الجمعة 10/10/1445 هـ الموافق 19/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
تقرير خطابات الحقد والكراهية ... ورد الفعل المطلوب ...بقلم جهاد حرب

أثار اطلاق التقرير العربي لرصد خطابات الحقد والكراهية في الصحافة المكتوبة بتونس العاصمة، الاثنين الفارط، نقاشا عاصفا في الصحافة التونسية ومواقع التواصل الاجتماعي. حاول البعض استغلاله لناحية طرف هنا أو هناك أو محاولا "تبرئة" نفسه من هذا النوع من الخطاب، فيما البعض الآخر تحامل على التقرير ذاته وشكك بعلميته. هذا النقاش يحمل في ثناياه تحقيقا لغاية جزئية وهي؛ اطلاع رؤساء التحرير في الصحف على نتائج هذا التقرير، ومحاولة النظر فيه بغض النظر عن النوايا الكامنة خلف هذا الاطلاع، أو استخدام النتائج سواء لناحية الدفاع عن النفس أو التشفي بالاخرين.

هذا المقال، كما هو تقرير رصد خطابات الحقد والكراهية، لا يسعى لإطلاق احكام أو اتهامات للصحافة العربية، بما فيها الصحافة التونسية، بممارسة خطابات الحقد والكراهية بل هو وبكل تأكيد يحاول أن ينبه الصحفيين ووسائل الاعلام لخطورة تضمين خطابهم ووسائل اعلامهم خطابات كهذه.

كما أن التقرير  لا يطلب من أحد الاستسلام لنتائج التقرير كحقائق مسلم بها، بل هو يدعو الى النظر وإعمال العقل في الخطاب المنتج أو المقدم من قبل وسائل الاعلام للحفاظ على السلم الاهلي، ومنع الانحدار  الى هاوية الكراهية، أو التجرد من انسانيتنا للرد على الاخرين بمن فيهم التنظيمات الارهابية "كداعش" باستخدام خطابها أو الدعوة لاستخدام وسائلها بداعي الانتقام من افعالها.

 يشير التقرير أن نصف خطابات الحقد والكراهية منتجة في خانة الرأي "الافتتاحيات ومقالات الرأي والتعليق والأعمدة والتحليل" حيث يظهر الانزلاق بشكل واضح في الدمج بين التحليل الصحفي للخبر وأبعاده وبين الانجرار في التحليل الشخصي للأحداث أي النحو بها أو تحميل أفكار الكاتب ومواقفه السياسية بثقل الكلام لا قوارصه. كما تظهر  نتائج التقرير أن خمسي خطابات الحقد والكراهية المرصودة كانت في الصحافة اليمنية في الفترة السابقة للحرب الاهلية في اليمن بأشهر قليلة "فترة عملية الرصد"، الامر الذي يؤكد تخوفنا ويعزز هاجسنا بأن الحرب الاعلامية تسبق الحرب الاهلية في البلاد وهي دافعة لها ومؤججة لنارها.

بكل تأكيد، لا تكمن الغاية من هذا العمل " التقرير" إقامة محاكمة نظرية افتراضية للصحفيين، وهي غير كامنة في خلدِ أيا من العاملين فيه، ولا حتى انتقاد عمل المؤسسات الإعلامية، بل بالعكس، فإن هذه المساهمة هي محاولة، وهي تسعى إلى الدفاع عن أخلاقيات مهنة الصحافة، وعن صورة الصحفيين بإبعادها عن مصادر التشويه والسوء المتمثلة في ممارسة خطابات الحقد والكراهية من خلال الشتم والقذف ودعوات العنف والقتل وإطلاق اتهامات التكفير واللعن وغيرها من الممارسات غير المهنية المرتبطة بالحقد والكراهية، والتي تُحوّل الصحافة إلى مصدرِ تهديدٍ للمجتمع والسلم الاهلي، وتَحول دون دورها الريادي في تحقيق المصالحة الوطنية في المجتمعات العربية التي تحتاج، وهي تحتاج بشكل أساسي، في مرحلة الانتقال الديمقراطي الى خطابات تحافظ على الوحدة الوطنية وتعزز روح التسامح وقبول الاخر  ضمن قواعد التعددية واحترام القانون، ودون الانتقاص مطلقا من حرية التعبير أو الدفاع عنها. وكذلك العناية ببذل الجهد من قبل وسائل الاعلام لإجراء التعديل الذاتي دون تدخل أو ضغط من الاجهزة الحكومية، وكذلك ضمان الانتقال السلس في البلاد، دون عنف أو اقصاء، الى دول ديمقراطية، والمحافظة على النسيج الاجتماعي والسلم الاهلي كضامن لهذا الانتقال.

