الإثنين 13/10/1445 هـ الموافق 22/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
ما رأيكم دام فضلكم؟...د. حاتم عيد خوري

أمين صادق المكنّى بِ"ابو صلاح" شخصٌ في اواخر العقد السابع من عمره، تربطني به اواصر صداقة عميقة ومتينة. ابو صلاح معروفٌ بصراحته وصدقه وجرأته وعدم محاباته للآخرين، فهو "يبجّ العديله" ولا يتحمّل المايله وليكن ما يكون.

التقيتُه في امسية إجتماعية بعد انقطاع غير مقصود استمرَّ بضعة اسابيع. قال لي في معرض حديثنا وبلهجة لا تخلو من الانتقاد المبطن: "لاحظتُ من خلال متابعتي لمقالاتك التي نشرتَها في الفترة الاخيرة، انك تتركز في امورِ مجتمعِنا المحلي فقط. ألا تعنيك قضايا منطقة الشرق الاوسط او القضايا العالمية الاخرى؟ لماذا لا تتطرق اليها؟".

اجبْتُه مبتسما: " لاني لا اريد ان اكون كذلك الرجل الذي قال اثناء احتفاله باليوبيل الفضي لزواجه، انه وزوجته ينعمان بحياة زوجية هانئة، لانهما ومنذ زواجهما قد قسّما المسؤوليات بينهما. هو يهتم بالامور الجوهرية الاساسية الكبرى وهي بالامور الجانبية الصغرى الثانوية. فمثلا هو يهتم بالازمات العالمية كالخلاف ما بين الكوريتين والذرّة في ايران وقضية طالبان في افغانستان والصراعات الدائرة في العالم العربي ومشكلة تلويث البحار والمحيطات والفضاء الخارجي وغيرها من القضايا المصيرية بالنسبة للجنس البشري، بينما زوجته تُقرِّر بشؤون الاسرة كالمأكل والمشرب والملبس والمسكن والتعليم والاستجمام والزيارات المتبادلة مع الاهل والجيران والاصدقاء وما شابه ذلك من الشؤون الحياتية اليومية...".

رغم الابتسامة العريضة التي بدتْ على وجه امين، والتي اكّدت لي فهمَه لما أعنيه، إلا اني، ومنعا لاي التباس، اضفتُ قائلا: " انا لا اريد يا امين ان اشغِلَ نفسي واجْهِد قلمي في امورٍ اعرفُ سلفا اني لا استطيع التاثير فيها".

رمقني أمين بنظرةٍ يطلّ منها اشفاقٌ على "سذاجتي"، قائلا: "أوتظن يا حاتم ان الكلمة المكتوبة تغيّرُنا؟ ألا تعرف اننا شعب لا يقرأ وإن قرأ فكي ينام، وإن لم ينم فهو عازم على ان لا يفهم المقروء، لأن فهم المقروء يضعه امام تحديات ومسؤوليات تتطلب منه جهدا جسميا وعقليا و/أو بذلا ماديا هو يبخل به". لم اتمالك نفسي من ان اقاطعه قائلا له: "اتتهم يا امين شعبَنا بالبخل، بينما ادبنا وتاريخنا  وتقاليدنا وعاداتنا حافلة بقصص الكرم والجود وسخاء اليد واستقبال الضيف؟!" واضفتُ بابتسامةٍ مُداعِبةٍ "هل نسيتَ يا عزيزي اسم حاتم الطائي؟".

لم يتزحزح امين عن موقفه قيد انملة، إذ قال: "يا اخي إتركنا من الماضي وامجاده. نحن اليوم في الحاضر، وحاضرنا تعيسٌ وكرَمُنا انانيٌّ نفعيّ. إذا إستضفْتُك اليوم، فالويل لك ان لم تستضفْني غدا". توقّفَ امين عن الحديث هنيهة تم تابعَ قائلا: "انا لا اريد انْ اعمّم، لاني أعرفُ جيدا واقدّرُ للغاية تصدّق َ بعض افرادٍ من ميسوري الحال على أفرادٍ آخرين محتاجين، لكن قلّما يكون تبرعُنا  لمؤسسةٍ ما حتى لو كانت ملكا عاما للجمهور العربي. عطاءُ الفرد مهما كبُرَ يبقى مجردَ رافدٍ محدود السيل، لكنّ عطاء الافراد سوية يحوّلُ الجدولَ الى نهرٍ متدفق. نحن افرادا قد نكون رائعين، لكننا كفريق نبقى لسببٍ ما، إنفراديين مشتتين ولا نُحسنُ اللعب سوية".

