الجمعة 14/10/1444 هـ الموافق 05/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
مهاترات….سأخون وطني...بقلم نادية حرحش

 يتصارع قلمي وعقلي في هذه الأيام بالجنوح عن الكتابة فيما بين موضوعين يستوقفاني بين عتبات الفيس بوك تارة وفي زوايا احاديثنا المجتمعية تارة اخرى . وفي كل مرة أشد الهمة للكتابة في احد الامرين ، اجلس متهجمة امام الشاشة البيضاء استرق النظر في مجالات البياض المختلفة لارى لا شيء .. والهي نفسي بأمر اخر . حتى قررت الان ان احضر الامرين امامي عنوة وافرغهما من راسي ولو مرحليا.

فالامرين وللاسف من استدامة الحياة ومواضيعها التي لا تحل ، وامورا اخري كثيرة طبعا ..

استوقفني اولا اعلان من الجامعة المفتوحة( العبرية) واخر من كلية اخرى باسم ما على مدار الاسابيع الماضية وبالتزامن طبعا مع انهاء السنة الدراسية الجديدة على صفحات الفيس بوك يستقطب فيه الطلاب من كافة المستويات والذين انهوا المرحلة التعليمية الثانوية) بالتقدم لتخصصات مختلفة بدون اي شروط . ولم استطع الا ان افكر بكل اولئك الشباب على مدار السنين الذين لا يحالفهم الحظ باجتياز التوجيهي ويتخبطهم المجتمع وتغلق المؤسسات الجامعية ابوابها امامهم . بذلك الشغف من قبل الاهل والشباب في اقتناء الشهادات ، والتي تغلق مؤسساتنا الباب امامهم بالكامل ، وكيف تفتح المؤسسات الاسرائيلية ابوابها نحو تلك الفئة الكبيرة من الشباب نحو التعلم . ومن المؤكد ان هدف المؤسسة الاسرائيلية ربحي بحتي . امر لا يقتصر على المؤسسات الاسرائيليه في هذا الشأن . فشبابنا يترامون على ابواب جامعاتنا استجداءا للقبول والتفوق هو العنوان الاهم للدخول لاي من الجامعات ، ومن لا يحالفه الحظ بالتفوق فهو عالة على الجامعة وعلى نفسه حتى يثبت تفوقه .

في حين تستقطب المؤسسة الاسرائيلية الشباب ، كالمؤسسات الغربية التي ارتقى العلم بها لما بعد التحصيل الاكاديمي المشروط بعلامة . وتفتح ابوابها لتأهيل هؤلاء الشباب في شتى المجالات . ويذهب ابناؤنا اليها طوعا وحبا ، لانهم هناك لن يتم ممارسة الضغط عليهم بالتلسين والاستقصاء والضغط على تحصيل لا يستطيعون تقديمه . وبالنهاية تكون المحصلة العلمية الافضل تلك الخارجة من المؤسسة الاسرائيلية بكل مساوئها وتأهيلها ، لأن لديهم معايير حقيقية لقياس التطور والتدريب والتعليم لا تزال مختفية من مؤسساتنا بكلياتها العلمية المختلفة .

ومن جهة اخرى يأتي الموضوع الثاني ، وبالرغم من اختلافه بالتسمية الا انه يمتد ربما لهذا الامر كذلك . وهو المقاطعة . فبينما اشيد بما تقوم به سلطات الاحتلال من استقطاب لابنائنا في وقت تغلق المؤسسات الوطنية ابوابها وتذهب طوعا للهيمنة الاسرائيلية ولا تزال تردد بصوت عال فارغ من اي مضمون كلام بالوطنية والقضية ، ولا يزال الجمهور يصفق مصدقا مهللا غير مكترثا .فاصبحنا كالخلطة تدور بنا الامور من كل جانب فلم نعد نعي من نحن . فقد تغنى مدارسنا المقدسية بقدسيتها وقد صارت جزءا من الكيان الصهيوني طواعية وتنادي من اجل مقاومة الاحتلال ومقاطعته ومحاربته وهي جزءا من مؤسساته التعليمية . سيأتي يوم ترفع فيه المدارس والمؤسسات التعليمية التي ذهبت طوعا لاسرائيل من اجل بعض الدعم المادي في غياب تحمل السلطة مسؤوليتها عن القدس ومؤسساتها ، العلم الاسرائيلي قهرا على مدارسها . وهذا اليوم ليس ببعيد بعد ان اصبح “بينيت” وزيرا للتعليم ، و”شكيد” وزيرة للعدل. ففي كل يوم يمر بنا نشهد ما كان مستحيلا من سوء لم نكن ابدا لنتوقعه .

