وسط انشغال العالم بظاهرة الإرهاب من خلال تحالفات دولية وعربية متعددة لمحاربته سواء في العراق أو سوريا أو اليمن وليبيا، تقوم إسرائيل بمحاولات حثيثة لخلط الأوراق لإقحام المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال في إطار الإرهاب. مع أن هذه الجهود الإسرائيلية ليست جديدة، إلا أن الجديد أن بعض الدول والأطراف الدولية بل والعربية تتجاوب مع الرؤية الإسرائيلية سواء من خلال توصيف ما يقوم به الفلسطينيون المنتفضون من أعمال مقاومة وتصد للاحتلال بأنها أعمال إرهاب، أو من خلال غياب المواقف للرد على هذه الطروحات الإسرائيلية، في مقابل ذلك تبرز مواقف متميزة وجريئة لمسئولين أوروبيين يرفضون الانصياع للمنطق الصهيوني بل ويعتبرون أن إسرائيل سبب رئيس فيما تعرفه منطقة الشرق الأوسط والعالم من عدم استقرار .
وفي هذا السياق يمكن رصد موقفين تجاه العنف الذي تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلة وكل منهما يعكس ويعبر عن موقف تجاه الاحتلال ومدى شرعيته:-
1- الموقف الذي يؤيد الحق بمقاومة الاحتلال
هذا الموقف يتوافق مع الشرعية الدولية وهو موقف غالبية الدول والشعوب وأبرزه اليوم موقف السويد . ففي مقابلة مع التلفزيون السويدي يوم السبت 14-11-2015 حملت وزيرة خارجية السويد مارغوت الستروم إسرائيل المسؤولية عن العنف في الشرق الأوسط حيث قالت في سياق ردها على سؤال عن أسباب التطرف بين الشباب المسلمين: "وهنا نعود إلى مواقف مثل تلك التي في الشرق الأوسط، حيث لا يرى الفلسطينيون على وجه الخصوص أدنى مستقبل لهم، بل يتعين عليهم إما أن يقبلوا وضعاً يائساً أو يلجئوا إلى العنف". وخلال جلسة نقاش في البرلمان الأوروبي ردا على اتهامات أحد النواب لها بعدم إدانة إصابة 57 إسرائيليا في هجمات فلسطينية، قالت إن إسرائيل تنفذ عمليات إعدام ضد الفلسطينيين المشتبه بتنفيذهم عمليات ضد إسرائيليين دون محاكمة، وبعد أيام صرح رئيس الوزراء السويدي استيفان لوفبان خلال مؤتمر صحفي إن "القانون الدولي لا يعتبر هجمات السكاكين إرهاباً".
2- الموقف الذي يندد بمقاومة الاحتلال
في مقابل ذلك تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية وعلى لسان قادتها كالرئيس اوباما ووزير خارجيته كيري وآخرون أن ما يقوم به الفلسطينيون في الضفة من عمليات مقاومة لإسرائيليين أعمال إرهاب وإجرام، ففي 9 أكتوبر، صرح المتحدث باسم وزارة الخارجية جون كيربي في مؤتمر صحفي: "نحن نعتبر أعمال الطعن والهجمات من قبل الفلسطينيين أعمالًا إرهابية، فالطعن وإطلاق النار إرهاب" وأكد وزير الخارجية جون كيري هذا الموقف يوم وصوله للمنطقة 24 نوفمبر حيث قال بأن عمليات الطعن التي يقوم بها الفلسطينيون عمليات إرهابية، مطالبا الرئيس أبو مازن بوقف هذه العمليات وإدانتها، وأن من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها!. وللأسف فإن بعض المواقف العربية والمنابر الإعلامية العربية تلتقي مع الموقف الإسرائيلي والأمريكي، وغالبيتها تقف موقف الحياد فلا تدافع عن حق الفلسطينيين بالمقاومة ولا تندد بالممارسات الإسرائيلية .
موقف السويد الدولة الأوروبية لا ينطلق من موقف أيديولوجي أو يشوبه عوار التحيز للفلسطينيين، بل موقف يعكس ويعبر عن موقف ورؤية القانون الدولي والشرعية الدولية من حق الشعوب الخاضعة للاحتلال بمقاومة الاحتلال، كما ينطلق من توصيف الأراضي الفلسطينية كأراضي خاضعة للاحتلال. أما موقف واشنطن ومن يدور في فلكها فهو يشكل تراجعا خطيرا في موقفها من الأراضي الفلسطينية كأراضي خاضعة للاحتلال، وارتدادا عن موقف القانون الدولي والشرعية الدولية الذي يمنح الشعب الفلسطيني الحق في تقرير مصيره الوطني وحقه بالدفاع عن نفسه .
