الأربعاء 8/10/1445 هـ الموافق 17/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الوعي هو الخيار الفلسطيني المتبقي : من المقاطعة حتى فضح جرائم الاحتلال بحق جثامين الشهداء...نادية حرحش

 منذ الأمس ويحاصر رأسي سؤالين.

الآول : ما الذي يمكن ان نفعله ؟

والثاني : ما الذي يجري ؟

مع ادراكي الكامل لفضفضة السؤالين ، الا ان ما يحدث على الارض يحاصرني دائما بهذين السؤالين .

بعد احداث الجامعة بالامس من اقتحام لقوات الاحتلال رافقها مواجهات من قبل الشباب ، لم يفارق تفكيري شاب او صبية او طفل يحمل حجرا ويرميه في وجه الجندي وآليته العسكرية الفظة المرعبة بكل قوة وإصرار .

مع يقيني الكامل بأن الحجر لا يؤثر في تغيير الواقع على الارض. فالحجر مقابله آلية حرب كاملة محكمة . في احسن احوال ،الحجر يبعد الجندي قليلا وقد يصيبه في مكان ما بجسده المحكم الوقاية والاغلاق من ملابس وادرعة ،اسلحة. الا انه بتلك اللحظة لا يمكن الا ان تشهد العين لسجود الارض وانحناء السماء لقوة الحجر في يد هؤلاء الشباب.

في لحظة يخرج المشهد من ذلك الصبياني، الذي يتجمع فيه الصبية من اجل حرق اطار ويتجمهر الشباب من اجل لقاء وتسلية وتباهي ما . يتحول المشهد في لحظة المواجهة لاصرار وتحدي يكون الحجر بقوة البنادق والعتاد العسكري . تراه ينبض حياة بيد حامله وكأن به فعلا سترد الحياة.

ولكن سرعان ما استيقظ على الواقع . أحسد اولئك الذين قرروا ان يكون الحجر طريقة تعبيرهم عن غضبهم وقهرهم ورفضهم للظلم الذي يسببه الاحتلال . وافكر بما هو الممكن من باقي الشعب الذي لا يرى في الحجر وسيلة دفاع ، ولربما مثلي لا يتجرأ على مواجهة مباشرة مع الالية العسكرية المدججة بوسائل القتل والقمع.

نقف اليوم كشعب اعزل بكل المقاييس ، في غياب قيادة تتهاوى كرماد حريق لم يبق منها الا تطاير هذا الرماد في سماء لن تحضنه كغبار في يوم ريح عابر.نواجه كشعب ظلم احتلال اتى ولن يرحل . نعيش خطة تطهير عرقي بدأت من سبعة عقود وتستمر لهذه اللحظة . نعيشها بتفاصيلها من قتل وهدم وتنكيل وحرق وتشريد .

ما يختلف اليوم عن الامس هو وعينا الكامل بأنه ما من مجيب لصرخات استغاثة من قريب ولا بعيد . نحن فقط من نستطيع غيث انفسنا كشعب اعزل ووحيد. والتفكير بالوعي يأخذني الى اجابة على سؤالي الاول . بالوعي فقط نستطيع ان نكون جزءا من الحل . بل الحل كله . في الوعي فقط نستطيع ان نحسم موقفنا من الاحتلال ومن القيادة العبثية الفاسدة . وفي الوعي فقط نستطيع ان نكون مؤثرين بقدر تأثير الحجر بيد شاب صنع من الحجر سلاح مقاومة. وغير مفهوم العنف الى نضال.

ما يستطيع باقي الشعب الذي لا يقوى على حمل الحجر ولا يزال يؤمن ان هناك حياة تنتظره مع بضع ذرات من الامل هو المقاطعة.

المقاطعة هي التي تفصل بيننا وبين الاحتلال وهي التي توحدنا في نضالنا كشعب. والمقاطعة ممكنة مع اليقين بان البدائل غير متوفرة كثيرا ، وان الجودة تفتقر اليها منتجاتنا ، وان البديل اغلى ان وجد. ولكن نحن من نقرر حراك السوق ان قررنا المقاطعة. اعترف انني اشعر بالغباء في كل مرة اتبضع فيها ، وتمتلىء سلة المشتريات ببضائع مبالغ في علو اسعارها ، شحيحة في قيمتها ، الا انني اقر بان لو كان هناك طلبا على البضائع الفلسطينية لقلت اثمانها . علينا ان عي اليوم ان البضائع الاسرائيليه هي جزء من همجية الاحتلال واستهلاكنا لها هو بلا ادنى شك شراكتنا في جرائمه. تطاردني دائما كلمات ابنتي عندما كنت اتحايل عليها لتستخدم القطار الخفيف من اجل الذهاب الى المدرسة . فاستخدامه يوفر المال والوقت . فكانت ترد وتصر بأن بضع الشواكل التي تدفعها من اجل تذكرة تعود لجندي يقتل شابا في غزة . ولن تكون هي شريكة في هذا . وفي حسبة سريعة اسكتتني ، عملت حسابا لمجموع الشواكل الذي يصل الى الالاف في استخدامها للقطار على مدار السنة . والتي اصرت بأت هذه ليست بضع شواكل فقط ، ولكنها جزء من اموال تصبح اموال دولة يستفيد منها الاحتلال لقمعنا.

اصراار ابنتي على الذهاب بالمواصلات العامة الفلسطينية في الصيف والشتاء رغم عناء حقيقي وجهد تستطيع بكل بساطة تفاديه . حيث محطة القطار على بعد امتار من البيت ومحطة الوصول بالضبط مكان المدرسة . بينما استعمال الباص العادي يجعلها تنتظر اكثر وتمشي للمدرسة ذهابا وايابا ما يزيد على العشرة دقائق.