ويستمر موضوع المقاطعة على السنتنا وصفحات الفيس بوك وينادي كل منادي به في كل مناسبة و لا نطبقه ونقدم عليه باستحياء ويتفاخر من لا يقاطع ويشعر بنخوة فارغة من يقاطع .

ولست هنا في صدد التفاخر الغير مجدي ، فمقاطعتي وعائلتي فارغة ، ولكنها تبدو وكآنها مشروع وطني بامتياز مقابل ما نراه من اهتراء في المضامين الوطنية من حولنا . فبينما كنت وابنتي نتبضع لاغراض المنزل قبل يومين ، من نفس السوبرماركت الذي يحتوي على بعض المنتجات البديلة للاسرائيلية في بيت حنينا (بلدي مول) كان من الواضح هذه المرة غياب البضائع الفلسطينية عن المرة السابقة . وتساءلت اذا ما كان هذا مقصودا ، وبينما وصلت للدفع وتكلمت مع الشخص المسؤول كانت قد راودتني افكار كثيرة ونقاشات دارت بيني وبين طفلتي على هذا الموضوع كثيرة. فلقد بدأ النقاش العلني بيني وبين ابنتي عن جدوى المقاطعة بينما نبدو الوحيدتين في ذلك المكان الممتليء بالزبائن التي تتكدس عرباتهم بالبضائع الاسرائيلية وكأنها تفاخرا ، بينما نمشي كالمنبوذتين تملؤ عربتنا بالبضائع الفلسطينية الباهظة الثمن وتلك البديلة للاسرائيلية. الا انه وهذه المرة كان من المستحيل عدم وضع المنتج الاسرائيلي في العربة . وشعرت كالبلهاء وانا احاول الابتعاد عن التنظير في السؤال عن الحليب الفلسطيني امام المسؤول الذي كانت تقف امامه زبونة تنتظر كرتونة كاملة من الحليب الاسرائيلي لاحضارها من المخازن . وبينما اعدد له المنتجات التي لم ارها علاوة عن الحليب كالفطر مثلا . تفاجأ هو نفسه بان هناك فطرا فلسطينيا كان على رفوف محله من قبل . وبين مطالبة بأكياس زبالة فلسطينية لم تعد هناك وفطر فلسطيني انفطر قلبي لعدم رؤيته وخجل بمنتجات اسرائيلية تتراقص مفاخرة بين مشترياتي ، احسست بشعور بناتي وهن يبدون كالمنبوذات المتفلسفات امام زميلاتهن بالمدرسة بينما يرفضن اقتناء المنتج الاسرائيلي من مأكولات ومشروبات بالمدرسة ، لا يستطعن حتى استقطاب بعضهن من اجل محاربة هذا بداخل مدرسة مقدسية ، تتغنى بالوطنية كسائر الوطن وتقبض من معارف الدولة الاسرائيلية اثمانا عن اطفالنا .

وبين حالنا نحن العائلة ” الملتزمة” بينما نتلصص كما تلصصت قبل ايام للمول من اجل ادخال غبطة لقلب ابني في يوم تخرجه لاثبات امومة خالصة ( استطيع طبعا التحجج بالاسباب العائلية التي ارغمتني علي هذا ) . وكحال مؤسساتنا تحايلت على الامر بالادعاء باني تبضعت من محل “تركي” داعم للفلسطينيين في بلاده .وبينما كانت حالة الخجل والخزي تزول في كل مرة كانت تتزايد الوجوه العربية امامي بلا استحياء، داهمتني افكار متعاقبة اخرجتها من رأسي بسرعة وعاودت الكرة في تبرير ما ابرره بهكذا موقف ، متبعة الشعار الذي نلتزمه بداخل عائلتي الصغيرة باننا نقوم بما تستطيع نفسنا تحمل طاقته . وهرولت بالانتهاء من ذلك الموقف خروجا من ذلك المكان واشباح الوجوه بين عرب ويهود تطاردني.

