هددت شركة الكهرباء القطرية التابعة لدولة الكيان العنصري، بقطع الكهرباء عن وسط الضفة الغربية، وقد أفاد السيد هشام العمري مدير شركة كهرباء القدس "الفلسطينية" في حديث لوكالة معا إن الشركة القطرية "تكرمت" بعد مفاوضات لا شك انها كانت مضنية إلى تأجيل قطع التيار، وذلك " هذا من عندنا" في لفتة إنسانية من اجل أن يحتفل أبناء "الطائفة الإسلامية" بعيد الفطر الذي نرجو أن يكون سعيدا على الجميع، قبل أن تقوم الشركة القطرية "بتسويد" لياليه على المواطنين في وسط البلاد.
ما ان تمت إثارة موضوع شركة الكهرباء هذا، حتى تنطح من تنطح من المتحمسين من كتاب وغيرهم، ووصف بعضهم ما أثاره السيد العمري بأنه "صرخة مدوية"، ولم يتردد البعض الآخر أن يكرر توجيه أصابع الاتهام للمخيمات، ومن انها تقف وراء "الكارثة الوطنية" التي تمر بها البلاد، ليس في موضوع الكهرباء فقط، وإنما في العديد من القضايا التي ليست هي مجال بحثنا هنا، ويعتقد البعض انه لا بد من وضع حد لحالة "الفلتان" التي تعيشها "بؤر السوء" هذه، وحاول البعض الآخر من خلال صفحات التواصل الاجتماعي وعبر وسائل الانترنت الأخرى، الترويج انه لن يصلح حال الوطن إلا بإصلاح المخيمات "وتأديب" أهلها، ووضع حد لهم مرة واحدة والى الأبد.
نحن نعلم ان هنالك من ينظر إلى المخيمات على أنها هي من يقف في طريق طموحاته الشخصية، وتحول دونه ودون الكثير من الممارسات التي كان له ان يمارسها لولا وجود هذه المخيمات، كما نعلم ما قيل ويقال بحق المخيمات ممن أصبحوا قادة وشخصيات عامة، ونعلم ان هنالك من يعتقد انه لولا وجود المخيمات ربما لحُل الصراع مع دولة الكيان منذ أمد طويل وهذا ما كان سيتيح له التطبيع كيفما شاء وإقامة العلاقات "الودية" مع الدولة الجارة، لكن هذا لا يعني بحال من الأحوال ان الأمور هي فعلا كما يعتقد هؤلاء.
حالة التحريض المبطنة ضد المخيمات، من خلال موضوع شركة الكهرباء،- التي لا تختلف عن غيرها من شركات القطاع الخاص والتي تهدف إلى الربح والربح فقط،- ليست الأولى ولن تكون الأخيرة ضد المخيمات وأبناؤها، فلقد شهدنا حالات مشابهة لها في الماضي القريب والبعيد، وهي لن تكون سوى زوبعة في فنجان وتمر كما مر غيرها من الحالات، خاصة في ظل إثبات أهالي المخيمات، أنهم لا يقلون وطنية ولا تضحية ولا مقاومة عن غيرهم من أبناء الشعب الفلسطيني، لا بل هم رواد المقاومة منذ حلف بغداد وما قبل ذلك إلى أن تقوم الدولة وعاصمتها القدس، شاء من شاء وأبى من أبى.
محاولة تحميل المخيمات الحال التي وصلت إليه شركة الكهرباء، لا يجب أن يمر دون طرح العديد من الأسئلة، والتي على رأسها، لماذا وصل حال شركة الكهرباء إلى هذا الحال؟، وهل حقيقة إن المخيمات "ولصوصها" هم السبب؟، وكذلك السؤال الآخر الملح الذي لا بد لمن يعرف أن يجيب عليه، أين ذهبت أموال اللجنة المشتركة؟ وهي بالمناسبة أموال طائلة، وكانت الشركة تحصل عليها من منظمة التحرير قبل دخول السلطة وخاصة في الثمانينات وفي مرحلة الانتفاضة الأولى، وماذا جرى لبعض القروض الممنوحة من أوروبا والتي تحولت إلى منح غير قابلة للسداد؟، هذا من جهة، أما من جهة أخرى فانه وحسب علمنا، فقد قامت بعض اللجان الشعبية بجهود فردية في مساعدة الشركة وتجديد الشبكة وتحديدا في مخيم الدهيشة، دون ان يكلف ذلك الشركة شيئا.
حديث السيد العمري وغيره عن سرقة الكهرباء، والذي جاء ليوحي ان السرقة لا تتم إلا من خلال المخيمات، هو حديث مردود ولا يمكن قبول مثل هذا الاتهام لأهالي المخيمات، خاصة وان سرقة الكهرباء هي ظاهرة عالمية ولا تقتصر على هذه الفئة أو الشريحة أو تلك، وكنا نتمنى ان يتحدث السيد مدير شركة الكهرباء بصراحة وبشفافية عن عديد المشاكل التي تواجهها الشركة.
