة تنويع الأدوار من خلال توضيح آراءه ورؤاه في التعامل مع المقدس اين كان ( كتابا ،نبيا أو وصيا ) وتطويع ما موجود في هذا التراث له ،وهذا يعني السلطوية الواضحة التي تبرز ملامحها في لي عنق النص والتفريغ المضاميني له فتتحصل لنا صورة مشوهة ( نص مشلول ،أتباع مكبلون ).
فلا روح في النص الا ما ينفخه الاباء من روحهم لتتحول طاقة النص الكامنة (بفضل نفخهم) الى طاقة ديناميكية فيتحرك الاتباع وهم سعداء لان قيودهم مصنوعة من الذهب الخالص (لإلغاء العقل) !!! ويستلذون بالطاعة وهي ليست اكثر من انقياد اعمى!!، فمن الطبيعي أن يستقتلوا ويضحوا بكل شيء دفاعا عن (تدين الاباء) تاركين الدين غريبا بينهم .
وفي ظل ذبح المعارف الدينية بسيوف الذوق الابائي وحملة انشاء جدران تدينيه امام محاولات البحث والنقد لمجمل افكارهم، يحاول الفكر المتحرر الناشد للاتزان ان يركب سفينة اللامعالج في تراجيديا الدين ،وأن كانت عواطف التخدير وتكييل الاعتراضات مسلفنة وجاهزة في مصانع الرد السلبي في كل حقل بحثي جديد، بلحاظ ان هذا الطرح ليس له مكان في دائرة معارف الآبائية وأنه غريب (الفكر التجديدي ) وطارئ ولا يمت للدين بصلة ويخدش المشروع الديني ويعتدي على حماته !!
لازال هذا الاتجاه يتسيد المشهد الديني ويسارع بوأد كل منجز مغاير لنظامه الداخلي ويعتبره إيدز فكري ينبغي مكافحته ،فيما يبقى الدين اسيرا لأنه ابن قاصر لهذا التوجه ولابد من (قيمومتهم) عليه .

2012-08-11