السبت 15/10/1444 هـ الموافق 06/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
بلاتر واستقالته....بقلم نادية حرحش

(وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الارض ،قالوا انما نحن مصلحون،الا انهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون )

من بين كل الغرائب التي باتت تحدث حولنا وبنا ، استقالة بلاتر كانت الاقرب في مزاحمة ذاكرتي الى مجريات هذا الزمن الغريب في اقحام سابقة مشابهة في ظل الخلع العربي للرؤساء المتسمرون في مقاعدهم .. وكان الاقرب للقفز من ذاكرتي هو الرئيس التونسي الاسبق زين الدين بن علي… فهو فعليا كان الاسرع والاسهل في خلعه .. بل لم يحتج الى خلع .. وهكذا بدا بلاتر بالامس بعد الحرب الضروس للبقاء على عرش الفيفا بالرغم من ملفات الفساد التي سبقته كالطلق المدوي عشية الانتخابات الجديدة . فكان تمسكه المتشدد بالولاية التالية بالرغم من عتي عمره والضغط ضده شبيها بذلك الذي نشاهده على مدار التاريخ العربي الذي نشهده من تشبث اعمى في المناصب . ولكن الاغرب والمؤسف كان هو انتصار الفساد. فما رافق الفيفا من قضايا فساد مخزية ومهينة لللعبة الاكثر شهرة ومشاهدة وتحويلها من لعبة الفقراء الى لعبة الفاسدبن.

وكنت كغيري في صدمات متلاحقة مساء التصويت . ففي لحظات جعلنا العالم نعتقد ان هناك انتصار للحق سيعلو رغم كل فساد وفاسد مهما تضخمت امبرياطوريتهم. وفي لحظات شعرنا ان هناك انتصار للامير العربي قد يمنح بعض المكانة للعرب في ظل هذا الهوان والانكسار الكبير . ولكن صدمة تخاذل العرب وتآمرهم العلني والخفي ضد الامير العربي كان مثيرا للاشمئزاز . فحصل للامير الاردني ما حصل لبلد اخواله يوم سلموا العرب فلسطين سرا للصهيونية وبكوا قيام اسرائيل علانية .

وبعد هدوء العاصفة التي اهتاجت ونقل موقعها من جنيف الى فلسطين ، وبدأت النفوس في التصالح …

خرج بلاتر وبدون احم ولا دستور ليعلن استقالته .. فلم نلبث ندافع او لا ندافع عن التصويت له او ضده … ولم نلبث نتصالح مع الاردنيين امام ازمة بدت لوهلة سريعة الاشتعال ما بين الشعبين خرج بلاتر وكأن ما جرى لم يكن ، وكأن الموضوع عادي ، وكأنه لم يكن يتسابق للبقاء على عرش الفيفا وكأنه صاحب احقية لا يمكن التخلي عنها . قرر بلاتر الترجل بعد الانتصار الكبير بالرغم من اثباته امام العالم ان الحق لا ينتصر وان الفساد ابقى واصلح . .

. ما جرى باعلان بلاتر استقالته لفت انتباهي الى امرين . الاول ان الدكتاتورية الغربية مهما كبرت وترعرعت وعلا فحشها ، فالانسان فيها هو الاهم وتتبعه المؤسسة . فبلاتر يبدو وكأنه استأثر ما تبقى له من نفسه على المنصب واختار الترجل بدل السقوط الذي يبدو وكأن القضايا التي اثارها مكتب التحقيقات الفدرالية في الاسبوع الماضي لا بد ان حجمها اكبر من انتصاره وستطاله على ما يبدو .

فاثبت بلاتر بالرغم من فساده الكبير وكبر عمره بانه يخلو من متلازمات النكران التي تتلبس القيادات العربية. من مبارك للقذافي للاسد لصالح لمرسي . على الرغم من انه بدا كالبشير من ولاية الى ولاية وكأن العالم لا يدور الا به وله ، وكل ما يجري تحته عبثي وتحصيل حاصل لحقيقة هو خالقها.

وفي خطاب التنحي الذي ادلاه بلاتر اعلن بان الاختلاف علي وجوده فاق ما تخيله ،وعليه فلقد اثر الترك من اجل الفيفا ..

كلمات بالرغم من وضوح عدم مصداقيته في طرحها ، الا انه خرج ما يقال كالجنتلمان . فهو ليس كالقادة العرب الذين لا ينتهوا الا بالموت او الخلع. فالفيفا فكان بلاتر من الحكمة ليعي بان الفيفا لن تحميه موقنا بانه والفيفا اثنان حتى ولو كان ذلك متأخرا. فلم يقف كما يقف العرب شاتما لمن لم يدعمه ولمن اطاح به لم يقف بوجه العالم الذي تآمر عليه وخذله لاعنا اياهم مذكرهم بتوسع امبراطورية الفيفا في عهده بما لم يعرفه التاريخ الحديث . لم يجعل من انجازات كرة القدم استحقاقاته الشخصية ونصب نفسه رغم انف العالم الوريث الوحيد للفيفا.

مما يذكرني بالامر الثاني ، وهو القوة الشعبية والاصرار بالاجماع على فساده حتى ولو فسد من حوله ودعموه.حتى لو سيطر تماما على المؤسسة واشترى ولاء كل قواها . فتنحيه لا بد صاحبه اكثر من عامل ، ليس الضغط الشعبي (العالمي) هو المحرك الاساسي فيه من المؤكد، ولكن اعلان اوروبا بالتفكير في سحب كأس اوروبا من الفيفا بدا اكثر فضيحة للفيفا من فساد بلاتر . فكيف للعالم تخيل اللعبة العالمية بدون نجوم اوروبا . فالعالم ينقسم بين ميسي ورونالدو عندما نذكر كلمة كرة القدم . فما الذي سيبيعه الفيفا للعالم بدون هؤلاء. وتهديد الشركات الراعية الكبرى بالانسحاب كجونسون جونسون والفضائح التي بات المناهضون لما يجري بتحضيرات قطر من استعباد للعمال ونجاحهم بربط شركات كبرى كماك دونالدز بهكذا حملات . بدا وكأنه حملة كحكمة يحكمها العدل لا الانتقام من بلاتر لشخصه . فباتت الفيفا بالسنوات الاخيرة وكأنها المشغل الاكبر للفساد ، وكأنها عراب المافيا وشبكات الاجرام العالمية . فمن فضائح الرهانات التي طالت رؤوس اتحادات في مختلف العالم الى الفساد المدوي في شراء العطاءات وبيعها . فبدا بلاتر كزعيم مافيا تنتج مافيات . هو يذهب للرهان الاكبر في استضافة كأس العالم للدولة التي تدفع له اكثر ، وما يتدرج من هرمه من اتفاقيات سوداء طالت على ما يبدو كل ما يمكن ان يكون فسادا.

ومما لا شك فيه بكل ما جرى وادى الى تنحيه بهذه السرعة ، بمشهد مهما حاول المدافعون الدفاع عنه كان انهيارا مهينا للرجل الثمانيني القوي. فلا بد ان ملفات الفساد التي اطلق العنان لها قبل ايام طالته شخصيا ولم يعد له مفر …

درس مهم في الاصرار على الحق والعدل مهما على القهر والكذب والفساد…

فالدرس الذي يعلمنا اياه بلاتر اليوم .. بان دوام الحال من المحال … والفساد كالظلم مهما استمر لا بد ان تعلو كلمة الحق وتنتصر العدالة …

حتى لو نصرت تلك العدالة الاجهزة الامريكية .. فكان بلاتر وجموعه ” مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما اضاءت ما حوله،ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون”.

2015-06-04