السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
أسباب هزائم الأسد العسكرية وعلاقتها بالملك السعودي الجديد

 لا تزال قوات الجيش السوري النظامي الموالية للرئيس بشار الأسد تتلقى الهزائم المتوالية منذ شهرين في جميع أنحاء سوريا.

وطرد جيش النظام السوري منذ آذار/ مارس الماضي من جميع أراضي محافظة إدلب شمال - غرب سوريا تقريبا، بعد أن سقطت عاصمتها ومعاقل أخرى للنظام محيطة بها تحت سيطرة تحالف الثوار الإسلاميين والسلفيين.

وحملت هذه الهزائم العسكرية طابع "الإهانة" للنظام السوري، حيث كان تحالف الثوار يعلن مسبقا عن كل معركة ينوي خوضها، الأمر الذي مكن جيش النظام من توجيه تعزيزات عسكرية لموقع المعركة، ولكنه رغم كل ذلك هزم أمامه شر هزيمة.

وفي تسلسل الهزائم المتوالية لجيش الأسد، احتل تحالف من الثوار العلمانيين والإسلاميين والسلفيين مدينة بصرى الشام في جنوبي سوريا التي كانت مركزا لتدريبات قوات حزب الله اللبناني، ومليشيات شيعية من العراق وأفغانستان بقيادة الحرس الثوري الإيراني، كما سيطر الثوار على المعبر الحدودي الأخير بين سوريا والأردن.

وفي معركة استمرت ست ساعات سيطر تحالف من ألفي ثائر علماني وإسلامي على قاعدة لواء المدرّعات 52 في الجيش السوري، إحدى قواعد الجيش الأكبر في البلاد.

وتدلّ السيطرة السريعة جدا على قاعدة بمساحة 12,000 دونم بأنّ الكثير من الجنود لم يقاتلوا في اللحظة الحاسمة.

وعلى صعيد قوات (داعش) فقد استطاعت السيطرة على عدة قرى وبلدات في محافظتي حماة وحمص وسط البلاد، وعلى المعبر الحدودي الأخير بين سوريا والعراق، والذي كان تحت سيطرة النظام وأيضا على مدينة تدمر التي تقع في منطقة صحراوية في عمق سوريا وهي محور رئيسي لحركة المرور يضمن وصولا مريحا لغرب وشرق سوريا.

وقطعت السيطرة على تدمر محور الإمداد البرّي للنظام إلى دير الزور شرقي سوريا.

عدة أسباب كانت وراء هذه الهزائم المتوالية التي تلقاها النظام على الأرض وهي: 

أولا، اضطرّ جيش الأسد، ربّما للمرة الأولى، إلى مواجهة قوتين في آن واحد: داعش والثوار السوريون. وتحرص داعش، التي هُزمت في المعركة مع الأكراد في العراق وشمال سوريا، على تقديم نجاحات جديدة وتحسين صورتها في أوساط مؤيّديها المحتملين. في أول سنة ونصف من وجود التنظيم جرى بينه وبين نظام الأسد اتفاق عدم اعتداء غير رسمي، وركّز كلا الطرفين على محاربة قوات الثوار السوريين الذين اعتبروا من قبل كلا الطرفين التهديد الأيديولوجي الأهم. وواجه هذا السلوك من قبل داعش انتقادات واسعة في جميع أنحاء سوريا، وهجماته الحالية على الجيش تحسّن من صورته وتمنحه إمكانية تعويض إخفاقاته في أماكن أخرى.

ثانيًا، أصبح الثوار في شمال غرب سوريا قوة أكثر فاعلية بسبب تحسُّن التنسيق الداخلي في صفوفهم وبينهم وبين الدول الداعمة لهم، وذلك بفضل إقامة تحالف "جيش الفتح" الذي يضمّ في داخله مجموعات إسلامية، والمهيمنة من بينها هي أحرار الشام السلفية وجبهة النصرة، الذراع العسكري للقاعدة في سوريا. وهناك مجموعات من الثوار المعتدلين التي تعمل تحت مظلّة "الجيش السوري الحر" والتي لا تشارك في "جيش الفتح"، ولكنها تشاركه في العمليات في ساحة المعركة. إن استعداد جبهة النصرة للتعاون مع الثوار العلمانيين نابع من أوامر جديدة لزعيم القاعدة، أيمن الظواهري، الذي أمر الفرع السوري بالعمل في إطار الثورة السورية.

وقد ازداد الاستعداد للتعاون أيضًا من قبل الجانب الآخر. في الماضي، رفض النظام السعودي تقديم مساعدات عسكرية ومالية للمجموعات التي تعاونت مع مجموعات إسلامية تنتمي إلى الإخوان المسلمين أو مجموعات جهادية مثل جبهة النصرة. ولكن الملك السعودي الجديد، سلمان، مصمّر أكثر من سابقه على إسقاط الأسد، الذي يعتبر من قبله تابعًا لإيران.

وفي اجتماع عُقد في الرياض في بداية آذار أكّد السعوديون للقطريين والأتراك، الداعمين الرئيسيين للمجموعات السلفية والإسلامية في سوريا، بتقديم المساعدات للثوار في سوريا مقابل التنسيق الثلاثي وإلغاء مسارات التمويل المنفصلة للمجموعات المختلفة. ونتيجة للتغيّر في السياسة السعودية تم غمر الشمال السوري بأسلحة سعودية. أصبحت صواريخ تاو المضادة للدبابات، والتي شُوهدت في أحيان نادرة في سوريا، أكثر شيوعا حتى أنّ الثوار يستخدمونها أيضًا ضدّ أهداف أخرى والتي هي ليست دبابات.

ثالثًا، يعاني النظام من ضعف كبير لا يستطيع التغلّب عليه، ولا حتى بالمساعدات الإيرانية السخية. يتزايد هذا الضعف مع الوقت ويصعّب على النظام تنفيذ استراتيجيته. المشكلة الأخطر لدى جيش الأسد هي النقص في القوة البشرية، والتي تفاقمت مع الوقت بسبب فقدان أراض واسعة أمام الثوار والتي تسكنها قوة بشرية محتملة، الانشقاق وتغيّب معارضي النظام عن صفوف الجيش، ومقتل وإصابة الجنود. وازداد سوء مشكلة القوة البشرية في السنة الأخيرة في أعقاب التغيّب الواسع في أوساط القاعدة المؤيّدة للنظام، من أبناء الأقليّات، الذين لا يرغبون ببساطة بالموت من أجل الأسد. وتجتاح الجنود أيضًا معنويات منهارة بسبب فترات الخدمة الطويلة، سوء التغذية والهزائم المتراكمة في ساحة المعركة. اتّضح أن موقف النظام من الفرار من ساحة المعركة لا يردعهم بشكل كبير.

لا تكفي محاولات نظام الأسد وإيران بالتعويض عن النقص في القوة البشرية من خلال تجنيد عناصر الميليشيات المحلية والمقاتلين الشيعة الأجانب من لبنان، العراق، أفغانستان، باكستان وإيران، من أجل ضمان بقاء النظام. دون إضافة عشرات آلاف المقاتلين المدرّبين إلى ساحة المعركة، سيجد الأسد وحلفاؤه صعوبة في الاستمرار بالصمود.

2015-06-20