الحديث المبتور الذي أفاد به السيد العمري ومن كتب تأييدا له عن سرقة المخيمات لكهرباء "الوطن"، كان يمكن ان يكون أكثر موضوعية لو انه تطرق لماذا وكيف تخلت الشركة عن امتيازاتها شيئا فشيئا في المناطق العديدة حول القدس مثل المستوطنات – جيلو، والنبي صمويل والنبي يعقوب بحسب ما نعلم وغيرها من المناطق التي كانت ضمن امتياز الشركة.
كما كنا نتمنى أن يتضمن الحديث، ولو بالحد الأدنى عن التضخم الإداري والأعداد المتزايدة من الموظفين والعمال في الشركة، وكذلك عن الرواتب الخيالية والامتيازات غير العادية التي يتقاضاها هؤلاء، كما كنا نتمنى ان يتم الحديث وتفنيد الكثير مما يتردد في الشارع عن "إساءات وسوء استخدام" من قبل بعض العاملين قد تصل إلى درجة الفساد، لا بل هنالك حديثا اخطر من ذلك يدور عن بعض العاملين في الشركة، والذي لا نستطيع البوح به خوفا من "سيف" الادعاء عن الكثير من التجاوزات الخطيرة بعلم الشركة، وتسريحهم مع التعويض.
كنا نرغب ونتمنى ان نسمع كيف تم تحويل الشركة العريقة إلى مجرد "سمسار" و "جابي" للشركة القطرية، ما هي الظروف التي أدت إلى ذلك، وعلى يد من، وتحت أي ذريعة؟، وهل كانت هنالك صفقات سرية تمت بين من "سلٌم" الشركة ومفاتيحها وامتيازاتها لشركة استعمارية استيطانية بغيضة؟، حيث من غير الممكن ان تتآكل الشركة بهذا الشكل دون ان نعرف لماذا وكيف ومن؟ والى آخره من الأسئلة.
كما كنا نتمنى ان يتحدث المتحدث عن العديد من المصانع التي يقول الجميع وفي كل مكان بأنها وبعلم الشركة، تسرق الكهرباء من المخيمات بحكم قربها و"محاددتها" للمخيمات، حيث يعمل بعضها على مدار الساعة، ويستهلك الواحد منها أضعاف ما يمكن ان تستهلكه عشرات العائلات في المخيم الواحد بشكل يومي.
لا بد هنا من التذكير، إن المخيمات وعند تأسيسها، كانت تتسلم "الكاز" من وكالة الغوث من اجل ليس فقط الإنارة، وإنما من اجل التدفئة أيضا، وأي ناظر إلى المخيمات التي تقام الآن في الدول المحيطة بسوريا، كالأردن وسوريا، سيلاحظ بدون شك ان تلك المخيمات تتم إقامتها وتزويدها بالكهرباء والمياه وغيرها، وعليه فان الكهرباء ليست منة على أهالي المخيمات.
ومن جانب آخر لا بد من الإشارة والتذكير أيضا، إلى ما تعهد به الرئيس الراحل ياسر عرفات عندما زار مخيم الدهيشة، حيث تعهد بان تقوم السلطة بتزويد المخيمات بالكهرباء دون مقابل.
ان الإصرار على اتهام أهالي المخيمات بالتسبب بإغلاق الشركة أو التهديد بذلك، ليس سوى محاولة بائسة – موجودة كظاهرة في العالم الثالث بشكل عام- لتحميل أي طرف مسؤولية الفشل الذي يواجهه ويتسبب به أناس آخرون وهذه محاولة للتنصل من المسؤولية ورميها على كاهل من هم ليسوا سببا بها، كما انها محاولة بائسة لغض النظر عن المحاولات الصهيونية لسلب الفلسطينيين كل ما يتعلق – بالهيبة- ولنا في بيت الشرق في القدس عبرة وموعظة، وكذلك في كل ما تقوم به سلطة الاحتلال من ممارسات ليس اقلها منع رئيس السلطة الفلسطينية من التجول أو الحركة- حسب قوله- إلا بإذن من سلطة الاحتلال.
وبحسب ما نعرف، فلقد كانت هنالك محادثات مطولة بين الشركة وبين أهالي بعض المخيمات من خلال اللجان الشعبية، إلا ان الشركة أدارت الظهر ولم تستكمل تلك المحادثات، برغم ما لأهالي المخيمات من تحفظات على ذلك، وحول أحقية تمثيل تلك اللجان للمخيمات.
حديث السرقة، لا بد ان يتبعه حديث آخر عما سببته شركة الكهرباء من أعطال لآلاف الأجهزة في تلك المخيمات على مدار سنوات طويلة بسبب سوء التيار الكهرباء الذي يتم تزويد المخيمات به، وبإمكان من يشاء ان يقوم بزيارة المخيمات ليرى قوة التيار الذي لا يضيء لامبة "فلورسنت، أو مدفأة كهربائية". ترى من يتحمل تلك الخسائر التي تسببها ضعف التيار وخراب وعطل الأجهزة الكهربائية نتيجة القطع المتكرر للتيار بدون إنذار أو إعلان، والتي قد تصل إلى مبالغ مهولة؟، لا بل هنالك من يثير مسؤولية الشركة عن الوفاة لبعض الحالات.
