إقالة وزير العدل سليم السقا , تكشف عن نمط غريب من التعاطي مع قضايا قطاع غزة , ويوضح التوجه العام لذا قيادة السلطة الفلسطينية برام الله , بالتعامل الحاد والقاسي مع كل ما يأتي من مظالم من قلب المعاناة في قطاع غزة , حتى لو كان حامل تلك المظالم قيادات فتحاوية وطنية , وهناك الكثير من الملفات المطلبية لم ينظر لها ولم يتم التعامل بها بجدية , رغم أن من يتحرك لإنجازها قيادات وكوادر فتحاوية معتبرة , وعلى ما يبدو أن هذا السلوك ناتج عن توجيهات عامة , على اعتبار أن ما في قطاع غزة هو خارج سيطرة القيادة المركزية الفتحاوية , حيث يتمركز في قطاع غزة تيار مقاومة عريض تقوده حماس إلى جانب الفصائل الفلسطينية , يرفض مسيرة التسوية التي يقودها الرئيس عباس , بالإضافة إلى تيار فتحاوي كبير يدعم محمد دحلان القيادي الفتحاوي المفصول من قبل القيادة الفتحاوية برام الله , فليس هناك من أنصار للقيادة الفتحاوية الرسمية بين الفلسطينيين في قطاع غزة , ففي هذا السياق يبرر الكثير من القيادات الفتحاوية تجاهل القيادة برام الله لحاجات ومظلوميات الأهالي في قطاع غزة , ولعل قضية رفض صرف مخصصات شهداء الحرب الأخيرة على قطاع غزة شاهد على هذا التجاهل الرسمي لتلك الهموم الغزاوية .
فيما يتعلق بقضية الوزير سليم السقا , أن الوزير المقال شارك في اجتماع الدورة الحادية والثلاثين لمجلس وزراء العدل العرب بالقاهرة بتاريخ 19-11-2015م ,و كرجل دولة دارت بينه وبين نظيرة المصري وبعض الشخصيات المصرية بعض الأحاديث الجانبية , من هذه الأحاديث ما كان يتعلق بموضوع الشبان الأربعة المختطفين في سيناء المصرية , متسائلاً هل يعقل أن لا يعرف الأمن المصري شيئاً عنهم ؟! , ودار حديث آخر عن جدية فتح معبر رفح من قبل السلطات المصرية بشكل دائم في ظل ما يحدث من أحداث في سيناء , الوزير سليم السقا لم يقوم بإجراء مراسلة رسمية بهذه المواضيع ,ولم يبحث تلك القضايا خلال إجتماع رسمي, وأن الأحاديث في هذا السياق لا تتعدى الطابع الشخصي في إطار النقاش العام والاستفسار, خاصة أنها دارت على هامش اجتماع عربي لوزراء العدل تم خلاله مناقشة قضايا مهمة ومركزية عربياً, كما جاء في مقررات الاجتماع , وأن الوزير الفلسطيني قدم رؤية وموافقة السلطة وحكومتها على تلك المقررات , وفقاً لتوجيهات السلطة الفلسطينية الرسمية , بمعني أن الوزير السقا لم يخالف النظام والصلاحيات المناطة به وظيفياً وفقا للقوانين واللوائح, وإن ما استفز قيادة السلطة الفلسطينية وجعلها تصدر قرارها بإقالة الوزير السقا هي تلك الدردشات التي قام بها الوزير الفلسطيني مع الجانب المصري , وكانت في مضمونها تدور حول قضايا تتعلق بقطاع غزة .
بعد أن أدى الوزير سليم السقا ما تتطلبه منه وظيفته كوزير للعدل في اجتماعات وزارة العدل العرب , ظهرت فلسطينية الوزير الحقيقية خلال الأحاديث الجانبية , الفلسطيني الذي يهمه شأن إخوانه وهمومهم وأحزانهم, فأراد الوزير أن يستفسر عن حادثة أسكنت الحزن والأسى في أربعة من بيوت العز الفلسطينية , بعد حادثة اختطاف الشباب الأربعة خلال سفرهم الرسمي عبر معبر رفح , فتمت إقالته الوزير السقا بناء على هذا التصرف كما أعلن عزام الأحمد على فضائية فلسطين , لا أريد أن أبحث في مدى قانونية تلك الدردشات هل يحق أو لا يحق لوزير أن يستفسر من وزير آخر عن حادثة وقعت لأحد أبناء شعبه على أرض ذلك الوزير ؟!, الا أن ما صدر عن الوزير السقا مبعث إعتزاز له وشهادة عن نزاهته من الحزبية المقيتة .
