الأحد 12/10/1445 هـ الموافق 21/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ارطبون حكومة غزة/بقلم: عبد الله سعيد

يمتاز بالذكاء والدهاء، وسرعة الربط بين المواضيع، والصبر على ما لا يطيق سماعه، والتمكن من اخفاء مشاعره الحقيقية تجاهك واظهار عكسها تماما، لدرجة تُذكرك بمهارات الشيعة في اتقان فنون 'التقية'، انها مهارة الاقناع. يبدي ضعفه وعجزه التام حين يطلب منه ما لا يرغب في تلبيته لبعضهم، ويفتح الباب واسعا غير مواربا لطلبات المحسوبين على بلدته التي لا يرى امام ناظريه وفي الدنيا بما رحبت غيرها، داهية، وارطبون الحكومة المقالة، يطبق السيمونية  الدينية البيزنطية مع حرصه على صورته التي يحاول رسمها بحيث لا يشوبها شابه. استطاع النفاذ لقلب ورضى اعلى رجل في القطاع، رئيس الوزراء، باسلوبه وتمكنه من معرفة اسرار البلاط واسرار الوزراء الاخرون واخبارهم. يضع في اعالي المناصب الاقرب ولاءا – الولاء الشخصي- وليس المهنية، يعمل على قاعدة 'المُفَضَل وليس الافضل'، التي سار عليها بنو امية وبنو العباس وجميع الامبراطوريات التي آلت الى السقوط.
هو رجل وسيم، ومهذب في اسلوبه، يقنعك بما يقوله كالساحر، لا تقوى على ان لا تصدقه،   وتقع في براثن شبكته، وتخرج من مكتبه ليس مقتنعا فقط، بل مغتبطا مسرورا، حتى تاتي خيوط الشمس على مواقع كلماته، فتزيح بوهجها الساطع مواقع العتمة التي احدثها سحر بيانه.


عموما، وفي بعض الاوساط الفلسطينية، هناك ظاهرة قد نطلق عليها ' ازدواجية حادة في القيم'، فالجميع يتحدث عن الفساد ويمقته، بينما الفساد يمرق عبر الجميع، مع تحاشي معظم هذا ' الجميع' للمواجهة، عملا بمبدأ 'من خاف سلم'، حيث تترك مقاومة الفساد لقلة باسلة شجاعة، غير متورطة في قضايا فساد وذات يد بيضاء، تحمل روحها على راحتها، غير عابئة بالمآلات والتوابع . هذه القلة يحدق بها دائما خطر التحولات غير الشرعية الحادثة، والتي تؤدي الى انقاذ المتهمين والفاسدين وتكبيرهم، وتحويل مقاومو الفساد الى متهمين!
وهنا، يلعب الدكتور محمد عوض، وزير الخارجية والتخطيط ونائب رئيس الوزراء دورا خطيرا دون ان يدري، فيجعل الفساد ينتشر بطريقة 'اسموزية' سريعة، مضافا الى ذلك التدليس، وغش الناس من خلال التناقض الصارخ بين الادعاءات الاعلامية من ناحية، وبين ضحالة الاداء وصفر النتائج من ناحية اخرى.
فهو يطل عبر عدة شاشات تلفزيونية واعدا تارة بتحسن الاحوال المعيشية وتارة اخرى بقرب انهاء ازمة الكهرباء، وتارة اخرى بقرب اتمام المصالحة، وهو بذلك يحاول ان يطبق 'نظرية الانتشار الاعلامي' ولكنه بهذه العشوائية لم يحقق الا تصدعا في مصداقيته وطعنا في نزاهته، لان شيئا واحدا مما اكد على قرب تحقيقه لم يحدث البتة، ولم يتحقق ولو جزء منه!
حاول الدكتور عوض ان يجمع بين وزارتين ' التخطيط' و'الخارجية' رغم فشل هذا المشروع تاريخيا، وافادوه الخبراء مجددا ان لا فائدة ترجى من ذلك، وان لا نقاط التقاء بين عمل الوزارتين، ونقطة الالتقاء الوحيدة هي دائرة الشؤون الادارية فقط ! وكللت محاولاته بل اطماعه بالفشل في نهاية الامر.


