الخميس 16/10/1445 هـ الموافق 25/04/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
الجذور التاريخية للنشيد الوطني الفرنسي وكلماته 'الحربية'

يعد النشيد الوطني للجمهورية الفرنسية من بين أقوى الأناشيد حول العالم، ومن المرجح أن معرفة جذوره التاريخه ستزيد من الإعجاب به، كما يقول الصحفي "أليكس مارشال".

يبدو أن هناك نشيداً واحداً فقط في وقتنا الراهن تتغنى به ألسنة الناس في العالم أجمع، إنه النشيد الوطني الفرنسي المعروف باسم "لا ماغسييز".

أعتقد أن ذلك النشيد من أعظم الأناشيد الوطنية على الإطلاق، فنحن نسمعه يذاع في محطات الراديو الفرنسية من وقت لآخر، وفي الفاصل بين أغنية وأخرى. ويُغنّى ذلك النشيد بقوة في العديد من قاعات الحفلات الموسيقية، كما كان الحال في نهاية الأسبوع الماضي في قاعة "ميتروبوليتان أوبرا" في نيويورك.

لقد رفع العشرات من الأشخاص مقاطع فيديو لأنفسهم وهم ينشدونه بشكل جهوري على مواقع الإنترنت. كما أنشده مؤخرا ما يقرب من 70 ألف من مشجعي لعبة كرة القدم في "ملعب ويمبلي" قبل مباراة منتخبي فرنسا وإنجلترا.

ولم يكن يخطر ببال أحد من مشجعي كرة القدم الإنجليزية على الإطلاق أن يقوموا بالتغني بذلك النشيد.

وبعد ذلك بأيام قليلة فقط، لم يعد "لا ماغسييز" نشيداً وطنياً للفرنسيين فقط، لكنه أصبح أشهر رمز للتضامن مع الفرنسيين حول العالم.

وسواء كان الناس يتكلمون اللغة الفرنسية أم لا، فقد أصبح النشيد وسيلة لكل شخص في العالم لكي يعبر بواسطته عن التضامن مع باريس بعد الأحداث المأساوية التي شهدتها في الأيام الماضية، ووسيلة أيضا للتعبير عن المشاركة والتعاطف مع التحدي الذي تواجهه البلاد.

وصار الذين ينشدون "لا ماغسييز"، وبدون إدراك منهم، يفكرون في المعنى الأصلي لكلمات ذلك النشيد وجذوره التاريخية.

كتب "كلود جوزيف روجيه دو ليل" نشيد "لا ماغسييز" عام 1792، وكان حينها جندياً وعازف كمان يبلغ من العمر 31 عاماً.

وفي ليلة 25 أبريل/نيسان، كان "دو ليل" في مدينة "ستراسبورغ" خشية غزو محتمل للنمساويين العازمين على دحر الثورة الفرنسية وإعادة تنصيب لويس السادس عشر كملك للبلاد بصلاحيات كاملة.

اجتهد عمدة المدينة من أجل التوصل إلى شيء يُلهم سكانها للدفاع عنها في مواجهة الدمار. في تلك الليلة، توسّل إلى "روجيه دو ليل" لكي يحاول تأليف بضعة أسطر ـ أو أي شيء من شأنه أن يساعدهم في مواجهة ذلك الموقف.

ما كان من "دو ليل" إلا أن عاد مسرعاً إلى غرفته وهو شبه ثمل. وبعد بضع ساعات فقط من ذلك الاجتماع، كتب "لا ماغسييز".

ربما يكون قد سرق اللحن من أغنية شعبية في وقتها، ومن المؤكد أنه استنسخ نصف كلمات النشيد من ملصقات وكتابات على الجدران في أنحاء المدينة آنذاك ـ لكن ما أوجده في تلك الليلة كان أمراً حقيقيا، إنه نشيد يدل على التحدي، ويمنح لسامعيه أملاً كبيراً.

وحقا، جعل "دو ليل" ذلك النشيد متعطشاً لإراقة الدماء، وبشكل لا يصدق. فقد جاء في إحدى سطوره: "هل تسمعون في جميع أصقاعنا أولئك الآتين لذبح نسائكم وأطفالكم؟"، بينما يتعالى صوت المجموعة المنشدة: "إلى السلاح، أيها المواطنون... لندع حقولنا تشرب من دمائهم القذرة".

غير أن "دو ليل" كان يدرك الحاجة لجعل النشيد يولد صدمة، بغرض تحفيز الجماهير.

وينطبق هذا على العبارة الافتتاحية: "انهضوا يا أبناء الوطن، بعد أن رُفعت في وجوهنا راية الاستبداد الملطخة بالدماء". هذه الأسطر هي التي يبدو صداها مدوياً في كافة بقاع المعمورة في وقتنا الحالي.

فإذا لم تكن تعتقد قبل ذلك أن "لا ماغسييز" يشكل قطعة موسيقية عظيمة، فما عليك إلا أن تلقي نظرة على كيفية استخدام النشيد من قبل موسيقيين آخرين كبار، وعندها قد تغير رأيك. فمن "ريتشارد فاغنر" إلى "البيتلز"، ومن "كلود ديبوسي" إلى "سيرج غينسبور"، كلهم اعتبر قطعته الموسيقية الخاصة بهذا النشيد من بين أفضل إبداعاتهم الموسيقية.

ربما كانت القطعة الموسيقية الأكثر شهرة هي تلك التي ألفها الموسيقي الروسي "تشايكوفسكي" في رائعته "افتتاحية 1812"، وذلك رغم أن هدفه منها هو أن يرمز إلى قرب دحر فرنسا على يد القوات الروسية، لكن اللحن كان قويا لدرجة أن من يصغي إليه سيخيل إليه بأن فرنسا هي المنتصر الحقيقي في تلك المعركة.

لقد ألهم ذلك النشيد مشاعر الفرنسيين على مرّ تاريخ بلادهم، حتى إن أحد الجنرالات الفرنسيين قال إن ذلك النشيد يعادل ألف مقاتل إضافي في المعركة.

وكتب أحد الشعراء الألمان ذات مرة يقول إن النشيد مسؤول عن مصرع أكثر من 50 ألف من مواطني بلاده.

وخلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، كان النشيد يُغنّى باستمرار في فرنسا في مسعى لإشعال حماس الجماهير (وذلك على الرغم من أن نظام فيشي كان قد أمر بحظره).

هناك لقطة مشهورة في فيلم "كازابلانكا"، حيث تنشد مجموعة من الفرنسيين، بخوف ولكن بحزم، ذلك النشيد الوطني ليطغى صوتهم على صوت مجموعة من العسكر النازيين المحتفلين بانتصارهم.

ليست هناك أية مبالغة، في هذه اللقطة، فيما يتعلق بالانفعال الذي يثيره التغني بذلك النشيد.

2015-11-24