السبت 11/10/1445 هـ الموافق 20/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
نادية حرحش تحاور الفنانة والناشطة ميسون زايد

إسمي ميسون زايد . أنا لست سكرانة ، ولكن الطبيب الذي أشرف على ولادتي كان …لهذا أقوم بالإرتجاج طول الوقت ، فجزء مني شاكيرا وجزء مني ياسر عرفات” .

هكذا قدمت نفسها ميسون للجمهور الكبير الذي كان جالسا مترقبا لظهورها في القدس. وهكذا تقدم نفسها في كل عرض .

تابعت ميسون :

منذ عدة سنوات بعد لقاء بث لها من قبل TED والمعروف عن استضافته لأشخاص مميزون يشكلوا قدوة ما لمجتمعاتهم وللعالم بشكل خاص وتأثير تجاربهم على العالم . فTED استضاف شخصيات من بيل جيتس إلى ميسون زايد.

كنت أفكر في كم القوة التي يضعها الخالق في إنسان واحد. قوة تتحدى الخلق والطبيعة ، من خلال جسد مقدر له شلل دماغي يرافقه إلى الأبد. في كل مرة أشاهدها وأقول بنفسي كم هي ملهمة هذه الانسانة لتوقفني كلماتها في كل لقاءاتها : ” انا لست ملهمة” ، لأقول في نفسي من جديد ، اذا لم تكن انسانة مثلك ملهمة فمن الملهم ؟

كيف نعيش حياتنا ، نتذمر في ما رزقنا به من نعم ، نشكوا قلة الحيلة وانعدام الفرص ، وتخرج ميسون بمشيتها الشامخة بكل هزة فيها ، وتجلس أمامنا وتبدأ كلامها المغطى بالسخرية الملىء بالرسائل الإنسانية ، الإجتماعية ، السياسية الكبيرة ، التي ما تلبث تضحكك وتبكيك وتستوقفك لتحاكي أوجاعك وأفراحك وتجد نفسك مأخوذا بسحر تلك المرأة الجميلة القوية الذكية ناسيا تماما إعاقتها لتخرج من هذه الأمسية مع قضيتين تضعهما بقلبك ليصبحوا جزءا من جوارحك إلى الأبد…

الإعاقة وفلسطين .

طلبت لقاءا مع ميسون ، وكان الرد سريعا ، ولكن الوقت المتاح قليلا ، فالتزاحم على إجراء اللقاءات معها يشبه أخذ الميعاد لدى طبيب . ولقد تم تحذيري بأن وراء هذه المرأة “الكوميديان” امرأة لاذعة ، فلا بد من معرفة المعلومات عنها جيدا قبل لقائها . فأمضيت يومين في مشاهدة برامجها مرات ومرات ، ناسية بأني أريد إجراء حوار معها ،مأخوذة في عالم مليء بالرسائل الموجعة المثيرة للسخرية …ولربما للشفقة للعالم الذي نعيش فيه.

شعرت بأني أريد الكتابة عن ميسون ، أكثر من الحوار معها. إلا أنني قررت ترك هذا الأمر لأرى بنفسي إن كان ما تقدمه يشبه الإنسانة التي تخيلتها أم لا ، لأتأكد ، بأن الكتابة في صفحة او اثنتين لن يوفوها حقها .

ميسون زايد المولودة بنيو جيرسي من والدين فلسطينيين من قرية دير دبوان قضاء رام الله.هاجرا والديها الى امريكا قبل عقود كالكثير من أهل قريتها. تمازح ميسون قاذلة بأن :” قصة حب “استثنائية ” جمعتهما” ، كان والدها دائما يقول لها : ” كنت أعرف أن أمك هي حب حياتي منذ اللحظة الأولى ” . وتسأل ميسون كيف عرفت فيجيب : ” والدي أخبرني” . إعاقتها لم تكن بسبب الوراثة على الرغم من أن والديها أبناء عم . ومرضها ليس معدي على حد تعبيرها . هي أصغر أخواتها ، ولقد أصر والديها على أنها ستكون مولودا ذكرا واسمه محمد. عندما أنجبت قررا تسميتها “محمدية” ، ولما أخبرهما الطبيب بأنها لن تعيش، قررا بأن إسم “محمدية” أجمل من أن يوضع على شاهدة قبر طفلة لم تعش ، فأسموها ميسون.