يبني جدارا منيعا بينه وبين موظفينه، حيث يمنع اي موظف مهما علا شأنه او عظمت درجته ان يقابله حتى لو كانت المقابلة في صميم العمل، برغم انه ايضا من الطبيعي ان يقابل ابناء الوزارة وزيرهم، مما يأسس جدارا من عدم الثقة لدى الموظفين بوزارتهم، وعطل الشغل وقلل حماسة الموظفين للعمل، ومما أسس لوجود شخص او اثنين فقط ممن قدموا فروض الولاء الشخصي للوزير، والطاعة العمياء على الحق والباطل، حيث بات ما يلقنونه اياه هو ما يصدقه فقط. اضافة الى توتيرهم العلاقة مع اي من يختلف معهم او لا يكون في صفهم.مما قسم الوزارة الى قطاعات متعددة من الولاءات ومما افسد العمل الحقيقي داخل اروقة الوزارة.
ومما يؤخذ ايضا على الدكتور عوض عدم ايفائه بوعوده، وعندما يفي بوعوده يكون الايفاء بشكل انتقائي، اذ لم يعط للمدراء سياراتهم بدل التي سلموها طوعا، من اجل تغييرها، وعندما اعطى فقد اعطى لمن يحب ويرضى عنه.
يتضح من سلوكيات الدكتور محمد عوض وقراراته وتوصياته ونهجه سواء عندما عمل كأمين عام لمجلس الوزراء او بعد ذلك، مدى 'العنصرية والتمييز' في التعامل، اذ لا يمكن ان يوظف او يمنح او يعطي شيئا لابناء 'المواطنين' اي الذين بقوا على ارضهم وصمدوا كالطود ضد  الاحتلال الصهيوني اعوام 1948 او 1967، وهو وزيرا لابناء 'اللاجئين' فقط، لانه 'مهاجر'، مما غلب معيار العاطفة على معايير العقل والمنطق والقانون، ومما اساء لنفسه و لحكومته التي تؤويه، حتى بتنا نسمع عبارات مثل 'حكومة حمامة' او 'حكومة المهاجرين'  لكثرة المستفيدين من التعيينات وعدد المستفيدين من بند البطالة، و قطع الاراضي الموزعة  لبناء الشقق، والمساعدات وغيره.. ولم يكفه فضيحة منح تركيا لمحاسيبه وخاصاته التي شملت اخيه، ابن والده، ولكن الامر انكشف ولم يكتب له النجاح. ربما كان مطلوبا قليلا من حسن النوايا. وقليلا من الشفافية!
وجدير بالذكر ان الدكتور محمد عوض لم توافق حركة حماس على منحه اي منصب رسمي واعترضت بشدة على منحه وزارة الخارجية والتخطيط، ، فلا نعرف كيف تم تعيينه كنائب لرئيس الوزراء؟ وانظروا لتعليقات الاخوة في حماس في 'شبكة فلسطين للحوار' على قرار تعيينه وزيرا او نائب لرئيس الوزراء، لتكتشفوا بانفسكم ان المسلمون لا يجتمعون على باطل او  ضلال. فجميع التعليقات تعبر عن صدمة وغضب من توليه هكذا مناصب.


وفي نهاية الامر، فالدكتور محمد مكانه الطبيعي في الجامعة الاسلامية كمحاضر، لا اكثر، لانه لا يمتلك اي كاريزما او مقومات قائد اخلاقي ناجح، وهو من النوع الذي يقع في براثن موظف متسلق وانتهازي، يتحكم به، و يحركه كيفما شاء.
وان اطلالته عبر الشاشات لكي يحدثنا عن ازمة الوقود او ازمة الكهرباء والمصالحة  ويعطينا تطميناته عن شؤون الحرب الاسرائيلية، والتعليقات على خطابات الرئيس ابا مازن، تارة بالايجابية وتارة بالسلبية، ( بقي فقط ان يعطينا تطمينات حول تفريغات 2005) كل ذلك لا يؤهله  لادارة وزارة خارجية محترمة، تعنى بالسياسة العالمية والعلاقات الدولية وشئون السياسة الخارجية. فهذه المهام الجسام تختلف تماما عن 'شغل الدكاكين' الذي يتقنه عوض.

     [email protected]

2012-08-15