قلتُ له: "رويدك يا امين، ألا تعتقد ان جَلد الذات هذا ينطوي على الكثير الكثير من الظلم والتجني على مجتمعنا؟".

لم يبق ابو صلاح مدينا لي، حيث قال: "انا لا اظلم مجتمعنا العربي ولا اجلد ذاتي وإيّاه، إنّما اكشفُ القناع عن وجه واقعِنا المشوّه، وإثباتا على ذلك ساعطيك مثالا حيّا آنيّا. لقد نشرتَ انتَ بالذات، قبل اسابيع قليلة مقالا مستفيضا مُقْنِعا - من وجهة نظري على الاقل- بعنوان "الميدان ما بين طقّ الحنك وطقّ الجزدان" كمحاولةٍ منك لإستنهاض همّة الجمهور العربي لدعم مسرح الميدان في هذه المرحلة الحرجة جدا التي يتعرض فيها الميدان الى مؤامرةٍ يمينية حكومية مفضوحةٍ تستهدف وجودَه، باعتباره مؤسسة قطرية عربية صرفة، تملكها جماهيرنا. فما هو عدد الذين تجاوبوا فتبرعوا ولو بمبلغ رمزي؟".

لقد خجلتُ ان اقول له، ان العدد لم يتجاوز لاسفي الشديد، عددَ اصابعِ  يدٍ واحدة مقطوعة الابهام والخنصر، فقلتُ له بانكسار: "قلائل جدا هم الذين تبرعوا". تلقّفَ ابو صلاح جوابي الخجول قائلا لي: " أتدري لماذا؟ لاننا تعودنا في مشهد التبرع والعطاء، ان نلعب دائما دورَ المتلقي الابدي. فما ان تطفو على سطح حياتنا الاجتماعية قضيةُ تجنيد اموال لدعم مؤسسة عامة تخدم مجتمعنا، حتى نتناسى دورنا ومهما كان متواضعا، فنتوجه الى المؤسسات الخيرية خارج البلاد التي مدّت لنا يدَ العون في الماضي، معيبين عليها حقَّها في طرح سؤالها الشرعي: هل ساعدْتُم انتم انفسَكم، كي نستمرَّ نحن في مساعدتكم؟".

ان حديثنا والاصح جدلنا (ابو صلاح وانا)، كاد يستهلك وقت سهرتنا باكمله. لذا اردتُ ان انهي الموضوع بروح طيبة، اذ ان اختلاف وجهات نظرنا ينبغي ان لا يُفسِد لودِّنا قضية. فقلتُ : " اتدري يا امين ان موقفك من جمهورنا العربي يذكرني بالنكتة التالية:

درجَ احدُهم على القدوم سنويا الى بيت رجلٍ مُحْسِنٍ كريم لأخذِ مبلغٍ معيّنٍ من المال يُعينُه على معيشة اسرته. بعد عدة سنوات من العطاء المتواصل، قال المحسنُ للمستعطي: "آسف يا عزيزي، لن استطيع ان اعطيك اكثر". حدجَه المستعطي بنظرةِ استغرابٍ مُتبّلٍ باحتجاج: "مُمْكن أفهم ليش؟!". قال المُحْسِن معتذرا: "تجارتي تقلصتْ، واولادي سيتعلمون هذه السنة في الجامعة الامر الذي سيكلفُني مصاريف كبيرة". فانتهَرَه المستعطي قائلا: "يعني بدّك تعلّم ولادك في الجامعة على حسابي؟!!".  

ضحِكَ ابو صلاح حتى الدمع قائلا لي: "يعني انتَ موافقٌ على رأيي بالنسبة لجمهورنا العربي. أليس كذلك؟". قلتُ له: "ليس تماما، ولكني سأحيلُ الموضوع كلَّه على القراء لإبداء آرائهم".

 فما رأيكم دام فضلكم ايها القراء الكرام؟...

[email protected]

2015-09-11