دخلت ميسون عالم الفن بالصدفة ، عندما التحقت بمساق للتمثيل(على مضد) بينما كانت تدرس المحاماة في جامعة آريزونا ، لتحول مسار تعليمها باليوم التالي الى الفن والتمثيل.لتمر بتحديات وتلتقي فيما بعد على مفترقات أو بعد عناء طويل أو بمحض الصدفة بأشخاص وفرص جعلتها تواصل صعودها ونجاحها حاملة معها دائما وأبدا قضيتها…

” أنا فلسطينية ،أنا مسلمة….. وأنا مصابة بالشلل الدماغي”.

هكذا تقدم ميسون نفسها ،وكأنها ممثلة لحملات توعوية جادة لأكثر الفئات تهميشا وحاجة، من خلال عروض فكاهية تحاكي القضايا الحياتية بقالب شخصي ساخر يترك المشاهد ضاحكا، فرحا، متأملا ، متفكرا ، ربما ليخرج مثل ميسون أكثر إيمانا بأن هناك ما يمكن ان نقدمه للبشرية ، لهذه الفئات التي لا تختلف عن كل واحد فينا ،إلا في ظروفها الصعبة.

عرض ميسون على TED حصد الملايين من المشاهدات ، وتم ترجمته ل ٣٣ لغة .وحصل على الترتيب الأول ضمن العروض الأكثر مشاهدة لسنة ٢٠١٤. تم استضافتها بالعديد من البرامج العالمية والامريكية الهامة ، وظهرت ببعض الأدوار السينمائية والتلفزيونية , وكتبت سيناريو فيلم . ولقد أعدت لها أوبرا وينفري حلقة خاصة ستبث قريبا .

أسست ميسون مع دين عبيدالله مهرجان نيو يورك العربي الأمريكي للكوميديا سنة ٢٠٠٣ ، ليصبح المهرجان الكوميدي الأكثر نجاحا ورواجا في أمريكا. وتقضي ٣ أشهر سنويا في فلسطين مع ” أطفال ميسون” في مدرستها الخيرية التي ترعى الأطفال ذوو الاعاقات والآيتام في المخيمات . إلتقت بزوجها بمخيم دهيشة لتضعه في قفصها ، ويصبح زواجها أحد طرائف برامجها المختلطة بالخيال والواقع.

بدأت مع ميسون من حيث انتهى حوارها مع قناة تلفزيونية ….

والحديث مع ميسون يتراوح بين اللهجه العامية الفلسطينية الفلاحية والامريكية مما يضفي دعابة ونكهة مختلفة..

ما الذي يحضر ميسون لفلسطين ؟

منذ صغري وأنا آتي في عطلة الصيف إلى فلسطين . تعلمت العربية على طريقة جدتي ، أستمتع وأنا أتكلم باللهجة الفلاحية التي من خلالها أشعر بأني أسترجع تراث وأيام ماضية جميلة . و”أطفال ميسون” ما يحضرني إلي هنا بانتظام . هدفي كإنسانة مولودة بالشلل الدماغي ، أن يكون كل اطفال فلسطين المصابون بالإعاقات بمدارس عادية . ما نقوم به “بأطفال ميسون ” هو إقامة صفوف خاصة لهؤلاء الأطفال وتأهيلهم كباقي الأطفال في عمرهم ودمجهم في صفوف عادية .وجودي بمدرسة عادية وأصرار والدي على هذا هو ما جعلني من أكون عليه اليوم.

 

هل هناك فرق بين ميسون التي تعرض في امريكا وبين ميسون التي تعرض في الدول العربية ؟

طبعا ، أنا بأمريكا أعرف الجمهور عن فلسطين . هناك من لا يميز بين فلسطين وباكستان . في الكثير من عروضي أتكلم عن صديقتي منذ الطفولة التي كنت في كل مرة أقول لها بأني ذاهبة لقضاء عيد الميلاد في فلسطين Palestine تقول لي مذعورة : من يذهب لقضاء العيد في باكستان ، فالوضع مرعب وخطير هناك . فأقول لها : أعرف هذا ولا أريد الذهاب إلى هناك . أنا ذاهبة الي المكان الذي ذهب إليه يوسف ومريم . فتقول : من . فأقول : مريم ،أم المسيح ، لانه ولد هناك .فترد قائلة بثقه : المسيح ولد بالفاتيكان.

في أمريكا لا يعرفوا معنى الحواجز ولا معني ما يجري معنا بالمطارات ، ما هو العذاب الذي نتعرض له عند دخولنا وخروجنا من البلد. في كل مرة هناك احتمال بعدم السماح لنا بالدخول . معنى أن أفقد كل شيء ، معنى الفرحة التي أشعر فيها بكل مرة أكون بها هنا .

