كان عمر المذيع في قناة الجزيرة جمال ريان 14 عاما حين اندلع فيه السؤال الكبير: لماذا كذبوا علينا؟
كان ذلك عام 1967، عام النكسة التي قصمت ظهر العرب وعصفت ببياناتهم الحماسية في الإذاعات حول الانتصارات المتوالية، بينما الحقيقة أن هزيمة يونيو/حزيران كانت هي الحقيقة الكبرى.
لذلك اندفع جمال ريان المولود في طولكرم بفلسطين والابن الثالث عشر من 14 أخا وأختا، يسأل: لماذا كذبوا علينا وقالوا إنهم ينتصرون؟ حمل سؤاله لاجئا إلى الأردن، لينخرط فيما بعد في عالم الإذاعة ثم التلفزيون.
في الحلقة المخصصة له من برنامج “نحن الجزيرة” التي بثت الخميس 10/12/2015، تداعت لدى جمال ريان صور وتجارب غزيرة من حياته التي جاب فيها قارات العالم، ولكن بقيت صورة والده المزارع حاضرة وقد سلبه الاحتلال كل ما يملك.
أكثر من مرة تكاد الدمعة تفر من عينه وهو يسترجع صورة الوالد الذي كان يصعد تلة في مدينة قلقيلية وينظر بحسرة إلى بيارته التي لم تعد له، فأمسى مع عائلته الكبيرة لاجئا. الوالد المزارع الذي كان يصدر البرتقال إلى أوروبا صدرت إليه أوروبا وعد بلفور.
ستعرف العاصمة الأردنية عام 1974 مذيعا شابا يقرأ نشرات الأخبار في التلفزيون، بعد تجربة ثلاث سنوات في الإذاعة. كانت هذه مرحلة الابتداء، ثم سيسوقه القدر بعدها إلى كوريا الجنوبية لينطلق صوته عالميا.
كانت كوريا عرضا مغريا لمذيع شاب يتقاضى راتبا شهريا لا يتجاوز 36 دينارا أردنيا، بعقد بألف دولار وشقة في العاصمة الكورية سول.
حملت الرحلة الكورية لقاء ليس إذاعيا هذه المرة، ولكن لقاء الفلسطيني مع شريكة حياته الكورية التي أسس معها أسرة وأنجبا ولدا أسموه مراد وبنتا أسموها ريم.
يحكي جمال ريان بحميمية عن مفارقات هذا الزواج بين عربي مسلم وكورية كانت دون دين قبل أن تشهر إسلامها، وجملة الإجراءات البيروقراطية التي خاضها حتى يجري التصديق على هذا الزواج.
مراد يحكي عن والده ويصفه بأنه رجل عفوي ومشاعره وقوميته واضحتان.
قضى جمال ريان في كوريا سنوات عديدة، انتقل منها إلى الـ”بي بي سي”، ويقول إنه كان من القليلين الذين علموا بمشروع إنشاء قناة الجزيرة منتصف تسعينيات القرن الماضي.
مع الجزيرة، يعرف الكثيرون من متابعيها أن الصوت الأول الذي قال “قناة الجزيرة من قطر” كان صوت جمال ريان.
وفي مسيرته التي لم تنقطع، كان يحتفظ بطريقة خاصة في الإلقاء يصفها مدير شبكة الجزيرة السابق وضاح خنفر بأنها طريقة تنعكس مباشرة على المشاهد، وتأخذه إلى المكان الذي يتحدث فيه ريان.
ذهب جمال ريان في الأثناء إلى ما اشتهر به في لقاءاته مع مسؤولين إسرائيليين، ويقول إنه ليس ضد حضورهم على شاشة الجزيرة، بل إنه يعتبر وجودهم “صيدا” له كي يدحض روايتهم.
واسترجع موقفا شهيرا جرى على الهواء بينه وبين وزير الخارجية الإسرائيلي وقتذاك شمعون بيريز، حين قال له إن الأرض التي يقف عليها الآن هي أرضه ولديه سند قانوني يثبت ذلك.