انه وبالإشارة إلى العلاقة التي تربط أبناء المخيمات مع شركة الكهرباء، وهذا ليس للمزايدة -كما قد يعتقد احد كتاب اليسار- فلا بد من التذكير فقط، إلى انه وعندما حاولت سلطات الاحتلال السيطرة على الشركة وبعض مناطق امتيازها، أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، فان من تصدى لتلك المحاولات هم أبناء المخيمات، وأبناء المخيمات فقط، عندما كان البعض لا يعرف ان هنالك دولة احتلال لأنه "غاطس" في العمل في المصانع الصهيونية ولا هم له سوى جمع المال، وهنالك العديد من الشبان الذين دفعوا ثمنا من أعمارهم في السجون كنتيجة لتلك المواجهات، التي كانت تهدف إلى الحفاظ على امتياز الشركة فقط لكونها شركة فلسطينية وليس بالضرورة وطنية- خاصة في ظروف اختلاط الحابل بالنابل فلم نعد نميز بين الوطني والتجاري- برغم معرفتهم انها ليست سوى شركة ربحية.
كل هذا الحديث لا يمنع من الإشارة والموافقة على انه تمت إقامة مصانع وورش ومشاغل نجارة والومنيوم و"سوبرماركتس" وسواها، وان هنالك عشرات المحال التجارية التي يتم افتتاحها في المخيمات سواء من أبناء المخيمات أنفسهم أو من أناس من الخارج، كما ان هنالك العشرات من المحال التي أقيمت على الشوارع الرئيسية والتي تقوم بسحب التيار الكهربائي من المخيم، كما ان هنالك الكثير من المحال والمصانع وغيرها التي أقيمت إلى جوار المخيمات وتستغل وجودها بالقرب من المخيمات لتقوم بسحب التيار منها.
هذه المصالح بحسب اعتقادنا معلومة لكل أصحاب العلاقة، ولا نعتقد بان أحدا سيكون ضد ان تقوم هذه ليس فقط بدفع ما عليها من فواتير كهرباء، لا بل وان تقوم بتسديد ما يترتب عليها من ضرائب أيضا، على ان يتم ذلك بشكل عادل وان يتم تطبيقه على الجميع بدون استثناء، يعني "مش فقوس وخيار"، وان يتم التشديد والتشدد بشكل خاص مع المصانع المحيطة وبالأخص القريبة من المخيمات، والتعامل معها بنفس الطريقة بدون اخذ "شان لفلان أو لعلان".
كنا نتمنى لو ان سيرة الهواتف النقالة لم تأت ضمن الحديث الذي تحدث به المتحدث، لان من غير اللائق ان نتحدث بهذه الطريقة، فهل يجب ان يكون أبناء المخيم بدون هواتف حتى يرضى "سين أو صاد"، نحن نعلم ان هنالك من يعتقد بان المخيمات صارت كالشوكة في الحلق بالنسبة إلى الكثير من الناس، لا بل هنالك من يتمنى ان يراها وقد سويت بالأرض، ونحن مع هؤلاء، لكن ليس قبل ان تتم إعادة ساكنيها إلى قراهم التي هجروا منها، عند ذاك نضمن لشركة القدس ولغيرها من الشركات التجارية ان تحصل على مستحقاتها كاملة.
وهنا لا بد من إثارة سؤال حول الشركات المزودة للكهرباء في المناطق التي لا تخضع لامتياز شركة كهرباء القدس، لم لا تتعرض تلك الشركات لنفس المصير، ترى هل يختلف أهالي المخيمات في تلك المناطق عن أولئك الذين يقطنون ضمن شركة كهرباء القدس؟
وقبل ان نختم، لا بد من الإشارة إلى ان الحديث عن الديون على الشركة كان يمكن ان يكون أكثر مصداقية، لو تم الحديث عن جميع الأسباب التي أدت إلى تضخمه إلى هذا الحجم، هذا من جهة، أما من جهة ثانية، والتي تثير الغرابة والريبة أيضا، ان أحدا لم يسمع كم هي المبالغ المترتبة على المخيمات، وكم هي نسبتها من مجمل الديون؟ ولماذا يتم التستر على ذلك أو في الحقيقة إخفاؤه؟، وذلك حتى نعلم إذا ما كانت هذه الديون "السرقات" التي تقوم بها المخيمات هي التي "كسرت ظهر الشركة" أم ان هذا ليس سوى جزء من الهجمة التي تحدثنا عنها في البداية.
تهديد شركة الكهرباء بقطع الكهرباء، "شيء مرعب"، وكأن الوطن بخير وغير مقطع الأوصال وليس منقسما على ذاته، والأمور كلها ممتازة، "بس المشكلة في مخيمات اللصوص" التي تقوم بسرقة الكهرباء. دمتم بكهرباء