في فلسطين الشعور مختلف ، فالجمهور يفهم عن ماذا أتكلم، نتشارك الكلمات والنكات، القضايا الإجتماعية والسياسية .

 

تتكلم ميسون بكل ما يري من حولها ، بأوباما وهي أمام شاشات أمريكيه ، بقمع حريات المرأه وهي بالدوحة ، وعن الملك بعمان وأبو مازن وصائب عريقات والسلطة والفساد وهي بفلسطين.. هل هذا يعرضك للمساءلة ؟ و ما هو سر نجاحك ، لما كل هذا الطلب على عروضك ؟

 

عندما تخرج الكلمة ،ينتهي الموضوع ، لا أحد يستطيع أن يرجعها ، أنا أقول ما أريد .

في أي مكان أذهب إليه ، لا أسمح لأي أحد بأن يملي علي ما أقوله . في أمريكا ، في عمان ، في الدوحة ، في الكويت ،في فلسطين ، في القاهرة…الا القاهرة …”حكيت نكتة وحملوني عالمطار”

كنت بالقاهره ، المكان الوحيد الذي طردت منه وكان ذلك ب ٢٠٠٩ .

حكيت نكتة ” فهموني مين بالعالم العربي بسمي ايجيبت اير ” فقامت سيدة كانت تجلس بالصف الأول من مكانها ، وصعدت راكضة صارخة الي المسرح وحاولت ضربي ( مسكتني من رأسي) واوقفها الكوميديون الاخرون ،لم يعلموا بانها وزيرة حينها . تم ابعادي بنفس اليوم. ولم ار الاهرامات . وبقيت اسأل نفسي ، انا شو ذنبي ، انا اللي سميتها ايجيبت اير؟ ”

ماذا عن الدول العربية الأخرى ؟

كنت مؤخرا في الدوحة ،من خلال برنامج مع ال بي بي سي في مداخله عن موضوع : ” تفوق المرأه على الرجل “.

كثير حلو الذهاب إلى هناك وتتكلمي عن تفوق المرأه أمام مجتمع محافظ جدا . كان شعري يتلاعب بالهواء وأمامي جموع النساء المغطيات . كان حدثا مضحكا للغاية ولكن مهم.

هل تظني أن المرأه ذات الإعاقة هي أقوى من الرجل ؟

طبعا لا . المرأة مهمشة ، والإعاقة تزيد من تهميشها.

في فلسطين إذا تعرض الشاب للإصابة في مواجهات الإحتلال وأدت إلى إعاقته يصبح بطل، يتزوج ، يتعالج. والبنت تخبأ في البيت وتصبح عبء .

ماذا عنك أنت؟

انا لست حزينه بأن عندي إعاقه ، ولا أستطيع أن أحلم بحياه بدون إعاقة .

لأني أشعر بأن هذا جزء من حياتي ، وهذه الإعاقة في حالتي كانت سببا في نجاحي.

ولكن دائما وأبدا فهي مشكله . في فلسطين من الصعب جدا التحرك . في أمريكا صعب جدا الحصول دور في التلفزيون . من الصعب إيجاد طبيب يعالج بدون أدويه تجعلك مدمنا .

الشاب صاحب الإعاقة له فرص اكثر من المرأه طول الوقت .المرأه هي أكثر تهميشا كامرآه فتخيليها مع إعاقة…

الإعاقه تترك الرجل أقل قوة   … ولكن الإعاقة تلغي المرأة.

وانا أسمعك الآن لا أفكر إلا بكم الإلهام الذي تبثينه بكلامك وبشخصك ، وأسمعك تقولين : أنا لست ملهمة :

لست ملهمه وسآقول لماذا ، لأن الناس تشاهدني وتظن أنها إعاقتي . أريد أن يعرف الناس أن الإنسان الذي يريد شيئ ما سيصل إليه . هذا الإلهام الذي أريد. أن ينظر إلي أحدهم وينظر إلى ميسون. حينها لا أمانع ان أكون ملهمة.

وختاما و بإحدى نكات ميسون ،هل هناك مزايا للإعاقة:

أكيد ، كثره الإرتجاج تحرق السعرات الحراريه فاستطيع أن آكل كل ما أريد .

لايوجد انسان لم يتمنى بأن يكون بإعاقة حتى ولو للحظات قليلة ، تعرفين متى ؟ عندما تحاولي ايجاد صفة للسيارة ، كم مصف هناك لاصحاب الإعاقة ؟ الا تراودك الفكره ابدا؟

والى اللقاء في فلسطين العام القادم….

هذا ما تختم به ميسون عروضها في كل مرة.

 

2015-08-20