يجدر التنويه هنا أن هذا الرصد لم يكن الاول، وبالتأكيد لن يكون الأخير، لوسائل الاعلام التونسية؛ فقد سبقه في العام 2013 رصدا لعينة منها، لكن ردة الفعل آنذاك كانت مختلفة؛ حيث اعلنت احدى الصحف التي أشير إليها بأنها الاعلى في بث خطابات كهذه أنها "تعتذر وتلتزم" عبر افتتاحيتها، واحدى الاذاعات بدأت تراقب ما يتم بثه عبر الهواء. وفي ظني ان هذا الامر نسبي من وسيلة اعلامية لأخرى، لكنه ضروري لإتاحة الفرصة لمراجعة خطابنا الاعلامي ومنتجونا الموجه للجمهور . 

طرح هذا التقرير، الذي رصد خطابات الحقد والكراهية في الصحافة المكتوبة في خمس دول عربية هي: تونس ومصر واليمن والبحرين والعراق، واجب مجابهة خطابات الحقد والكراهية في الإعلام العربي  ومنع تسللها الى وسائل الاعلام مستندا الى امرين اثنين؛ الاول: الهاجس الدائم والتخوفات من انتشار خطابات الحقد والكراهية بناء على التجربة الدولية ومفاعيلها كصناعة الاختلافات وتضخيم الخلافات، ونشر العنصرية والتطرف بايقاظ أو انتاج مشاعر العنصرية والقبلية والجهوية والتطرف الديني والسياسي لدى فئات واسعة من الجماهير، والدفع نحو الحروب والأزمات بتحول وسائل الاعلام لفضاءات لنشر رسائل الكراهية وإطلاق نداءات العنف.

أما الامر الثاني فقد جاء التزاما مع قواعد القانون الدولي المدونة في الاعلان الدولي لحقوق الانسان لا سيما المادتين (7، 30) منه، والمادة 20 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، والمادة الرابعة من اتفاقية مناهضة التمييز. ناهيك عن نصوص القوانين المحلية في البلدان العربية سواء في المجلة الجنائية "العقوبات" أو القوانين الناظمة للعمل الاعلامي.

يعتقد معدو التقرير ،المعتمد على مقاربة الرصد الكمي، أن الغاية منه هي انتاج خطاب اعلامي خالي من الحقد والكراهية، وهو لا يتحقق دون الاتفاق على أو ضع خطة "استراتيجية" وطنية في كل بلد لمناهضة خطابات الحقد والكراهية، بحيث تنخرط الاطراف الوطنية المعنية بالخطاب الاعلامي والمؤسسات الاعلامية كمؤسسات الدولة المشرفة على الاعلام أو المنظمة له، ومجالس ادارات وسائل الاعلام المختلفة ورؤساء تحريرها، ونقابة الصحفيين، ومؤسسات المجتمع المدني المختصة بالدفاع عن حرية التعبير لإنتاج ورعاية وضمان تطبيق هذه الخطة أو الاستراتيجية الوطنية. وهي بذلك الرد الامثل أو المطلوب على تقرير رصد خطابات الحقد والكراهية في الصحافة العربية.

 

*رئيس مرصد الاعلام في شمال افريقيا والشرق الاوسط

 

2015-07-29