ولكن أليس من وظائف الوزير التصرف وفقاً للعناوين العامة للحكومة وفي مقدمتها حماية المواطن والدفاع عنه وتيسير أموره , أفلا يعتبر السؤال عن مفقود في دولة شقيقة من مهام الوزير في زيارته لتلك الدولة , وإلا فأنه سيخجل من نفسه ويستحقر وظيفته التي لا تلبي نداءات المظلومين من أبناء شعبه , لذلك لا يمكن فصل استفسار الوزير الغير رسمي عن الشباب الأربعة عن وطنية الوزير الزائدة عن الحد المطلوب وفقاً لمقاسات السلطة في رام الله, حتى لو كانت حديثاً شخصياً يعبر عن رأي الوزير الخاص , والذي لم يؤثر على عمله الرسمي الذي قام بتأديته على أكمل وجه .
ما يهمني في الأمر ويثير الاستغراب , كيف تصمت السلطة الفلسطينية أو دولة فلسطين عن قضية الشباب الأربعة, ولم تقم ولو بدور شكلي في السؤال والاستفسار عن أحوالهم , وكلنا يعرف سيل الزيارات الرسمية للرئيس عباس للدولة المصرية الشقيقة ما بعد حادثة اختطاف الشباب الأربعة , وكم هي اللقاءات التلفزيونية التي أجراها من الفضائيات المصرية ولم يتطرف لتلك القضية , رغم مناشدة عائلات الشباب الأربعة المتكررة له بالتدخل لإنهاء الأزمة والعثور على المختطفين , أفلا يعلم الرئيس عباس أن تحرير المختطفين يعتبر من أولويات المهمات التي يفتخر بها رؤساء الدول , حيث يتباهى الرؤساء بتحرير أبناء شعبهم من حوادث الاختطاف وقد تكون من المواد الرئيسية في الدعاية الانتخابية أو الترويج للرئيس أو الحكومة , بل تخوض الدول والحكومات في سبيل تحقيق تلك المهمات مسلسل طويل من المفاوضات مع الجهات الخاطفة , وقد تقدم بعض التنازلات للخاطفين , اذا تطلبت حماية حياة المختطفين ذلك , وما حدث من تبادل للمختطفين في لبنان مؤخراً يكشف عن مدى اهتمام الحكومة اللبنانية برعاياها.
ما نريده للسلطة الفلسطينية والرئيس عباس أن يكون للكل الفلسطيني , في ظل ما نتعرض له كشعب وقضية من استهداف مباشر, وأن يسعى بقرار منه بإتمام المصالحة الفلسطينية , وأن يترك التعويل على المسارات التفاوضية العقيمة , التي يكون عنوانها المركزي استئصال جزء أصيل من الشعب الفلسطيني , أو إخماد روح الثورة والإنتفاضة في نفوس الأجيال الفلسطينية , مقابل أن يمن علينا المحتل الصهيوني ببعض التسهيلات والامتيازات البعيدة كل البعد عن حقيقة المشروع الوطني الفلسطيني التحرري .
السؤال الذي يغم ويزيد الهموم , هل تتعامل السلطة الفلسطينية وحكومتها , مع القضايا المتعلقة بالمواطنين الفلسطينيين من منطلق حزبي محض ؟! بمعني اذا كان المواطن الفلسطيني له خلفية سياسية لا تتوافق مع سياسة السلطة , فإنه لا يتمتع بحمايتها أو خدماتها !! , للأسف هذا ما رأينا ونراه من تعامل السلطة مع المخالفين و المعارضين السياسيين , وهذا لا يؤسس أبداً لنظام ديمقراطي فلسطيني سليم , ولا ينمي الشعور بالإنتماء للنظام السياسي القائم , وبذلك تؤكد السلطة الفلسطينية بأنها لازالت تسيير في ركب النظم الديكتاتورية للأسف الشديد .
كاتب وباحث فلسطيني
17-12-2015م