أربعة شهداء فلسطينيين ارتقوا إلى العلا ، وسكنوا أعماق شعبهم وضمير العالم المتحرر من الصهيونية ونفوذها ، والمتعاطف مع معاناة الشعب العربي الفلسطيني وتطلعاته المشروعة.
أربعة شهداء سقطوا في المواجهات ضد جيش الإحتلال وضد أجهزته ومستوطنيه الأجانب المزروعين تسلطاً وعنوة على أرض الفلسطينيين ، ارتقوا يوم الميلاد ، ميلاد سيدنا محمد المتزامن مع ميلاد سيدنا المسيح ، تعبيراً عن مكونات هذا الشعب الموحد وتاريخه وتراثه ومعالمه للمسلمين كما هي للمسيحيين ، وكلاهما إذ يحترمون اليهود واليهودية بإعتبارهم أصحاب الرسالة السماوية الأولى ، وثلاثتهم ينحدرون من سلالة سيدنا إبراهيم أبو الأنبياء وسابقهم الذي ورّث لهم الأيمان الواحد بإجتهاداته المتعددة من أجل خير الأنسان ونبله وتفادي الشر وتداعياته ، فهم بنفس القوة والعزيمة من المسلمين والمسيحيين يرفضون الإحتلال والظلم والأحادية والتسلط ، وأفعال الصهيونية وشرورها في القتل المتعمد ، والتدمير لحياة الناس ، والخراب لممتلكاتهم وجعل وطنهم طارداً لهم ، حيث لا وطن لهم سواه .
المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي رغم تفوقه ، على ضعف إمكانات الشعب الفلسطيني ، فقد فشلت تل أبيب في إنهاء الوجود العربي الفلسطيني الإسلامي المسيحي الدرزي على أرض فلسطين ، وبقي هؤلاء رمزاً للصمود على أرضهم ممسكين بها ، لا خيار لهم إلا لها وعليها ، عاشوا وبقوا ، ونموذجاً يُحتذى في المواجهة اليومية بين الفلسطينيين والإسرائيليين ، فقد سبق للصهيونية أن فشلت ومشروعها الإستعماري الأحلالي الأستئصالي في جعل اللاجئين لا صلة لهم بفلسطين ، وردوا على ذلك أن فجروا الثورة وقادها ياسر عرفات مع جورج حبش وأحمد ياسين وطلعت يعقوب وأبو العباس وعبد الوهاب الكيالي وغسان كنفاني ، وكل الذين خلّدهم شعبهم والتاريخ بعد أن عملوا وأسهموا بإستعادة الهوية المبددة ، والتمثيل المبعثر ، إلى الأعتراف العربي والدولي بمنظمة التحرير ، وحقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتبديد أو التلاشي ، إلى الأقرار الإسرائيلي الأميركي بالشعب والمنظمة والحقوق وولادة السلطة الوطنية من رحم إنتفاضة 1987 وتداعياتها وإنتقال الحدث والعنوان من المنفى إلى الوطن .
وفشلت الصهيونية في ترويض الفلسطينيين في مناطق الجليل والمثلث ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ، وأطلقت عليهم “ عرب إسرائيل “ و “ مسلمي إسرائيل “ و “ بدو إسرائيل “ و “مسيحيي إسرائيل “ والشيوعيون كانوا لهم بالمرصاد من توفيق طوبي إلى توفيق زياد وإميل توما وإميل حبيبي ومحمود درويش وسيمح القاسم الذين قادوا وأسهموا مع باقي الشخصيات الوطنية والقومية والتقدمية إلى الأسم الواحد الموحد على أنهم جزء لا يتجزأ وجزء أصيل من الشعب العربي الفلسطيني ، وهكذا إنتصرت إرادتهم على الجلاد وعلى القوة والحكم العسكري ، ولم يتنازلوا عن عروبتهم وفلسطينيتهم وإسلامهم ومسيحيتهم ودرزيتهم وأصالتهم ، كانوا وبقوا ولا زالوا .
وفشلت الصهيونية في تطبيع علاقات الأستكانة والرضوخ والمذلة على فلسطينيي الضفة الفلسطينية والقدس والقطاع ، وكانوا البواسل والشجعان ، وفجروا إنتفاضة الألفين بعد فشل كامب ديفيد ، وأرغموا شارون على الرحيل عن قطاع غزة بعد إزالة قواعد جيش الإحتلال وفكفكت المستوطنات عام 2005 .
وها هم فلسطينيوا عاصمتهم القدس العربية الإسلامية المسيحية يفجرون الأنتفاضة الثالثة على أرض الوطن في مناطق 67 ، منذ بداية شهر تشرين أول أكتوبر 2015 ، ليقدموا الشهداء من الشباب والصبايا قرباناً للوطن ، ووعياً بالتضحية ، وملاذاً نحو الحرية ورفضاً للإحتلال وللتنسيق الأمني بين رام الله وتل أبيب والتهدئة الأمنية بين غزة وتل أبيب ، ويواصلون الطريق والتضحية يوم الميلاد المزدوج لسيدنا محمد مع سيدنا المسيح .
شجرة الميلاد في كنيسة المهد حملت مضمون العلم الفلسطيني ، مثلما حملت صور شهداء الأنتفاضة ، ذاك هو المغزى والدرس ، يحتفلون بالميلاد رغم أنف الأحتلال ، قاهرين الحزن والوجع ، وممسكين الميلاد كمحطة نحو الميلاد الأكبر المنتظر ويدفعون ثمنه دماً وأرواحاً وبسالة وشجاعة ضد المشروع الإستعماري التوسعي الإسرائيلي برمته ، من أجل الميلاد المقبل ، ميلاد الحرية والإستقلال ، ميلاد المساواة والعدالة ، وميلاد عودة اللاجئين إلى بيوتهم في القرى والمدن التي طردوا منها عام 1948 ، وإستعادة ممتلكاتهم فيها ومنها وعليها.
هذا هو الميلاد المنتظر والقادم والمقبل مثل كل الشعوب التي نالت ولادتها بالكرامة على أرض بلادها ، والفلسطينيون على الطريق حيث لا وطن لهم سوى وطن الأباء والأجداد والأبناء والأحفاد فلسطين منها وعليها وفيها الميلاد المنتظر كما بشر الفلسطيني الأول السيد المسيح عليه السلام .
[email protected]