قضيت بعض الايام بين شعور بالخزي في جلد ذاتي لكسر المقاطعة ولو تحايلت عليها مع رأسي لعدة لحظات ، واصراري بالاستمرار على نهجنا . ولا اقوله ادعاءا بان الانتباه الى هذه الامور اصبح جزءا لا يتجزأ من طريقة حياتنا. الا انني لا استطيع رؤية نفسي خارج دوامة الانفصام الذي نعيشه مجتمعا وافرادا.

فبينما احارب بكل قوة واخلاص مفاهيم تربوية ثقافية وطنية واخلاقية بتثبيت ماهية الهوية وعدم الانصياع لحال القدس من تهويد ممنهج مرعب ومستفز اصبح الكل منا جزءا منه طوعا وقصرا . والطوع هنا اشد قسوة من القصر . فلا ازال اتحسر على تلك الايام من عيشنا في القدس تحت استبداد واضطهاد الاحتلال القصري لنا ، من هذه الايام التي نعيشها بعد ان دخلنا بأرجلنا نحو مصائد التهويد والأسرلة لمدينتنا ولانفسنا بدون اي وعي لنا حتى بهذا .

ولا نزال نلعن الاحتلال ونرفضه من جهة ، ونستمر في الذهاب والاندماج والانصياع له طواعية من جهة .

وبين رعب من انزلاق سريع متهاوي في قاع الاحتلال ، وبين نزول اختياري لقعرات الاحتلال والايواء بين حفره يبقى الحال الفلسطيني المقدسي .. ضياع في ظلمات تتعاظم من حولنا بين جهل لواقع وحقيقة لم نعد نعرف ما الذي يحكمهما . اهو المنطق ام الحق ام القوة ام المصالح.

هل علينا القبول اخيرا بحقيقة انتهاء القضية ؟هل هناك حقيقة لا نعرفها كشعب وتعيها جيدا القيادات؟

وهل علينا التأقلم مع الواقع الحالي في قبول الاحتلال الذي ومنذ قيامه يتفاقم حتى اصبح محيط بكل ما يخص وجودنا حتى انه صار يجول في كياننا .

فالحال بالرغم من صعوبته وتدهوره لا يزال في طور اللا مستحيل . كل ما نحتاجه معرفة الحقيقة . هل تم الاتفاق على انهاء القضية (وتحديدا موضوع القدس في هذا المجال) منذ زمن ولا يجرؤ احد من القادة الاعتراف؟ لانه من غير المنطق ان نكون نحن الشعب في واد والقيادة في واد اخر ، بينما نقاد كالحمار المربوط امامه جزرة . لا نرى امامنا غير تلك الجزرة التي لا نطالها ابدا وتحجبنا عن كل ما حولنا بالرغم من عدم ربط اعيننا . بتنا لا نبصر ما يجري امامنا وحولنا ونسمح بأن نقاد نحو المجهول الظالم سابقا وغدا . حتى اصبحت ظلمات الاحتلال اكثر نورا لقلوبنا التي غابت عنها البصيرة فأعمتنا عن ذاك الوطن المتربع في قلوبنا حتى تحجر فيها وثقل علينا فجعلناه فتاتا فحطاما فتناثر في ارجائنا حتى تطاير مع انفاسنا إلى السماء فلم نعد نعيه ولا نشعر به .

فبين رمي لابناذنا في احضان الاحتلال ومؤسساته بعد استقصاء موسساتنا لكافة ابناء هذا الشعب واستخلاص ما يصلح على حسب معاييرها الثقيلة والمجحفة وما يتبع ذلك من شحاحة في سوق العمل وانعدام . وبين الاستمرار في تقديم ابناء هذا الوطن اضاحي وقرابين للقيادات لم تعد تمثلنا .

وبين ضياع ذاتي نعاني منه جماعيا لهوية لم نعد متأكدون ان كنا نحارب في المحافظة عليها للحفاظ على مصالحناالشخصية ام القضية الوطنية…نستمر في الانزلاق بهاوية لا مرد منها ….الا……

“.كلمات تذكرني بالماغوط و”سأخون وطني

2015-05-21