الثلاثاء 11/4/1446 هـ الموافق 15/10/2024 م الساعه (القدس) (غرينتش)
اللّيل اليتيم ... فوزي الديماسي


خرجت علينا الأرض تجرّ جماجمها...
كنّا في جوف الكهف نتحسّس طريقنا إلى وردة ، استأسد العويل في بطن امرأة حامل كانت تجلس معنا حول نارنا النائمة . انتشرنا في تفاصيل الصيحة ، وركضنا في مفاصل العويل للوقوف على مصدر الصّوت ، إنّها وردتنا المنشودة انتبذت في رحم الأمّ مكانا شرقيّا تبكي أريجها . تقدّمنا نحوها برؤية مرتجفة ، ومدّ أحدنا يمينه بيضاء نحوها لينقذها وينقذنا من بعدها ، حرّك الكهف مخالبه والأنياب . وأينعت رؤوس الأفاعي ، وتدلّت من سقف الروح الثعابين تلتهم سكينة الأرض المدجّجة بالجماجم ، وبلغت يد صاحبنا جسد الوردة ، أخذها برفيق حذر فاكتشف ، واكتشفنا من بعد مخاض أنّها وردة بلاستيكية ...وانهمر المطر
مطر ...
مطر...
مطر ...
وقفت تلك المرأة الحامل في شرفة الليل بقامتها المجروحة تعدّ نجوم الظلام ، تترّقب من وراء الأفق قدوم فارس الأوهام ، ووسادتها على الفراش تغنّي للستائر الجرداء أغنية الليل الأخير ، أو هكذا يظنّ فجر رؤاها مغلول الخطوات ، أوهكذا بشّرت شمس الخريف على سور المدينة ، والمدينة حمامة بلّل أسئلتها المطر ...
مطر ...
مطر ...
مطر...
الشارع تحت الشرفة وحول الكهف يضمّد أزقّته المتعبة ، تداعب أنامله مرآة . وقوافل الروح التهمتها الكثبان المزركشة بوجه كئيب ، فتحت نافذة يتيمة في الكهف أزرار شرفتها ، ونزلت إلى بحيرة تحت الجبل لتتطهّر من أدران حلمها ، وحلمها ذنوب أينعت في رؤاها جنات من نخيل على شاطئ بحر مهجور...
مطر...
مطر...
مطر...
يا القادم من وراء الأمنيات تمهّل فماء العين ضنين ... وفؤاد الشرفة خراب ... وبطن الحامل قريت ضاعت خيامها واندثرت اوتادها
مطر...
مطر...
مطر... أطلقت جناحي شعرها نحو الأمل ، وأسرجت رحمها للسؤال على صفحة الماء . وكانت عارية إلاّ من حيرتها , والسماء من فوقها صفحة بيضاء ، والنفس بين جنبيها بحر مضطرب الرؤى في يوم مطير , داعبت فتنتها بمفاتنها، وراقصت الريح على حافة ثغر الصّباح ، فمادت بها القوافي كزورق ورديّ الخطوات , ولثمت خدّها البهيج شمس الصباح الواقفة في عين الفجر تطلّ على خرفان القرية يرسمون صخب الحياة على جبين الهذيان ... أو هكذا رسمت مدائنها في خيالها ...
مطر...
مطر...
مطر...
انتحر سؤالنا على عتبات الرحيل ، وبعثنا الكهف من رماد حيرتنا ذرّات في على أغصان العتمة

 

2016-01-01