السبت 15/10/1444 هـ الموافق 06/05/2023 م الساعه (القدس) (غرينتش)
في دعوة وقف الدم:مع من نتكلم بالضبط....نادية حرحش

لا اعتقد ان هناك اختلاف بين اثنين، على ان الدم المهدور في الشوارع في ظل الاعدامات العلنية التي نشهده،ا لا يجلب الفرح لقلب أحد. واعتقد اننا نتفق اننا متفقين على ان ميزان القوى معدوم ، وان ما يحصل لن يجلب لنا التحرر ولا التحرير .

وهناك المزيد الكثير من الاعتقادات والتساؤلات ، ولكن اهمها ، وبينما يردد الشارع الفلسطيني اليوم دعوات لوقف عمليات الطعن مثلا . او استياء من قلة فاعلية العمليات . او الصراخ بوجه الاهل “ضبوا اولادكم …وهي دعوات مشروعة . قد نحترم من يتفق ومن لا يتفق مع هذه العمليات او ما يجري . فهذا موضوع منفصل.

ولكن سؤالي هو : لمن نوجه دعوة التوقف عن الخروج للعمليات ؟

لهم شخصيا ؟

لأهلهم؟

للإعلام؟

للقيادة؟

للعالم ؟

ما يجري اليوم ولا نزال نرفض مواجهته هو إعلان يأس من إصلاح الحال الفلسطيني في ظل معضلة يصر صانعوا القرار على ابقائها . قيادة فاسدة سقفها احتلال عنصري ظالم.

عندما يصل المجتمع الفلسطيني اليوم الى ان تخرج طفلة او طفل بعمر الورود لتصنع من شوكها أداة دفاع عن وطن . فهذه الطفلة وذاك الطفل ايقن، كلاهما ، بأن الورد بين العليق لا ينفع الا شوكه ، والسماء بلا شمس لا توفر دفئا.

عندما يقرر الابناء هؤلاء انه لم يعد هناك من الحياة ما يدعو الى البسمة ولا الى الامل .

عندما يصل الابناء الى مرحلة لا يهبأ الابن بدمعة امه التي لن تجف بعد فراقه ، وحسرة الاب التي ستفطر قلبه ، والدمار الذي سيلحقه الاحتلال على عائلته وكل احبته .. فهذا الطفل يئس منا نحن الاهل كذلك.

عندما تتكر مشاهد الظلم والبطش ويصر الاحتلال على فرضها وتستمر القيادة الفلسطينية على إبقاء دورها في احسن احوالها بدور المتفرج السلبي .

عندما يتم التنكيل اليومي بالاطفال بالطريق الى المدارس. عندما تكون حقيبة المدرسة موقع اشتباه. وعندما تصبح المدارس والجامعات نقاط تماس .

عندما يشاهد الطفل والابن والده يهان على حاجز او بطريق.

عندما يفقد الطفل والطالب صديق طفولته وزميل مقعد الدراسة.

عندما يصبح الفقدان واقعا

وعندما تصبح الخسارة محصلة الحياة…

عندها يكون هذا الطفل او الشاب الذي قرر حمل كفنه على كتفه بسكين مطبخ او مقص ورقي ويرفعه بصدر عدو لا يكف عن الظلم والاضطهاد والتنكيل والقتل قد يئس من كل أمل في حل ، وكل رجاء في تغيير الحال.

من اين نبدأ بتغيير هذا الواقع من اجل ايقاف هؤلاء الاطفال والشباب من ارسال انفسهم في عمليات محتمة لموتهم الانتحاري في محاولة منهم الصراخ في وجهنا والقول لنا أنه لم يبق في وجهنا حياء؟

هذا الجيل هو الجيل الذي غيرت المناهج له وصارت فلسطين رقعا علي خارطة لم تعد مدنها الا رموزا لتاريخ ليس ببعيد ولكن بكل المقاييس سحيق .

هذا الجيل الذي تربى على مفاهيم التطبيع والتطويع من اجل سلم اقتصادي يؤهله لدخول معترك الحياة ببدلة وربطة عنق في إحدى مؤسسات السلطة براتب يلف حول عنقه ديون البنوك من اجل شراء بيت او سيارة او حتى تكاليف الزواج.

هذ الجيل الذي خرج من رحم انتفاضتين في مخاض كان مستحيل.

هذا الجيل الذي اصبحت اغانيه الوطنية في احسن احوالها “علي الكوفية” وعند الخروج من اجل مظاهرة” ازرع تفاح” و”الفدائي” صار فريق كرة القدم .

هذا الجيل خرج من رحم حمل كانت الام فيه تحمل حجرا تناوله للاب وتنقله لهم الجدة.

هذا الجيل خرج من حمل حدث فيما بين غارة ومنع تجول .

من شاب كان عهده لفتاته بأنه سيجلب لها الوطن محررا على خيوط الشمس

من فتاة كانت قصائد حبها تتكلم مع معشوق يتمدد امامها على ضوء قمر زنزانة يكتب على جدرانها ردود الشوق وحب الوطن.

هذا الجيل المولود في رهف اوسلو حمل من عبق انتفاضة كان الوطن فيها هو القضية . والقضية كانت أرضا مغتصبة بلا حق .شرد اهلها في انتظار العودة ،وقتل ابناؤها من اجل إعلاء حق لا يضيع ما دام له مطالب.

من يحرض الأبناء على الخروج من آجل إلقاء حياتهم أمام رصاص الاحتلال الذي لا يتوانى عن رش رصاصات كرهه وحقده في أجسادهم؟

من الذي سرق حلم هؤلاء من غد مليء بالامال والتمنيات؟

من الذي غرس اليأس في صدورهم والهم في قلوبهم والإحباط المتزامن ؟

عندما يعيش هؤلاء الاطفال حياة يملؤها القهر ويشهدوا بأم اعينهم عجز الاهل وانعدام الحياء من القيادة وغياب الامن عنهم وتهديدهم اليومي والتنكيل بهم وعد الانفاس عليهم …. ما الذي نتوقعه منهم .

عندما يتصدى الشباب بصدورهم العارية وابل الرصاص وآليات القمع بحجر بيدهم وما من حامي للنخوة ولا للعرض ولا للأرض غيرهم.

ما يحصل هو ثورة شباب استيقظوا على ربيع العرب الآفل وهوان السلطة المهين وبطش الاحتلال الذي لا ينتهي.

ما يحصل اليوم هو ثورة على استباحة الدم الفلسطيني الذي لا تكاد الارض ترتوي منه حتى تتعطش له من جديد .

لا تسألوهم الا يخرجوا …

كونوا رجالا لهذا الوطن ….

هؤلاء الاطفال والشباب من بنات واولاد كشفوا عوراتنا كأهل وكقيادة .

في كل رسالة يتركونها هناك عبارة توحي ب” عذرا ابي ، لم تستطع ان تصونني ، سأرحل ” . مشاهد العجز المطلق من قيادة لا تقوى ولا تجرؤ بالتصدي لاجتباح مدن او قرى او شارع . مشاهد العجز امام اب وام لا يستطيعا تخليص ابنهما الصغير من ايدي الجنود القاسية. مشاهد العجز امام شاب يفتش بالعراء ويهان ويضرب ويشتم ونمر امام المشهد تلو المشهد عبور الكرام .

خسائرنا اليوم اكبر الخسائر واقساها ، لان من يدافعون عنا هم اطفال هذا الوطن الذي لم يعد على ارضه رجال . ولا يزال الكثير منا يردد منددا : كفاكم … ضبوا اولادكم

2015-11-26