خطورة الموقف الأمريكي الجديد الذي يدافع عن الممارسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويُندد بمقاومة الفلسطينيين للمستوطنين ولجيش الاحتلال، أنه يؤسس لرؤية لا تعتبر الضفة وغزة أراضي محتلة من حق شعبها مقاومة الاحتلال مما يعري موقف واشنطن ويشكك بصلاحية إشرافها على عملية التسوية. وهنا نلاحظ أنه طوال سنوات كانت واشنطن والغرب يصفون فقط العمليات الفلسطينية داخل الخط الأخضر أو ضد المؤسسات الإسرائيلية في الخارج بأنها عمليات إرهابية، أما العمليات داخل الأراضي المحتلة فلم تكن توصف بهذه المواصفات، وفي أسوء الحالات كان يتم التنديد بالعنف من الطرفين .
إن ما يجري من خلط ما بين مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال من جانب، والإرهاب من جانب آخ، يتطلب إعادة قراءة موقف القانون الدولي والشرعية الدولية من حق مقاومة الشعوب للاحتلال، ويتطلب تذكير الغرب بأنه أول من تحدث عن حق تقرير المصير للشعوب الخاضعة للاحتلال، وأول من مارسه على أرض الواقع، وإن كانت واشنطن ودول الغرب ودول عربية يحاربون الإرهاب باسم الشرعية الدولية والسلام العالمي فبالأحرى محاربتهم للإرهاب الإسرائيلي ودعمهم لحق الشعب الفلسطيني بالدفاع عن نفسه لأن الشرعية الدولية لا تتجزأ ولا يجوز الكيل بمكيالين عند تطبيقها.
إن العنف الذي يضطر الشعب الفلسطيني إلى ممارسته دفاعا عن أرضه ومقدساته يندرج في إطار الشرعية الدولية والحق في تقرير المصير وحق الدفاع عن النفس، فهو عنف يستهدف إلغاء حالة القهر والتسلط التي تمارسها إسرائيل، كما أنه عنف يصب في مصلحة السلام العالمي انطلاقا من كون الاستعمار يتناقض مع السلام العالمي، أو بمعنى آخر أنه عنف مشروع ردا على إرهاب الدولة الذي تمارسه دولة الاحتلال، من منطلق أن الاستعمار هو إرهاب بل أبشع أشكال الإرهاب، حيث يشمل بإرهابه كل الشعب، مهددا استقراره ومهينا كرامته وسالبا حريته .
يبدو أن شخصيات أوروبية مثل وزيرة خارجية السويد ورئيس وزرائها وآخرون أمثالهما يمتلكون الشجاعة لقول الحقيقة أكثر من بعض القادة والزعماء العرب، وما يُثير الأسى والغضب أن بعض الفلسطينيين يرتكبون خطأ شنيعا بوعي أو بدون وعي. ففي سياق حالة ضعف السلطة وحالة الانقسام والمناكفات السياسية يحذر البعض من تطور الانتفاضة واتساعها كما يحذرون من اللجوء للسلاح، فيقعون في محذور الخلط ما بين الحق في المقاومة بكل أشكالها وهو حق لا يستطيعون ولا يملكون الحق في إلغائه، من جانب، والممارسة الخاطئة لهذا الحق من طرف بعض الحركات الفلسطينية،أو إمكانية توظيفه بشكل خاطئ من جماعات غير وطنية، من جانب آخر. كما يدخلون في حالة تناقض مع أنفسهم، عندما يطالبون بتطبيق قرارات الشرعية الدولية ويطلبون من إسرائيل الالتزام بها، وفي نفس الوقت يتجاهلون حقوقا تمنحها الشرعية الدولية للشعب الفلسطيني، ومنها الحق في مقاومة الاحتلال، يمكن في حالة حسن توظيفها أن تعزز الموقف الفلسطيني في سياق نضاله من أجل الحرية والاستقلال.
هذه المواقف والتصريحات وحالة الإرباك في توصيف الانتفاضة وطريقة التعامل معها، بالإضافة إلى سلبية الموقف الرسمي العربي، كل ذلك يعكس تغلغل فكر انهزامي استسلامي وحالة من ألا يقين تجاه شرعية الحق الفلسطيني في أرض وتشكيك بقدرة الشعب على تحرير أرضه، وهكذا مواقف وتصريحات قد تُحبط المنتفضين وتبلغهم رسالة سلبية مفادها عدم جدوى بل وعدم شرعية ما يقومون به، وقد تكون هذه التصريحات والمواقف شجعت واشنطن في موقفها من الانتفاضة، وقد تشجع دول أخرى على اتخاذ مواقف معادية أو متحفظة من الانتفاضة الفلسطينية. إن من يرفض ويشكك بمقاومة الاحتلال إنما يشكك بشرعية الحق الفلسطيني في أرضه، ومحصلة كل ذلك ترجيح الرواية الإسرائيلية حول ما يجري في الأراضي المحتلة وحول تاريخ الصراع في فلسطين.