في هذه الازمة الاخيرة اثبتت ابنتي بان المقاطعة نضال . وان التغيير ممكن . فكما علمت منها ان وساىل النقل العادية تحسنت وبها وسائل الراحة المناسبة لاحتياجاتها . فكما البضائع لو اشتد الطلب عليها لقلت اسعارها وزادت جودتها . فنحن المستهلكون من نقرر كيف تصبح الامور. وهذا لا يجري بلحظة ولا بكبسة . انما هو بحالة نضوج للوعي لتصبح هذه الامور طريقة حياة.

علينا ان نبدأ بتغيير نهج تفكيرنا الذي تم تطويعه نحو حصد النتائج بلا زراعتها . المقاطعة كانت ولا تزال اضعف الايمان . الا انها سلاح نافذ اذا ما استعملناه كلنا كشعب. قد يكون تأثير المقاطعة هو تأثير الحجر في وجه الدبابة . كما هو السكين امام آلية عسكرية متداخلة . الا انه يبقى سلاح مهم . اذا ما اعدنا النظر في تصرفاتنا التي تخدم الاحتلال مباشرة بلا وعي منا احيانا ، وباستهتار منا احيانا كثيرة . المقاطعة ليست اختيارا . بل هي واجب على كل فلسطيني ، وعلى كل عاقل يرفض الظلم الذي يقع علينا كشعب. علينا نحن الفلسطينيون ان نرى في كل لقمة نضعها في افواهنا من صناعة الاحتلال اننا وبصورة مباشرة صرنا جزءا من قتل ابنائنا . لقد حان الوقت ان يتغير وعينا وبقناعة بأن بالمقاطعة حياة لنا ، كما بالحجر رمز للمقاومة. والمطلوب ليس المستحيل . المطلوب هو الممكن . والممكن كثير لو ايقظنا وعينا وتيقننا ان ضحية اليوم قد يكون بعيدا بعض الشيء . الا ان الغد لا يضمن ابدا لنا بان لا نكون الضحية القادمة.

.اما بالنسبة للسؤال الثاني وهو ما الذي يحدث . فلقد استوقفني بالامس ايضا موضوع مثير يستوجب التوقف . لا احتاج لان ابدأ بالاجابة عن تساؤلي بمقدمة اشير بها الى غياب القيادة ودورها مرة أخرى . ولا اشك ان هناك امور تجري لا ندري عنها كشعب يتم تسويتها او محاولة التسوية فيها بلا ادنى شعور من قبل القيادة بالحاجة لإعلامنا او مناقشتنا كشعب. الا ان هناك ما يجري ويمر امام اعيننا بدون محاسبة وعلينا محاولة العمل على فهمه ومعرفته ، وهو موضوع جثامين الشهداء.

فلقد تناقلت بعض وسائل الاعلام موضوع اختفاء قرنية احد الشهداء . وهناك من تداول صورة لمعتقل تم استئصال شيء ما من احشائه عند الاعتقال ، وتبدوا الغرز مرعبة المنظر . وكان هناك تقرير قبل عدة سنوات اعدته احدى الصحف السويدية (اعتقد) عن تجارة اسرائيل بالاعضاء البشرية واستخدام جثامين الفلسطينيين لهذا الغرض.

بين حقيقة هذا الاتهام وعدمه ، فإنه من واجبنا كشعب العمل على التحقق منه . علينا الخروج من حالة العاطفة المتأججة في افعالنا والتعامل بحكمة بما يجري. فلا استبعد ان تقوم اسرائيل بهذا ، خصوصا اذا ما نظرنا الى كمية القتل والاعمار المستهدفة . وما يتبع هذا من اختطاف للجثامين تبقى في مستشفياتهم لاسابيع او يزيد. وهم على دراية بان العاطفة تأخذنا والحلال والحرام في هذا الشأن يبدأ بأخذ حيز من مجال تفكيرنا . وافهم وضع الاهل في هذه الظروف . فهم ليسوا بموضع تفكر وهذا طبيعي . ولكن في مزاحمة الموت الحالي ، وفي خضم الضوضاء التي تصاحب الجنازات والتي تتحول الى افراح في محاولة للتخفيف عن ذوي الشهداء . هناك حالة هزلية تجري تؤكد على ان التأثير العام على الاهل مهم .فمن يستطيع ان يقنع والدين مثكولين بفقدان فلذات اكبادهم بأن يقوموا بتزويج ابناءهم الشهداء لبعض . لا بد يستطيع ان يقنعهم بوجوب تشريح الجثامين قبل نقلها الى مثواها الاخير .

في حربنا ضد الاحتلال الذي لا يوفر على نفسه فرصة في استئصال ما يمكنه منا احياءا وامواتا ، علينا الا نضيع فرصة كشف حقيقة افعالهم هذه اذا ما صحت .

قد يبقى كلامي هذا يعوم في فلك الفرضيات ونظريات المؤامرة . الا انه من الواجب حصر هذه الشكوك بعمل اجراءات توجب تشريح الجثامين من قبل الجهة الفلسطينية عند استلامها . فالحرب مع اسرائيل حرب وجود ولاا وجود . يزاحموننا فيها على الحياة والموت . وعينا هو كل ما لدينا لكي نستطيع ان نقاوم طغيانهم الذي لا يرحم الاحياء ولا الاموات

2015-11-04